الفارس الجسور.. باني الجُسور

الفارس الجسور.. باني الجُسور

الفارس الجسور.. باني الجُسور


17/06/2023

سليم ضيف الله

أمام كاميرات العالم وميكروفوناته التي كانت تنقل الأصوات وتردد أنفاس الحاضرين، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، الذي يزور روسيا.

لا يخفى على أحد أن لهذه الزيارة في الوقت بالذات، أهداف كثيرة، وخاصة دفع العلاقات المميزة بين أبوظبي وموسكو، على أكثر من مستوى منذ عقود، والانكباب بجدية أكبر على معالجة الأزمة الأوكرانية المستفحلة، بعد أن دخلت فصلاً جديداً مع إطلاق هجوم كييف المضاد، الذي يعني تصعيداً عسكرياً، وأيضاً إنسانياً لأزمة أدمت القلوب وأبكت العيون منذ أكثر من عام.
وإذا كانت الزيارة إلى موسكو، علامة فارقة في تاريخ الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإنها كذلك لأكثر من سبب، ولأنها أيضاً تشي بتشكل مبادرة ربما في أفق كادت تحجبه نهائياً سحب الدخان والبارود المتصاعد من الجبهات، في إطار رؤية إماراتية متكاملة وواسعة للتعاطي مع قضايا العالم وهمومه، التي تلخصها أوكرانيا، ولكن أيضاً البلقان، والسودان، وغيرها من المناطق الساخنة أو المشتعلة أصلاً.
وكان لافتاً في هذه الزيارة، حديث الرئيس الروسي بوتين، عن دور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الوساطة في الإفراج عن أسرى حرب في أوكرانيا، وفي تبادل سجناء آخرين، عندما قال وفق وكالات الأنباء الروسية اليوم مثل سبوتنيك: " "أود أن أشكركم على جهودكم لحل القضايا الإنسانية في سياق الأحداث في الاتجاه الأوكراني بتبادل المحتجزين، وعدد من القضايا الإنسانية الأخرى من هذا النوع. هذا يهم أشخاصاً معينين، وهذا هو الشيء الرئيسي. شكراً جزيلاً على هذا".
لم تسقط كلمات الرئيس بوتين، في بئر بلا قاع، بل في أذن تسمع وتُجيد الإصغاء فرد فوراً الشيخ محمد بن زايد قائلاً: "كونوا على علم، أنه إذا تطلب الأمر أي دور آخر من الإمارات، لاستقرار الوضع، وفي الأمور الإنسانية، فنحن على استعداد للمساعدة في ذلك، بكل الطرق"، وهنا مربط الفرس، وحجر الأساس لبناء الجسور رغم الحروب والنزاعات، تمهيداً لإجراءات تخلق الثقة بين المتصارعين أو المتحاربين، أو كما أكد رئيس الدولة حرفياً عندما تحدث عن العلاقات بين البلدين، فقال إن الإمارات حريصة على "بناء جسور التعاون وإقامة الشراكات مع روسيا ومختلف دول العالم بما يعزز المصالح المشتركة ويحقق التنمية والازدهار للجميع".
إن هذه الكلمات كفيلة بتأكيد ما تقدم عن بلورة مبادرة أو مشروع ما لحل الأزمة الأوكرانية، ووقف التدهور الخطير في الوضع العسكري والإنساني فيها، وفي أوروبا الشرقية بشكل عام، وفي كامل القارة الأوروبية، بما يعنيه ذلك من أخطار وتهديدات محتملة لدولها، ولكل دول العالم.
ففي حديث رئيس الدولة، أكثر من مجاملة ووديات، هو التزام مبطن بالعمل على الخروج من نفق أوكرانيا، واستعداد مبدئي وكامل من الإمارات لإطفاء الحريق، في كل مكان، حرصاً على الجميع، وخوفاً أيضاً على مستقبل العالم والبشرية، فلا سلام بين الدول أو الشعوب دون حوار وثقة متبادلة، ولا علاقات بينها، أو بين دول العالم شرقاً وغرباً، دون جسور وصل وتواصل، تقام بينها على يد قادة أو بأيادٍ بيضاء مثل الشيخ محمد بن زايد، الذي تحول، للإشارة، إلى روسيا، ليس من الإمارات، ولكن من صربيا، بعد زيارة خاطفة إلى بلغراد التقى فيها الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وتحادث معه خاصةً عن "خفض التصعيد في منطقة غرب البلقان عبر الحوار، والتفاهم بما يعزز الأمن في المنطقة" حرصاً على التصدي لحريق آخر يُهدد هو أيضاً بالاندلاع في كل لحظة، ليعمق مآسي هذه المنطقة، ويضاعف حجم التهديدات والأخطار، والمعاناة الإنسانية.
إن تحول رئيس الدولة إلى روسيا، ومحادثاته مع الرئيس بوتين، والتي كان بلا شك الوضع الإنساني في أوكرانيا والمنطقة كان محورها الأبرز، تؤكد أمراً لا يحتاج دليلاً، ولا برهاناً على تأصله في سياسة الإمارات الخارجية، ونظرتها للعلاقات بين الشعوب والدول، ولمستقبل الإنسانية.

الثابت أن للزيارة إلى روسيا ما بعدها، ولكن الثابت أيضاً أن لا أمل في غد أفضل ما لم تصمت المدافع، في روسيا، و في أوكرانيا، و في السودان النازف، وفي البلقان المحتقن، وما لا تهدأ الأرض وتتوقف الزلازل كما في سوريا وتركيا، وغيرها، فمتى توفر ذلك، انطلق "الفارس الشهم" للإغاثة وأعطى إشارة بداية التعافي، وانطلق فارس الإمارات لمصالحة أعداء الأمس، شركاء الغد، وباني الجسور ليطلق رسالة إرادة الحياة والخير، إلى العالم أجمع، حرصاً على الحياة البشرية، تصديقاً للآية الكريمة :" ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، إنه أسد الإمارات.. إنه ابن زايد.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية