المشهد الثقافي السعودي: ولادة من رحم التشدد الديني

بعد عقود طويلة من هيمنة الشرطة الدينية، المتمثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على ساحة المشهد الاجتماعي والثقافي في المملكة العربية السعودية، تصدرت الآن "هيئة الترفية" المشهد؛ خاصة بعد تفكيك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت بمثابة شرطة حسبة واسعة النفوذ، من اختصاصات عمل أعضائها القيام بدوريات في الشوارع والأسواق والأماكن العامة للتأكد من تطبيق القواعد الإسلامية، وكذلك التأكد من الفصل التام بين الجنسين، والدعوة إلى الصلاة، ومراقبة الإغلاق الإجباري للأسواق في أوقات الصلاة، وكان يحق للهيئة القيام بإجراءات الضبط والتفتيش والإيقاف، قبل الإصلاحات التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان في نيسان (أبريل) 2016.

استراتيجية توسيع الخدمات الثقافية

شملت "رؤية السعودية 2030" جانباً مهماً يتعلق بتطوير الثقافة، وتوسيع الخدمات الثقافية، لتصبح جزءاً من تحسين مستوى معيشية المواطن السعودي، ورافداً حضارياً واقتصادياً للبلاد، وانطلاقة جديدة للثقافة السعودية؛ باعتبارها أحد أهم محركات التحول الوطني نحو التنمية البشرية، وتسعى "الرؤية" لتطوير قطاع الثقافة في المملكة، وتأسيس مراكز حاضنة للإبداع، وتوفير منصات للمبدعين من أجل التعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وخلق صناعة ثقافية تهتم بالفن والمسرح والسينما، والأنشطة الفنية والتشكيلية، وكل ما من شأنه تحويل الثقافة إلى عنصر رئيسي للتواصل بين الناس، وكذلك لرفد الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والترفيه.

فاعليات ثقافية وفنية صاخبة

بعد الإعلان عن جملة من الإصلاحات، شهد العام 2017 انطلاقة قوية وجديدة للمشهد الثقافي السعودي، تصدرت فيه حفلات موسيقة محورية، مست قطاعات واسعة من الجماهير العربية، المشهد الثقافي في المملكة، بداية من حفل الموسيقار عمر خيرت في جدة، والذي جاء بعنوان: "ليلة استثنائية مع الأسطورة عمر خيرت"  في آذار (مارس) 2017، وشهد حضوراً كبيراً من الرجال والنساء، أعقبه عدد من الحفلات لعازف البيانو العالمي ياني. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أحيت الفنانة الإماراتية بلقيس فتحي أول حفل جماهيري نسائي على مسرح مدينة جدة برعاية هيئة الترفيه، وشهد الحفل حضور ما يزيد على (3) آلاف سيدة، واستمرت الفعاليات الفنية الضخمة حتى وقتنا الحالي، بحضور نسائي كبير ولافت للانتباه، ودون الفصل المعتاد بين الجنسين.

وبعد حظر استمر أكثر من (30) عاماً تمّ افتتاح عدد من دور العرض السينمائية، وكذلك تمّ إطلاق "مهرجان البحر الأحمر السينمائي"، وهو أول مهرجان سينمائي دولي يقام في السعودية، وهو مبادرة غير ربحية أطلقتها وزارة الثقافة السعودية؛ بغرض دعم قطاع الأفلام في المملكة، وإثراء المحتوى السينمائي المحلي، ويستهدف أيضاً كافة الأعمال الفنية العربية الجديدة، وهو مهرجان سنوي عُقدت دورته الأولى خلال الفترة 12- 21 آذار (مارس) عام 2020.

كذلك أعلنت الرياض عن تعديلات قانونية تسمح بتخفيف إجراءات التدقيق على الكتب والمجلات المستوردة، وفقاً لما ذكرته "الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، وكانت السعودية من أكثر دول المنطقة رقابة وتشدداً حيال الكتب التي يتم استيرادها. وتعني الإجراءات الجديدة تقليل الرقابة وتعزيز إمكانية الوصول إلى الكتب.

الإصلاحات الاجتماعية والمرأة

على مدارالأعوام الـ (7) الماضية، أعلنت السعودية عن عدد من الإصلاحات الاجتماعية، بداية من السماح للمرأة بقيادة السيارات في العام 2016، والسماح للنساء بالسفر دون الحصول على موافقة أوليائهن، فضلاً عن اتخاذ خطوات جدية للتخفيف التدريجي من قيود الفصل بين الجنسين.

وفي مطلع حزيران (يونيو) 2021 قامت الرياض بتعديل طفيف للسماح للمرأة السعودية الراشدة بالسكن بمفردها بشكل مستقل؛ بصرف النظر عن حالتها الاجتماعية، ومن دون إجبارها على الإقامة مع محرم. وبعد هذا القرار بأيام سمحت السلطات السعودية، متمثلة في وزارة الحج والعمرة، للنساء بالتسجيل لأداء الحج دون محرم، شريطة أداء الفريضة "مع عصبة النساء".

ليالي الفن المصري في السعودية

بعد التغيير المبهر الذي حدث في المشهد الثقافي والفني في السعودية، أصبحت هناك حاجة ماسة لاستقدام المواهب الفنية والإدارية من دول أخرى، وكان لمصر نصيب كبير في توفير هذه الكوادر؛ فمعظم الحفلات الفنية يتصدرها فنانون مصريون؛ مثل: حفل "كاسيت 90"، الذي أقيم في جدة 17 آب (أغسطس) الجاري، وأحياه عدد كبير من نجوم التسعينيات في مصر؛ منهم: محمد الحلو، مصطفى قمر، سيمون، إيهاب توفيق، هشام عباس، وآخرون. تلاه حفل: "ليلة الدموع" الذي شارك فيه  العديد من نجوم مصر؛ منهم: حمادة هلال، وشيرين عبد الوهاب، وأحمد سعد، وطارق الشيخ، وبدا لكثيرين أنّ بوصلة الثقافة والفن في العالم العربي تمّ تعديل وجهتها نحو عواصم الخليج، بعد أن كان مركزها في القاهرة ودمشق وبيروت.

وقد أثار ذلك الأمر سجالاً قوياً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بين فريق يؤيد بشدة ما يحدث باعتباره تأثيراً للقوى الناعمة للثقافة المصرية، حيث سافر الفنانون المصريون لإحياء حفلات مقابل أجر في السعودية، ووجدوا الجمهور يحفظ تلك الأغاني عن ظهر قلب، رغم مرور أعوام عديدة على إصدارها، ورغم تشدّد المجتمع السعودي وقت صدورها، وهذا يعني أنّ مصر ما زالت هي القبلة الحقيقية للفن. وهناك فريق يعارض ما يحدث، ويعتبره تملقاً من أجل جني المزيد من المال، وينتقد مبالغة بعض الفنانين المصريين في السفر إلى السعودية لتقديم أعمال فنية قد تكون غير جيدة أحياناً.

وتعرّض العديد من الفنانين للانتقاد، مثل محمد الحلو الذي غيّر كلمات أغنية تتر مسلسل زيزينيا، أثناء تقديمه للحفل، وقال: وعمار يا سعودية، بدلاً من وعمار يا اسكندرية، وأثار ذلك حنق البعض. كما وجه الفنان نبيل الحلفاوي رسالة قوية للفنان محمد محيي، طالبه فيها بالحديث عن نفسه وعن امتنانه بالشكل الذي يريده، وألّا يتحدث عن الأجيال السابقة، وذلك بعد تصريحات محيي التي قالها في الحفل نفسه: "الوقوف على مسارح السعودية حلم أجيال قبلنا".

رأي موضوعي قال: إنّ كل هذا يأتي في سبيل المجاملة بين الأشقاء، وإنّ الأمر دارج منذ عصر أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وإنّ الفن يجب ألّا يخضع لمثل هذا النوع من التضييق والتربص.

مواضيع ذات صلة:

- نقابة الموسيقيين تعلق على غناء محمد الحلو "وعمار ياسعودية" ..اعرف ماذا قالت؟

- علي الحجار: أنا مش من سميعة عمرو دياب وهذه شروطي للغناء بالسعودية