الفوضى الأمريكية، والمتأسلمون..

الفوضى الأمريكية، والمتأسلمون..

الفوضى الأمريكية، والمتأسلمون..


09/04/2024

علي يس

يس محلاً للتساؤل علاقة ما يجري اليوم بالسودان بالسياسة الأمريكية المعتمدة منذ مطلع هذا القرن للتعامل مع الشأن الخارجي ، لا سيّما الشرق أوسطي و الشمال أفريقي ، و أعني بالطبع سياسة ( الفوضى الخلاّقة – creative chaos أو – بمصطلح آخر، (الفوضى البناءة –constructive chaos و هي السياسة التي توفّر على تخطيط هياكلها و اقتراح أدواتها و تثبيت عُراها – و تحت إشراف مباشر من إدارة المخابرات المركزية الأمريكية – كوكبة من أخطر العلماء في مجالات علوم الاجتماع و النفس و السياسة و الاقتصاد و مجالات أخرى عديدة. و الميزة الأساسية في هذه السياسة هي (جدواها الاقتصادية) حيث تمكن مصممو هذه السياسة من استبدال العبء الاقتصادي “البشري و العسكري و اللوجستي” بمجرد العبء العقلي – الفكري، و ذلك باستخدام العدو نفسه في تدمير ذاته ، عن طريق “السيطرة عن بُعد” تارة ، و تارة أخرى عن طريق “العملاء المحليين” ممن ينشدون مصالح ذاتية ضيقة مقابل بيع أوطانهم.

و لا يخفى على أحد أن الأمريكان ، و قد حدَّدوا مسبقاً الطرف الداخلي القادر على إشعال فوضاهم الخلاقة في السودان ، لم يجدوا أنفسهم بحاجة إلى استخدام السيطرة عن بعد ، فقد وجدُوا أن المتأسلمين من عصابة المؤتمر الوطني جاهزين ، دون دعوة ، لتدمير الدولة السودانية ، فكان الضوء الأمريكي الأخضر من المبعوث الأمريكي ، ليلة انقلاب الخامس و العشرين من أكتوبر، إشارة البدء، و لم يبذل الأمريكان بعد ذلك جهداً أكثر من إقناع المتأسلمين بأن الفوضى “فوضاهم” و أن لهم أن يخوضوها بالشكل الذي يريدون ما دامت الأهداف متطابقة!!!..

و لكي نفهم بأكثر دقة ممكنة طريقة عمل (الفوضى الخلاّقة) علينا أن نتأمل “الحدوتة” الفرنسية التي شاعت خلال ذات الفترة التي اعتمدت فيها تلك السياسة الأمريكية الخبيثة ، و التي تحكي أنه ، في أحد قطارات باريس كان يجلس على أربعة مقاعد متقابلة أربعة أشخاص ، على الجانب الأيمن و في مقعدين متجاورين كهل إنجليزي و عجوز فرنسية ، يقابلهما على الجانب الأيمين فتاة فرنسية جميلة ، و فتى فرنسي من النوع الذي يثير أعصاب الإنجليز. و في اللحظة التي دخل فيها القطار نفقاً مظلماً ، انقطعت الكهرباء في العربة فباتت في ظلام مطبق ، و بعد لحظات ، في ذلك الظلام الدامس ، سُمِع صوت قُبلة حارّة ، أعقبهُ صوت صفعة مدوِّية ..

حين خرج القطار من النفق و شمله الضوء ، كان الفتى الفرنسي يقول في نفسه بحسرة : ظفر هذا العجوز الإنجليزي بالقبلة ، و مُنيتُ أنا ، لسوء حظي بصفعة الفتاة !!..

أما العجوز الفرنسية فقد كانت تحدث نفسها : “عفيت منها” هذه الفتاة المحترمة ، لم تمكن هذا الفتى الوسيم من العبث معها!!..
أما الفتاة فكانت تحدث نفسها محتارة : هذا الفتى الغبي ، يتركني أنا و يقبل هذه العجوز؟!!!!..

في اللحظة نفسها كان الكهل الإنجليزي يفرك يديه في سعادة و هو يخاطب نفسه : كنت سأموت غيظاً ، لو لم أتمكن من صفع هذا الفتى الفرنسي المائع ، بعد أن قبَّلتُ ظهر يدي!!..

أظن أن هذه الحكاية الصغيرة قد أوضحت بشكل جلي طريقة عمل سياسة الفوضى الخلاقة ، و لكن قد يلتبس على الكثيرين التمييز بين (صانع) الفوضى و بين (منفذها).. الكهل الإنجليزي في هذه الحكاية ليس صانع الفوضى بل هو مجرد منفذ تمت السيطرة عليه عن بعد ، باستغلال بنائه النفسي و مشاعره تجاه الفتى الفرنسي.

أما صانع الفوضى فهو من أعد مسرح الأحداث كاملاً: الذي اختار الركاب الأربعة ثم اختار لهم تلك العربة و مقاعدهم فيها، ثم فصل الكهرباء عن العربة في اللحظة المناسبة، ثم تنبأ بما سوف يحدث بناء على دراسة وافية للأشخاص ، اجتماعيا و إثنيا و نفسياً و تاريخياً و ثقافياً.. و مع ذلك فإن صانع الفوضى داخل عربة القطار الفرنسي هو خارج دائرة الاتهام تماماً. تماماً كحال أمريكا تجاه ما يحدث في السودان!!..

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية