المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة

المسألة السودانية: قتال إثني، وتحركات انفصالية، وانتهاكات واسعة

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة


19/06/2023

حذّر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي من أنّ الصراع الدائر في السودان يعيد من جديد شبح العنف العرقي في البلاد، في ظل انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: إنّه يشعر بقلق عميق إزاء تنامي البعد العرقي للصراع، في ظل التقارير التي تؤكد وجود أعمال عنف واسعة النطاق في دارفور، بالتزامن مع نقص حاد في الغذاء والدواء، وانتشار العنف الجنسي ضد النساء.

الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس قال: إنّ الوضع الأمني يشهد تدهوراً ملحوظاً، مع وجود انتهاكات كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وبالأخص في مناطق الخرطوم الكبرى ودارفور وكردفان.

وقال بيرتس، الذي يرأس أيضاُ بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (UNITAMS): إنّه يشعر بالقلق بشكل خاص من الوضع في مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، حيث اتخذ العنف أبعاداً إثنية، ويشهد الإقليم نمواً في عدد الهجمات ضد المدنيين على أساس هوياتهم العرقية، من قبل الميليشيات العربية، وبعض المسلحين التابعين لعناصر الدعم السريع (RSF).

وبحسب بيان لمنظمة أطباء بلا حدود، يوم الخميس الماضي، فإنّ (6) آلاف شخص فروا من الجنينة إلى تشاد المجاورة، وانضموا إلى حوالي (100) ألف شخص آخرين، عبروا الحدود منذ منتصف نيسان (أبريل) الفائت.

ويعيد الصراع العرقي في دارفور ذكرى عمليات التطهير العرقي التي جرت قبل عقدين من الزمان، حيث قُتل الآلاف، ونزح الملايين، تحت وطأة القتال بين قوات الحكومة السودانية المدعومة من ميليشيا الجنجويد من جهة، والجماعات المتمردة من جهة أخرى.

وضع ميداني مأساوي

على الصعيد الميداني، يزداد الوضع سوءاً في غرب دارفور، والتي أصبحت إحدى بؤر القتال العنيف، بين جنود الجيش النظامي السوداني، وميليشيات الدعم السريع، وتركزت أعمال العنف في مدينة الجنينة، التي أصبحت تحت حصار النيران المستمرة من قبل قوات الدعم السريع، منذ اندلاع القتال في 15 نيسان (أبريل) الماضي.

فولكر بيرتس: الوضع الأمني في السودان يشهد تدهوراً ملحوظاً، مع وجود انتهاكات كبيرة في جميع أنحاء البلاد

الصراع اتخذ بُعداً إثنياً مقلقاً، مع تزايد الاشتباكات بين أفراد قبائل المساليت، والقبائل العربية، الموالية للدعم السريع، وأودى القتال بين القبائل بحياة العديد من المدنيين، كما أدّى إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية والمباني السكنية.

وبحسب شهود عيان في المدينة تحدثوا لــ (Vatiction news)، فإنّ الميليشيات العربية تقوم بحملة تطهير عرقي تستهدف السكان غير العرب، ومع فرار المدنيين من القتال، احتلت القبائل العربية المنازل التي هجرها المساليت، بحسب التقارير الأممّية.

المبعوث الأممي بيرتس أكد أنّ "الهجمات المكثفة على المدنيين بسبب أصلهم العرقي، على أيدي ميليشيات عربية ومسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع، أمر مقلق للغاية، ويمكن أن يشكل جرائم ضد الإنسانية".

بحسب بيان لمنظمة أطباء بلا حدود فإنّ (6) آلاف شخص فروا من الجنينة إلى تشاد المجاورة، وانضموا إلى حوالي (100) ألف شخص آخرين

وفي الوقت نفسه، أدانت مستشارة الأمم المتحدة الخاصّة بمنع الإبادة الجماعية، أليس ويريمو نديريتو، قيام الطرفين بالتجاهل الصارخ لوقف إطلاق النار، حسبما أفاد مكتبها في بيان.

وأعربت السيدة نديريتو عن قلقها البالغ إزاء تجدد القتال في العاصمة الخرطوم، ولا سيّما الهجمات الصاروخية التي استهدفت حييّن يوم الأحد الماضي، ممّا أسفر عن مقتل (18) شخصاً، وإصابة آخرين. وأكد البيان أنّه بالإضافة إلى انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان المرتكبة في الخرطوم، فإنّ هناك استغلالاً للفراغ الأمني في عدة ولايات، حيث تنتشر العصابات المسلحة، كما تمارس بعض الجماعات المسلحة أعمال الانتقام على أساس عرقي.

نديريتو حذّرت من وقوع جرائم حرب في دارفور، وأكدت أنّ الأمر ربما يتطور إلى حملات متجددة من الاغتصاب والقتل والتطهير العرقي، في ظل قتل وجرح المئات، وتعرض المنازل للنهب والحرق، كما تعرضت مستشفى الجنينة للهجوم.

كردفان تحترق

تُعدّ منطقة شمال كردفان من أبرز المناطق المتضررة من القتال، وتقع الأبيض عاصمة الولاية في بؤرة التوتر بين الطرفين، حيث هاجمت القوات الجوية السودانية عدة مواقع لقوات الدعم السريع في الضواحي الغربية للمدينة.

أسقف كاتدرائية الأبيض، يونان تومبي أندالي، وصف الوضع في كردفان بالمأساوي، خاصّة بعد تضرر الكاتدرائية إثر إصابتها بقذائف صاروخية، وقال: إنّ "المدينة محاصرة، والناس بدون ماء وكهرباء أو إنترنت". مضيفاً أنّ السكان يجمعون مياه الأمطار في ظل انقطاع المياه. وتابع: "نواصل الصلاة وننتظر علامة السلام، على أمل أن يبدأ قادتنا في الحوار".

في غضون ذلك، قالت تقارير ميدانية: إنّ الجيش شنّ ضربات جوية ومدفعية على مواقع قوات الدعم السريع في الأبيض، بينما سيطرت قوات الدعم السريع على الطرق التي تربط المدينة بالبلدات الأخرى، واتفقت مع زعماء القبائل المحليين على تأمين المنطقة من العصابات المسلحة.

 مستشارة الأمم المتحدة الخاصّة بمنع الإبادة الجماعية، أليس ويريمو نديريتو

وفي كادوقلي، جنوب كردفان، صدّ الجيش هجوماً شنته قوات الدعم السريع على إحدى قواعده، كما هاجمت القوات الموالية لزعيم الحركة الشعبية الانفصالية، عبد العزيز الحلو، قوات الجيش في المدينة، وقالت مصادر من فصيل الحلو: إنّها تسعى لحماية المدنيين من المليشيات المسلحة، الأمر الذي ينذر باتساع نطاق الصراع.

مقتل والي غرب دارفور

مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للصراع العنيف، جاء مقتل خميس عبد الله أبّكر، والي ولاية غرب دارفور؛ ليهدد بمزيد من إشعال المنطقة، وتنامي أعمال العنف الإثني. وبحسب الـ (نيويورك تايمز)، فإنّ بعثة الأمم المتحدة في السودان قالت إنّ روايات شهود العيان تؤكد أنّ قوات الدعم السريع، هي من ارتكب هذا العمل.

جاءت عملية الاغتيال، بعد ساعات فقط من إجراء السيد أبّكر مقابلة تلفزيونية، ألقى فيها باللوم على قوات الدعم السريع، في موجة العنف الأخيرة؛ التي أدّت إلى سقوط مئات القتلى في المنطقة.

قام مسلحون باختطاف السيد أبّكر من مدينة الجنينة عاصمة الولاية، وبعد ساعات  انتشر مقطع فيديو يظهر جثة السيد أبّكر في ملابس ملطخة بالدماء

ووفقاً لبعض الروايات بحسب الـ (نيويورك تايمز)، قام مسلحون باختطاف السيد أبّكر من مدينة الجنينة عاصمة الولاية، وبعد ساعات انتشر مقطع فيديو يظهر جثة السيد أبّكر في ملابس ملطخة بالدماء.

كلا الطرفين المتصارعين ألقى باللوم على الطرف الآخر، واتهمه باغتيال المسؤول الكبير، الذي ينتمي إلى قبائل المساليت، وبحسب الـ (نيويورك تايمز) قال مسؤول في الأمم المتحدة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: إنّ الجنرال حمديتي اتصل هاتفياً بمبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، لينفي مسؤولية قوات الدعم السريع عن عملية اغتيال أبّكر.

جدير بالذكر أنّ السيد أبّكر هو أحد قدامى المحاربين الذين انخرطوا على مدار عقود في الصراع في دارفور، وقد برز في التسعينيات كزعيم يدافع عن جماعته العرقية المساليت ضدّ هجوم المقاتلين العرب، وتعرّض للسجن في عهد عمر البشير، قبل أن يفر إلى تشاد، وبرز لاحقاً كزعيم لإحدى الفصائل المتمردة في دارفور، قبل أن يعين والياً للخرطوم، بعد توقيع اتفاق السلام في العام 2021.

مواضيع ذات صلة:

كيف تؤثر عقوبات واشنطن على الصراع السوداني؟

العراق: أزمة الكهرباء تحرج حكومة السوداني... ما دور واشنطن وطهران؟

كارثة إنسانية مرتقبة في السودان بعد تعليق محادثات جدة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية