الغنوشي يواجه النسيان والتهميش بالإضراب عن الطعام.. ماذا بعد؟

الغنوشي يواجه النسيان والتهميش بالإضراب عن الطعام

الغنوشي يواجه النسيان والتهميش بالإضراب عن الطعام.. ماذا بعد؟


03/10/2023

وسط أزمات عديدة متلاحقة ومتراكمة، على كافة المستويات، مرة عبر إطارها التنظيمي، وتماسك بنية الحركة، وتراتبية المناصب العليا، ومرة من خلال الصراع بين أجنحتها على منصب القيادة، بالتزامن مع فقدان كافة الصلات العضوية مع الشارع، وتعامل المواطنين مع كافة الأخبار التي تتعلق بالحركة وقياداتها، التي تواجه عدة قضايا منذ شهور، دون أيّ تفاعل، تواجه حركة النهضة الإخوانية مصيرها، وتسعى نحو العودة إلى المشهد مرة أخرى، من خلال الضغط على أعصاب الجماهير بالقضايا الحقوقية، وتوظيف الإعلان عن قرار زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الإضراب في محبسه عن الطعام؛ بهدف الوصول إلى أيّ نقطة في مسار التحرك السياسي الخاص بالقوى الدولية، نحو أيّ تسوية سياسية مع مؤسسة الرئاسة، خاصّة مع تحرك الجهات القضائية نحو تفعيل قضية الجهاز السري، وما يستتبع ذلك من اجراءت تكشف حقائق عديدة في قضايا الاغتيالات، الأمر الذي سيضاعف من عمق الأزمات والمشاكل التي تواجهها الحركة أمام المواطن التونسي.

محاولات يائسة للعودة

تتسق تلك الرؤية وتتضح مع قراءة كافة التصريحات ومضامينها التي خرجت مع قرار الإضراب، خاصّة ما جاء على لسان القيادي في حركة (النهضة) رياض الشعيبي، حين قال: إنّ "الإضراب المشروع" الذي بدأه جوهر بن مبارك، القيادي فيما يُسمّى جبهة (الخلاص)، سيتمدد ويتوسع، وسيشمل تقريباً كل المعتقلين السياسيين الذين يتجاوز عددهم حتى الآن الـ (40) معتقلاً سياسياً. بينما أنهى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إضراباً عن الطعام استمر لمدة (3) أيام؛ بدعوى التنديد بقرار احتجازه، والتعبير عن دعمه للسجناء في قضية التآمر على أمن الدولة، وذلك بحسب بيان أصدره الحزب، ونشرته وسائل إعلام محلية.

نحو ذلك قال عماد الخميري المتحدث باسم حركة النهضة: إنّ الغنوشي قرّر الإضراب عن الطعام لمدة (3) أيام، في مواجهة الملاحقات القضائية، "من دون سند ضدّ المعارضين"، وأشار إلى أنّ هذا الإضراب يأتي "دعماً للإضراب عن الطعام، الذي بدأه جوهر بن مبارك"، المحتجز منذ 24 شباط (فبراير) الماضي.

عماد الخميري: الغنوشي قرّر الإضراب عن الطعام لمدة (3) أيام، في مواجهة الملاحقات القضائية، من دون سند ضدّ المعارضين

ويخوض جوهر بن مبارك إضراباً عن الطعام منذ نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي؛ للتنديد باعتقاله، وفق شقيقته المحامية دليلة مصدق.

في السياق ذاته، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة "الخلاص"، في ندوة صحفية دعت إليها الجبهة، بعد دخول جوهر بن مبارك في إضراب عن الطعام بمحبسه: إنّ الجبهة دعت إلى هذه الندوة بعد إضراب جوهر بن مبارك، ممّا يعرض صحته للخطر، جراء هذا الإضراب الذي جاء للاحتجاج على المماطلة القضائية، حيث مرت (8) أشهر على انطلاق القضية، التي زعم أنّها لا تستند لأيّ واقع مادي، ولا ينطبق عليها أيّ قانون، سوى قانون الاستبداد، حتى لا يمارس المواطنون حقوقهم السياسية الشرعية، على حدّ قوله.

ولفت الشابي إلى أنّ حركة النهضة أصدرت بياناً أكدت من خلاله أنّ راشد الغنوشي دخل في إضراب عن الطعام، ورأى أنّ من واجبه أن يتضامن مع جوهر بن مبارك.

عدنان البراهمي: الدعم المأمول من أوروبا وأمريكا، في ظن راشد الغنوشي، يأتي تحت عنوان رئيس في ذهنيته، هو السعي لفكّ الحصار عن المعتقلين السياسيين

في المقابل، نفى وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، في مقابلة إعلامية، وجود "معتقلين" في تونس، لكنّه أشار إلى وجود "موقوفين" تحت حماية السلطات الأمنية.

وأكد الفقي وجود ضمانات للموقوف؛ كالعرض على الطبيب، وقبول الزيارات، ونقله إلى المستشفى إذا ساءت حالته الصحية. ونفى الوزير مزاعم التنكيل بالمعارضين السياسيين، قائلاً: إنّ "ظروف الحياة في السجن هي ظروف السجين". مضيفاً أنّ الدولة غير مستعدة "لتمييز المعارضين السياسيين عن غيرهم من المساجين".

وفند وزير الداخلية التونسي مزاعم استهداف الدولة للمعارضين السياسيين، مؤكداً أنّ كل الموقوفين مطلوبون للعدالة، في "جرائم تطال الحق العام، وليست جرائم سياسية".

ابتزاز سياسي

في هذا السياق، لا يعتقد الناشط السياسي التونسي عدنان البراهمي أنّ راشد الغنوشي بإضرابه عن الطعام، يبحث عن نتيجة ملموسة وفورية، بقدر ما يبحث عن تعاطف عام، ودعم من قبل القوى الدولية.

ويتابع البراهمي، في إطار حديثه لـ "حفريات"، أنّ الدعم المأمول من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، في ظن راشد الغنوشي، يأتي تحت عنوان رئيس في ذهنيته، هو السعي نحو  فك الحصار عن المعتقلين السياسيين، والحال أنّ المطّلع على الملفات القضائية، يعلم جيداً ويدرك أنّ راشد الغنوشي بالذات، رفقة بعض قيادات النهضة، يقعون تحت طائلة المساءلة القانونية؛ لارتكابهم جرائم تتعلق بالإرهاب وتهديد الأمن القومي، وتبيض الأموال والاغتيالات السياسية.

ويرى عدنان البراهمي أنّ تعمد الغنوشي "حشر" نفسه مع أسماء أخرى، لم يكن لها أيّ ارتباط تنظيمي بحزب حركة النهضة، محاولة أخرى للتعويم والطمس؛ هدفها تسفيه كل القضايا التي تواجهها الحركة، ووضعها موضع التهم الكيدية لتصفية الخصوم السياسيين.

ببساطة من الصعب، فهم إعلان راشد الغنوشي دخوله الإضراب عن الطعام، سوى كمحاولة لاستدرار عطف الشارع التونسي، وتلهيته عن ثأره الشخصي، بعد أن تم التنكيل به وبمقدراته، طوال فترة ما يُعرف بالانتقال الديمقراطي، والذي عرف بين المواطنين في تونس باسم العشرية السوداء.

استدعاء التدخل الأجنبي

من جانبه، يذهب الأكاديمي التونسي عبد الجليل بن قرة، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى أنّ قرار راشد الغنوشي بالإضراب عن الطعام يحمل أكثر من تأويل، إذ يمكن رؤيته في ظاهره من خلال التضامن مع جوهر بن مبارك، المضرب عن الطعام بدوره منذ مدة، بيد أنّ حقيقة الأمر هي أنّ ثمة رؤية في ذلك تبطن القرار في تقديره، ويمكن فهمها من خلال كون القرار في حدّ ذاته يحمل رسالة موجهة إلى الرأي العام الدولي، خاصّة الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ويتابع الأستاذ في الجامعة التونسية تصريحاته لـ "حفريات" بقوله: إنّ راشد الغنوشي يتحرك في سياق ذلك، وهو يعرف أنّ الدولة التونسية والرئيس يتحركان على المسار الدولي، وسط أزمة مع صندوق النقد الدولي، وضغوطات مع الجانب الأوروبي، ممّا دفع زعيم حركة النهضة نحو هذه الخطوة؛ ليراكم الضغوط على الرئيس قيس سعيّد، ظناً منه أنّ ذلك قد يؤدي إلى تسوية القضايا القانونية بصيغ سياسية؛ تسمح في نهاية الأمر بالإفراج عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة، وغلق هذا الملف.

عبد الجليل بن قرة: هذا الإضراب لن يكون له أيّ تأثير على المعادلة الداخلية، على الأقل في المستقبل المنظور

ويشير عبد الجليل بن قرة إلى أنّ راشد الغنوشي بفضل فترات إقامته الطويلة في الخارج، وفي لندن تحديداً، وشبكة علاقاته التي كونها عبر تلك الأعوام، اتجه نحو هذا التصرف، ظناً منه قدرته على توظيفه سياسياً، وبالتالي فتح حوار مباشر مع مؤسسات الدولة، والعودة إلى المنظومة القديمة، دون أيّ اعتبار لكل القضايا الملحة على حياة المواطن التونسي، لا سيّما ما يتعلق بملف الاقتصاد ومعيشة المواطنين، فضلاً عن مسؤولية حركة (النهضة) ورجالاتها عن تدهور الأوضاع في البلاد؛ بفعل عبث المنظومة السابقة التي كان الغنوشي اللاعب الرئيسي فيها.

ويلفت الأكاديمي التونسي إلى أنّ قرار الإضراب يكشف أنّ راشد الغنوشي قد اقتنع بأنّ الرأي العام التونسي لم يعد يهتم به، كما أنّه فقد تعاطف الشارع، ولم يبق له من حل سوى اللجوء نحو الدعم الأجنبي، والعمل على استخدام اللوبيات الخاصة به وبالحركة؛ للتأثير على مسارات المحاكمة.

ويختتم بن قرة تصريحاته لـ "حفريات" بقوله: إنّ هذا الاضراب لن يكون له أيّ تأثير على المعادلة الداخلية، على الأقل في المستقبل المنظور، كما أنّه لن يحقق أيّ تعطيل للمسار القضائي، في متابعة مجمل الملفات التي تدين الإخوان في تونس، من سوء تصرف في ميزانية الدولة، ومن دعم مباشر وغير مباشر للإرهاب، سواء في تونس أو خارج تونس، خاصّة في سوريا، والعراق، وليبيا.

مواضيع ذات صلة:

نحو المصالحة مع السلطة.. قراءة في خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل

جدل حول منع كتب بمعرض تونس.. هل تحول الإخوان إلى مدافعين عن الحريات؟

هل قطعت حركة النهضة التونسية حقاً مع الإخوان؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية