"الشّبكة فضّة"... أفكار لمواجهة تكاليف الزواج تُغضب نسويات مصر

"الشّبكة فضّة"... أفكار لمواجهة تكاليف الزواج تُغضب نسويات مصر

"الشّبكة فضّة"... أفكار لمواجهة تكاليف الزواج تُغضب نسويات مصر


27/12/2022

ياسر خليل

تترقب الأسواق في مصر ارتفاعاً جديداً في الأسعار بعد قرار البنك المركزي المصري بزيادة أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس (3 بالمئة). ويأتي هذا القرار، الذي أعلن الخميس، بعد أسابيع قليلة من تراجع سعر الجنيه المصري مقابل الدولار بنحو 36 بالمئة، ما ساهم في زيادة كبيرة بأسعار السلع والخدمات، ودفع بعض القرى المصرية لإطلاق مبادرات لتيسير تكاليف الزواج التي يصفها البعض بأنها مبالغ فيها.

ومن بين المبادرات التي أثارت سجالات واسعة، خلال الأيام القليلة الماضية، استبدال الشبكة الذهب بأخرى من الفضة، كما دعت بعض المبادرات إلى خفض قيمة المهر، وتقليل مكونات شقة الزوجية، وتأجيل شراء أو إلغاء بعض التجهيزات غير الضرورية، أو السابقة لأوانها، مثل "النيش"، وغرفة الأطفال، وبعض الأجهزة الكهربائية الزائدة عن الحاجة.

هذا التيسير الذي رأى البعض أنه يخفف العبء عن الرجال الراغبين في الزواج، أثار غضب قطاعات واسعة من النساء، لا سيما المدافعات عن حقوق المرأة، والنسويات، لأنهن اعتبرن تلك الدعوة تخصم من الحقوق المحدودة التي اكتسبتها النساء في المجتمع، وتقدم مزايا إضافية للرجل.

وتقول المحامية المصرية هالة دومة لـ"النهار العربي": "ليس من الإنصاف أن نطالب المرأة بالتنازل عن الحد الأدنى من مكتسباتها، ونزيد من امتيازات الرجل. عندما يتخلى الرجل عمّا رسخه الخطاب الديني المتشدد في العقل الجمعي للمجتمع، مثل: "الولاية" على المرأة، و"اضربوهن"، و"القوامة"، وما إلى ذلك، يمكن حينئذ أن تتنازل النساء عن مكتسباتهن التقليدية المحدودة".

مبادرات مجتمعيّة

قفزت أسعار الذهب لمستويات غير مسبوقة بعد وقت قصير من تعويم الجنيه المصري، في نهايات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتراجعت قيمة الجنيه في مواجهة الدولار، من قرابة 15.6 جنيهاً للدولار الواحد، إلى ما يناهز 24.5 جنيهاً، ووصلت الأسعار بدايات الشهر الحالي إلى نحو 1660 جنيهاً للغرام الواحد، قبل أن تتراجع إلى 1645، أخيراً.

وتعد الشبكة المصنوعة من الذهب، هدية تقليدية يقدمها الرجل إلى عروسه، قبل الزواج، ويعتبرها البعض رمزاً لمدى تقدير الرجل لعروسه، كما يراها البعض كمؤشر على المكانة الاجتماعية، ما جعل نسبة من الأهالي يغالون في وضع شروط مسبقة لقيمة الشبكة.

🎞

وبعد ارتفاع أسعار الذهب ظهرت صورة لشبكة من الفضة، على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت مطالبات بتعميم الفكرة تخفيفاً للأعباء عن كاهل الرجال، خصوصاً في ظل الثبات النسبي للدخل، مقارنة بالارتفاع الكبير في الأسعار وتكاليف المعيشة.

ويعتبر الكثير من الأهل الشبكة الذهبية، وقائمة المنقولات، التي تضم توثيقاً لكل محتويات شقة الزوجية، ضامناً لمستحقات المرأة المالية، في حالة الطلاق، لا سيما أن إجراءات التقاضي للحصول على مستحقات المرأة والأبناء، تستمر لفترات طويلة في محاكم الأسرة التي باتت مكتظة بعد الارتفاع الكبير في نسب الطلاق خلال العقد الأخير، وفي أحيان كثيرة تتكفل المرأة بنفقاتها ومصروفات أبنائها، إلى حين صدور حكم قضائي يلزم الزوج بدفع مستحقاتها المالية.

مقارنات غاضبة

مع انطلاق تلك المبادرات، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مقارنات بين ما يحدث في مصر، ومثيله في دول عربية وبلدان ذات أغلبية مسلمة، وشعرت الكثير من النساء بالغضب نتيجة تحميل النساء المصريات نسبة كبيرة من تكاليف تأسيس منزل الزوجية، فيما لا يحدث ذلك في بلدان عربية أخرى.

