المسكوت عنه من تاريخ الإخوان المسلمين الدموي في المنطقة

المسكوت عنه من تاريخ الإخوان المسلمين الدموي في المنطقة


17/12/2017

إذا كان المغرب، طيلة 12 قرناً من الزمان، قد حافظ على استقلاليته السياسية ووحدة مذهبه الديني، مع بعض الاستثناءات التي لم تمسّ، بالأساس، التواجد القانوني للدولة، وكذا وقوفه في وجه القوى الاستعمارية والحركات التبشيرية واستقلاليته المطلقة عن دولة الخلافة، فإنّ التطورات الأخيرة في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً في منطقة شمال إفريقيا، أصبحت تهدد هذا المعطى خصوصاً بعد وصول تيار الإسلام السياسي في تركيا وتونس للحكم، ومصر (قبل سقوطه)، ومحاولة تصدير أنماط سلوكية للانقلاب على الأنظمة السياسية وإحياء الأهداف المعلنة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين مع بداية تحريك وتوجيه الخلايا النائمة لهذا التنظيم.

بعض صناع القرار في المغرب اعتقدوا أنّ تنظيم الإخوان يمكن تدجينه وتطويعه وفق ما يخدم الأمن القومي المغربي

ولعلّ الظرفية الحالية التي يمر بها المغرب بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، منذ اندلاع "الربيع العربي"، ووصول تيار الإسلام السياسي لسدة الحكم، تدعونا إلى وقفة تحليلية ورصد أدوات الضبط والربط لتتبع ورصد الخيط الناظم للطرح الإيديولوجي الذي تتبناه الحركات الإسلاموية بالعالمين؛ العربي والإسلامي بما فيها التيار الذي يقود التجربة الحكومية بالمغرب.

في هذا السياق، صدر كتاب "التاريخ الدموي للإخوان المسلمين" عن منشورات آخر ساعة المغربية (2017، 201 صفحة)، وهو أول إصدارات الباحث المغربي عبدالحق الصنايبي، المتخصص في الجماعات الإسلامية، وهو كتاب يضم مجموعة من الدراسات والمقالات التي تتطرق لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر من جهة، ولحركة "التوحيد والإصلاح" المغربية، المرتبطة بفكر الجماعة من جهة ثانية.

وأكد الباحث في مقدمة الكتاب، الذي نعرض بعضاً من محتوياته عبر حلقات، أنّ هدف الجماعات والحركات الإسلامية، هو تحديد الرؤية الخاصة بحركات الإسلام السياسي وتحديد آليات التغيير والوصول إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو "مرحلة التمكين" وتطور هذه الرؤية من أفكار الاستحواذ والاستيلاء على الدولة بعد وصول الدعوة إلى غالبية الشعب وإيمانه بها والتضحية من أجلها وفق التأصيلات التي دونتها وثيقة لحركة التوحيد والإصلاح حملت عنوان "الجماعة والحزب".

ظاهرة الإسلام السياسي في المغرب تحظى باهتمام بالغ من طرف المتتبعين السياسيين والمجتمع الدولي ككل

لذلك جاء هذا الكتاب، الذي فرض على مؤلفه، أولاً، دراسة ظاهرة الإسلام السياسي بالمغرب لما يحظى به من اهتمام بالغ من طرف المتتبعين السياسيين والمجتمع الدولي ككل، على اعتبار أنّ المغرب، كدولة عربية إسلامية، تحتضن مجموعة من الحركات الدينية بالإضافة إلى حزب إسلامي يقود الحكومة الحالية. ومحاولة استقراء مستقبل الواقع السياسي وإستراتيجية تيار الإسلام السياسي بالمغرب. هذه الدراسة والبسط البنيوي والفكري للأنماط السلوكية عند هذا المكون السياسي ــ الديني يبقى ضرورة منهجية للبحث في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على يد مرشدها الأول حسن البنا.

انطلاقاً من هذه الأرضية، حاول المؤلف إبراز العلاقة العضوية والنظرية بين حركة التوحيد والإصلاح وجناحها السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية مع إستراتيجية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والذي تعتبر مصر قاعدته المركزية ومنطلق التنظير والتوجيه، من جهة. ومن جهة أخرى محاولة إسقاطها (العلاقة) على الواقع السياسي المغربي الذي له خصوصية تاريخية ودينية مؤسساتية تتمثل في تجذر المؤسسة الملكية التي تتقاسم السلطة مع الشعب من خلال المكونات الحزبية. كما حاول أن يرصد محاولة حركة التوحيد والإصلاح استغلال الوضع الهش للأحزاب السياسية وضعف التأطير الجماهيري الذي يبقى من صميم اختصاصاتها الدستورية وغياب تأطير فعال للمجتمع المدني، من أجل الانتشار الأفقي والعمودي والتوغل والتغلغل في أوساط القواعد الشعبية في أفق عزل جميع القوى السياسية والانفراد بالمؤسسة الملكية وإضعافها وتوجيهها وفق أجنداتها الخاصة في أفق رسم إستراتيجية لتقاسم السلطة معها كمرحلة تسبق عملية تحييدها أو القضاء عليها إن أمكن.

التنظيمات "الإسلامية" في المغرب لا تنضبط للثوابت الوطنية مثل جماعة "العدل والإحسان" المحظورة

هذا الطرح الذي نحن بصدد التأصيل له يبقى عصارة سنوات من الدراسة والبحث والتنقيب في أدبيات الجماعة ومذكرات أبرز قياداتها والذين عايشوا هذا التاريخ الذي وصفناه، بدون مبالغة، بالدموي والإرهابي.

اللعب على التوازنات السياسية

يرى المؤلف أنّ بعض صناع القرار في المغرب اعتقدوا أنّ هذا التنظيم يمكن تدجينه وتطويعه وفق ما يخدم الأمن القومي المغربي، وذلك من خلال اللعب على التوازنات السياسية مع اليسار المغربي وكذا سحب البساط من بعض التنظيمات "الإسلامية" التي لا تنضبط للثوابت الوطنية، مثل جماعة "العدل والإحسان" المحظورة، أو بعض التنظيمات الإسلامية العنيفة والتي اختارت العمل المسلح لحسم السلطة السياسية مع الدولة المغربية. غير أنّ من راهن على هذه المناورة السياسية لم يكن مطلاً بما فيه الكفاية على حقيقة هذا التنظيم والذي يجعل من التحالف مع الدولة مرحلة أساسية في مسلسل "مخطط التمكين" الذي يبقى الدستور العملي لحركات الإسلام السياسي. ويستشهد المؤلف بما أكده حسن البنا في "رسائله": "إنه ليس أعمق في الخطأ من ظن بعض الناس أنّ الإخوان المسلمين كانوا في أي عهد من عهود دعوتهم مطيّة لحكومة من الحكومات، أو منفذين لغاية غير غايتهم، أو عاملين على منهاج غير منهاجهم، فليعلم ذلك من لم يكن يعلمه من الإخوان ومن غير الإخوان".

جماعة "الإخوان المسلمين" تطورت من جماعة دينية إصلاحية إلى جماعة دينية متطرفة وعنيفة

هذا الخطأ الإستراتيجي، حسب المؤلف، ساهمت في تأكيده تطورات "الحراك العربي" والتي جعلت هذا التنظيم يركب عليه ليقدم نفسه ضامناً لاستقرار الوطن وممثلاً وحيداً للشرعية الشعبية كما يدعي. ومع وصول هذا التيار إلى الحكم سيتغير خطابه السياسي في مواجهة الدولة وباقي الفرقاء السياسي من خلال فرض منطق الاستعلاء والاستقواء والتلويح باللجوء إلى الشارع مع أول اصطدام مع من وصفهم بـ"تيار التحكم".

كما بسط المؤلف في الكتاب الارتباطات العقدية والأيديولوجية بين حركة التوحيد والإصلاح "المغربية" بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مصر مع تحليل العلاقة التنظيمية وتبعية حزب العدالة والتنمية مع حركة التوحيد والإصلاح للتنظيم، كإطار مرجعي له الهيمنة التنظيمية والروحية على الذراع السياسي الذي يعمل على تنفيذ أجندة الحركة، وفق توجيهات الجماعة الأم بمصر، مضيفاً أنّ طرح هذه التأصيلات العقدية والتنظيمية للتماهي الكبير لتنظيمات الإسلام السياسي بالمغرب مع جماعة الإخوان المسلمين، يتطلب استحضار تاريخ الجماعة والتي غالباً ما تقدم نفسها كتنظيم يتبنى "الإسلام الوسطي المعتدل" ويقبل بالدخول في اللعبة السياسية وفق القواعد المتعارف عليها، أو يُعلن انضباطه للثوابت التي تحكم العلاقة بين المؤسسات. غير أنّ البحث بين تراب المخازن والغوص في الكتب والمذكرات التي دونها أعلام التيار الإخواني والقيادات التي عاصرت وكانت شاهدة على الأحداث، يعطي صورة مغايرة عن هذه الجماعة.

وتضمن الكتاب مجموعة من القراءات النقدية مع جماعات "الإخوان المسلمين" في كل من مصر وسوريا والجزائر ونيجيريا وكيف تطورت من جماعة دينية إصلاحية إلى جماعة دينية متطرفة وعنيفة فى عهد مرشدها الأول حسن البنا (1906- 1949)، لتتحول بعد ذلك إلى تنظيم متشدّد مع تبنّي أطروحات سيد قطب الراديكالية (1906- 1966).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية