الجهادية.. كيف نشأت؟ ولماذا فشل الجهاديون في الاستيلاء على السلطة؟

الجهادية.. كيف نشأت؟ ولماذا فشل الجهاديون في الاستيلاء على السلطة؟

الجهادية.. كيف نشأت؟ ولماذا فشل الجهاديون في الاستيلاء على السلطة؟


30/10/2023

تُعتبر الجهادية ظاهرة متعددة الأبعاد، وهي قبل كل شيء إيديولوجية عالمية، إذ بسبب الترقيع الفكري الناتج عن التباس المفاهيم والرموز والصور ذات الأصل الإسلامي أو المسيحي، يزعم القائمون عليها أنّهم يقدمون للمؤمنين بداية جديدة وهوية جدية وأسلوباً جديداً للحياة؛ لتحقيق النجاح هنا وفي الآخرة.

والجهاديون "مجموعة من المسؤولين المنتخبين المكلفين من قبل الله بإعادة إقامة الدين الحق، وإعادة توحيد الأمّة تحت راية الخلافة ـ الملكية الإسلامية العالمية ـ قبل الانطلاق لغزو العالم والحصول على الخلاص".

مفاهيم حاول "المركز العربي لدراسات التطرّف" عرضها من أجل التعريف بالجهادية والجهاديين، وذلك في دراسة حول الظاهرة بعنوان "نشأة الجهادية"، أشار فيها إلى الجذور التاريخية للظاهرة، والبلدان التي نشأت فيها.

جذور الجهادية

مثل الإيديولوجيات المتطرفة الأخرى، تعود جذور الجهادية إلى خيبة الأمل التي سببتها الحرب العالمية الأولى. أدى تفكيك الإمبراطورية العثمانية، وإلغاء الخلافة على يد مصطفى كمال أتاتورك، والهيمنة الغربية، وظهور أشكال جديدة من التنشئة الاجتماعية، إلى خلق فوضى حقيقية في بعض الأوساط الإسلامية، بحسب دراسة "المركز العربي".

وللخروج من هذه الأزمة الوجودية، يرى بعض الناشطين والعلماء أنّ الإسلام هو الحل الوحيد. حيث ظهرت عدة مشاريع ناجحة إلى حد ما، ما بين الحربين، وأهمها بلا شك جماعة الإخوان المسلمين.

يرى حسن البنا أنّ الإسلام "نظام سامٍ وشامل، يجب أن يسود على الفضاء الاجتماعي الإسلامي، عقيدة وعبادة، وطناً وجنسية، ديناً ودولة، روحانية وعملاً، قرآناً وسيفاً"

 جاء في الدراسة أنّه بوحي من جماعة الشبان المسيحية، تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، ويرى مؤسسها حسن البنا أنّ الإسلام نظام سامٍ وشامل، يجب أن يسود على الفضاء الاجتماعي الإسلامي، عقيدة وعبادة، وطناً وجنسية، ديناً ودولة، روحانية وعملاً، قرآناً وسيفاً. 

وبهذا الهدف، فهو يتصور استراتيجية غائية: من الضروري أوّلاً أسلمة المجتمع من الأسفل، وتجاوز جميع المدارس القانونية واللّاهوتية، قبل الاستيلاء على السلطة وإنشاء الدول الإسلامية. وهذه الدول، التي تضمن سيادة الشريعة الإسلامية، تنخرط تدريجياً في عملية التكامل من خلال برامج التعاون، وتؤدي هذه العملية إلى إلغاء الحدود وإعلان الخلافة.

لم يحدد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين قط مبادئ وهياكل الدولة الإسلامية التي يريد تأسيسها، لقد كان دائماً يكتفي بالشعارات والصيغ الفارغة، بل والمتناقضة أحياناً. لكنّ الآثار الموجودة هنا وهناك في كتاباته، وكذلك عمله على رأس جماعة الإخوان، تظهر بوضوح أنّه كان لديه ميل إلى النخبوية والهيمنة والاستبداد. 

يعلن البنا بوضوح تام موقفه المضاد لعدد من المبادئ الديمقراطية، أبرزها الحرية، والفصل بين السياسة والدين، والتعددية الحزبية، والفصل بين السلطات. ولمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، يجب على الأمّة، حسب رأيه، أن يقودها قانون واحد، الشريعة، وحزب واحد، هو الإخوان المسلمون، وقائد واحد هو الخليفة.

فشلت جماعة الإخوان في تحقيق هدفها الأساسي: الاستيلاء على السلطة

دراسة "المركز العربي لدراسات التطرّف" أشارت إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين، وبفضل البساطة النسبية لخطابها وحماسة أعضائها، تمكنت من توسيع قاعدة دعمها بشكل كبير في مصر وأماكن أخرى في العالم العربي، لكنّها فشلت في تحقيق هدفها الأساسي: "الاستيلاء على السلطة، وهو شرط أساسي لإعادة تأسيس مدينة الله، والحصول على الخلاص". 

وقد انضم سيد قطب إلى جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة الأزمة هذه؛ ففي السجن أجرى انقلاباً إيديولوجياً كانت له عواقب وخيمة على المجال السياسي والديني العربي الإسلامي، فهو يعتبر أنّ العالم الذي يعيش فيه قد وقع في الجاهلية، ويجب على المؤمنين الحقيقيين، الذين أصبحوا الآن أقلية، أن يحققوا الهجرة من خلال فصل أنفسهم روحياً وجسدياً عن المجتمعات غير المقدسة. 

يعتقد الجهاديون، الذين تعززوا بمشروع البنا، وخارطة طريق قطب، والعقيدة الوهابية، والانتصار على السوفييت، أنّهم حصلوا أخيراً على الصيغة الإيديولوجية المثالية لإحياء الخلافة 

بعد أن ينشئوا قاعدة روحية وزمنية قوية، يجب على هؤلاء المختارين أن ينطلقوا لغزو العالم الكافر كجزء من الجهاد الكامل. وبإلهام من الهندي الباكستاني (أبو العلاء المودودي)، وهو مؤيد شرس لفكرة الخلافة، يشجع قطب هؤلاء على إعادة إقامة سيادة الله المطلقة (الحاكمية) من خلال إقامة الدولة والشريعة الإسلامية لتحرير المؤمنين من المادية الغربية. 

الغزو السوفييتي لأفغانستان سمح بصعود الوهابية

على الرغم من شعبيتها، وتبنّيها من قبل عدد معين من الجماعات المتطرفة منذ الستينيات، فإنّ أفكار البنا وقطب واجهت عوائق في انتشارها؛ بسبب عقبة هيكلية: مؤلفوها ليسوا علماء أوصياء على تقليد عمره قرون. إنّهم مثقفون وناشطون إسلاميون، وهي فئة لم تجد بعد مكانها في المجال السياسي الديني، بحسب الدراسة.

وفي عام 1979 سمح الغزو السوفييتي لأفغانستان للجهادية باكتساب عقيدة لاهوتية وقانونية راسخة: الوهابية.

 وبفضل عائدات النفط السعودية، تمكن هذا التقليد، وفق الدراسة، من ترسيخ نفسه في المجال الإسلامي، باعتباره عقيدة جديدة، فقد وُلدت الوهابية خلال النصف الثاني من القرن الـ (18) في وسط الجزيرة العربية، وهي تجسيد للحنبلة، وهي إحدى المدارس القانونية الـ (4) الكبرى في المذهب السنّي. مؤسسها محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) داعية لا هوادة فيه، لم يتردد في فرض ما اعتبره الدين الحق الوحيد، دين النبي والأسلاف الصالحين "السلف الصالح"، ومن هنا جاء مصطلح السلفية، وهو اسم آخر لهذا التقليد. 

تنظيم الدولة الإسلامية تعلّم الدروس من إخفاقات تنظيم القاعدة

يؤكد محمد بن عبد الوهاب، الذي يتبعه تلاميذه، أنّ الطريق الوحيدة الممكنة للخلاص هي استعادة الدين "الخالص". وللقيام بذلك، يجب علينا (إعادة) اكتشاف المفهوم الأساسي للإسلام: الوحدة الإلهية ـ التوحيد ـ وهو الاسم المستعار للعديد من الحركات الجهادية، بحسب الدراسة.

ولا يمكن تحقيق هذا التفرد إلا بشرط واحد: الالتزام الصارم بالعقيدة والممارسة الصحيحة، وفقاً للمذهب الحنبلي، وكل من لا يلتزم بهذه العقيدة يوصف بالنفاق والضلال والزندقة، وحتى الكفر، بحسب ما جاء في الدراسة. 

يرى حسن البنا أنّ الإسلام "نظام سامٍ وشامل، يجب أن يسود على الفضاء الاجتماعي الإسلامي، عقيدة وعبادة، وطناً وجنسية، ديناً ودولة، روحانية وعملاً، قرآناً وسيفاً"

وتلفت الدراسة إلى أنّ التحول إلى توحيد حقيقي والبقاء فيه يتطلب التطبيق الصارم للوصفات الإلهية في جميع مجالات الحياة. ولتحقيق هذا الهدف، يدعو الوهابيون إلى تفسير صارم للنصوص المقدسة، ووفقاً لهم، يجب تطبيق الشريعة الإسلامية ـ وخاصة العقوبات البدنية ـ حرفياً.

ولرسم حدود رمزية وحقيقية بين الدين الأصيل والدين الزائف، طوّر أنصار الوهابية مبدأ "الولاء والبراء". يدين المؤمن بالإخلاص والولاء المطلق لجميع أفراد المجتمع الآخرين. ومن ناحية أخرى، فإنّ العلاقات مع غير المؤمنين تقتصر نظرياً على التحول أو الخضوع أو الحرب. وفي هذا المنطق، يجب على المسلمين الذين يسكنون الأراضي غير المقدسة أن يهاجروا عاجلاً أم آجلاً نحو دار الإسلام، لتخزين القوات المقدسة قبل العودة إلى الجهاد.

ويعتقد الجهاديون، الذين تعززوا بمشروع البنا، وخارطة طريق قطب، والعقيدة الوهابية، والانتصار على السوفييت، أنّهم حصلوا أخيراً على الصيغة الإيديولوجية المثالية لإحياء الخلافة والعصر الذهبي للإسلام. 

كما تشهد على ذلك المعتقدات الدينية المتداولة على شبكة الإنترنت، لا سيّما تلك التي نشرها الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، أبو عمر البغدادي، في عام 2007، فإنّ هذه الإيديولوجية لم تتطور إلا قليلاً خلال الأعوام الماضية. التطورات الجديدة الوحيدة التي يجب ملاحظتها هي صعود قوة الخطاب المناهض للشيعة بسبب السياقات السعودية والعراقية والسورية.

يبني تنظيم (القاعدة) سبب وجوده على فكرة أنّ الأمّة هي هدف للعدوان الداخلي والخارجي المستمر. ووفقاً لهذه الفكرة، فإنّ المسلمين في جميع أنحاء العالم ملزمون بتقديم المساعدة لإخوانهم في الدين الذين يواجهون محنة. 

ويتم التعبير عن هذا التضامن العضوي من خلال ممارسة الجهاد العالمي، سواء ضد القوى العظمى أو ضد الأنظمة العربية الإسلامية التي تدعمها. والهدف النهائي هو طرد هذه القوى من موطن الإسلام، والإطاحة بالأنظمة التي تعتبر مرتدة، وإعادة تأسيس الخلافة.

وبالنظر إلى كونهم يعتبرون أنفسهم طليعة جماعة المؤمنين، بحسب ما نشره (المركز العربي لدراسات التطرّف)، فقد خطط أعضاء تنظيم (القاعدة) لجعل أفغانستان موطناً لملحمة جديدة. وفي عام 1998 تعهد أسامة بن لادن ومساعدوه بالولاء لزعيم طالبان، الملا عمر، كأمير للمؤمنين، وأعلنوا الجهاد ضد القوى الغربية. وتلا ذلك سلسلة من الهجمات الكبرى، بما في ذلك هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

واستخلاصاً للعواقب المترتبة على إخفاقات تنظيم (القاعدة) تبنّى تنظم الدولة الإسلامية نهجاً "محلياً". إنّ قادة التنظيم، الذين يعتبرون أنفسهم بدورهم الممثلين الجدد للجهاد، فضلوا أوّلاً تجهيز أنفسهم بقاعدة في قلب العالم العربي الإسلامي وضمان استقلالهم المالي قبل إرسال جنودهم لتولي المهمة في بقية أنحاء العالم. 

وللقيام بذلك، اتبعوا خطة من (3) خطوات نُشرت ما بين عامي 2002 و2004 في كتيب بعنوان "إدارة التوحش". يشرح هذا الكتيب كيف يمكن للجهاديين استغلال الأحداث والظروف، محلياً أو دولياً، لوضع أيديهم على الأرض. 

وبمجرد احتلالها، فإنّها يمكن أن تصبح قاعدة، ليس فقط من خلال استخدام العنف الشديد والدعاية المتواصلة، بل أيضاً من خلال استلهام فن الحرب الغربي والمعرفة الإدارية. وقد تمّت محاكاة هذه الاستراتيجية بنجاح جزئي عام 2014 في سوريا والعراق وأماكن أخرى من العالم الإسلامي، في سيناء وليبيا ومنطقة الساحل.

الصفحة الرئيسية