وجرى العرف، في العقود الأخيرة، على أن تشارك العروس وأسرتها في تحمل نسبة قد تصل إلى 50 في المئة من تكلفة محتويات شقة الزوجية من أثاث ومفروشات وأجهزة كهربائية، كما يشاركون العريس في تحمل مصروفات حفل الخطوبة والزواج أو يتحملون أحدهما.

ومن بين المحتوى الذي أثار ردود فعل واسعة، مقطع فيديو تتحدث فيه سيدة سودانية عن تحمل الرجال في السودان كل تكاليف الزواج، بما في ذلك الطعام الذي يقدم للمعازيم، مشيرة إلى أن التقاليد في مصر تختلف عن السودان.

وقالت الصحافية صفاء عبد الرازق التي أجرت اللقاء مع السيدة السودانية، ونشرته على صفحتها بتطبيق "تيك توك" قبل أيام: "لقد فاقت ردود الفعل توقعاتي، وحصد المقطع قرابة نصف مليون مشاهدة".

وأضافت عبد الرازق لـ"النهار العربي": "كنت أتحدث مع بعض صديقاتي حول تحمل المرأة في مصر شراء الأجهزة الكهربائية، فقالت صديقتي السودانية إن هذا لا يحدث في السودان، ومن هنا جاءت فكرة الفيديو. وفي التعليقات التي جاءت عليه، اكتشفت أن العديد من البلدان العربية يتحمل فيها الرجال كل التكاليف".

تكلفة بيولوجيّة

ومن جانبها، تقول الناشطة النسوية المصرية إيمان مبروك لـ"النهار العربي": "إن البعض ينتقدنا لأننا نطالب بالتساوي مع الرجل، وفي الوقت ذاته نطالبه بتحمل النفقات التقليدية، من مهر، وشبكة، وتجهيز شقة الزوجية، ومصروفات حياتية... إلخ. نعم نحن نطالب بهذا لأن المرأة تقوم بدور في المنزل دون الحصول على مقابل مادي، ولو تم تقييم الأعمال التي تقوم بها المرأة، مادياً، فستكون مساهمتها أكبر بكثير مما يتحمله الرجل".

تتحمل المرأة تكلفة "بيولوجية" لا يستطيع الرجل تحملها

وتضيف مبروك: "في الغرب، تحصل المرأة على نصف ثروة زوجها، إذا تفرغت للمنزل، وقام هو بالعمل وحقق نجاحاً وتقدماً في مجاله، وجمع ثروة نتيجة تحملها هي لأعباء المنزل وتربية الأبناء. المرأة تتحمل كذلك تكلفة بيولوجية لا يستطيع الرجل أن يتحملها، كل شهر، وخلال أشهر الحمل، والرضاعة. كل هذا إذا قيس مالياً، فسيصبح أكثر مما يدفع الرجل بنسبة كبيرة للغاية".

تغيير وتثبيت

بينما تتزايد الدعوات للاعتماد على قوانين مدنية حديثة، تعطي المرأة حقوقها كإنسان، ويشير البعض إلى نماذج غربية، تجعل المرأة شريكة لزوجها في الثروة، إذا التزمت هي بأعباء المنزل، وواصل هو تحقيق الثروة في حياته العملية (أو العكس)، يرى البعض أن النظام الحالي، المعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية كاف لحل الإشكاليات القائمة.

ويقول متخصصون في علم الاجتماع إن الإشكالية الحقيقة تكمن في غياب ثقافة معرفة كل جنس بطبيعة الجنس الآخر، وتحول العلاقة من علاقة شراكة، إلى حالة من الترصد والتشكك، ولا يعفي كثير من علماء الاجتماع الخطاب الديني المتشدد الذي حرض الرجل على ضرب المرأة، وتقويمها بالقوة، من المسؤولية عن حالة التشاحن التي باتت تسيطر على معظم العلاقات الزوجية، بل العاطفية في مرحلة ما قبل الزواج أحياناً.

لكن بالنسبة للكثير من السيدات المصريات، ومنهن مي صدقي، فإن النظام الحالي كاف، وتقول لـ"النهار العربي": "الإسلام كفل للمرأة حقوقها، في أن يصرف عليها الرجل، وأن يقدم لها مهراً، لأن طبيعة الرجل وقوامته هي أن يكون مسؤولاً عن الأسرة كاملة".

وتضيف صدقي: "أعتقد أن أي تغيير في النظام سينتج منه خلل، ما يؤدي بالمرأة إلى أن تتحول رجلاً في كل شيء، وفي اعتقادي هذا خطر على الرجل نفسه، لأنه بدأ يسحب يده من تحمل الكثير من الالتزامات، ويقول لها: تريدين حرية، احصلي عليها، وتحملي النتيجة".

عن"النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية