النطف المهرَّبة: أسرى فلسطينيون يعشقون الحياة ويتحدّون الاحتلال

النطف المهرَّبة: أسرى فلسطينيون يعشقون الحياة ويتحدّون الاحتلال


17/03/2020

ما يزال الأسير الفلسطيني، وليد دقة، من مدينة باقة الغربية بالداخل المحتل، يتعرض للتعذيب والعزل الانفرادي داخل السجون الإسرائيلية، وتمّت مصادرة جميع كتبه وأوراقه، إضافة إلى حرمانه من الزيارة، أو شراء احتياجاته اليومية من الكانتين كباقي الأسرى، كما أنّهم منعوا عنه إدخال الطعام المناسب والدواء، رغم ظروفه الصحية القاسية.

 

 

ولم يكن هذا العقاب القاسي الذي يتعرض له الأسير دقة، والذي يبلغ من العمر ٥٩ عاماً، من قِبل مصلحة السجون الإسرائيلية لأنّه ارتكب جرماً، أو اعتدى على أحد السجّانين، أو حتى حاول الهروب من السجن، لكنّ الجرم الذي ارتكبه هو أنّه أنجب طفلته الأولى، ميلاد، بداية شباط (فبراير) ٢٠٢٠، من خلال تهريب عينة من "السائل المنوي" الخاص به بطريقة سرية، في ظلّ التشديد الأمني داخل السجون.

هناك مجموعة من الإجراءات التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي بحقّ أبناء الأسرى المقدسيين الذين تمّ إنجابهم بواسطة "النطف المهربة"

واضطر عدد من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، خاصة أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، إلى تحدي الاحتلال الإسرائيلي واللجوء إلى تهريب "السائل المنوي" أو "النطف"، ليتمكنوا من الإنجاب في ظلّ عدم السماح لهم بالخلوة الشرعية مع زوجاتهم.
ويعدّ الأسير وليد دقة، المعتقل منذ عام 1986، والمحكوم بالسجن المؤبد لـ 37 عاماً، أول أسير من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ينجب بهذه الطريقة.

إبنة الأسير الفلسطيني وليد دقة
الحالة الأولى
وكانت أول عملية تهريب "للنطف" من داخل السجون الإسرائيلية، عام 2012، للأسير الفلسطيني عمار الزبن، من مدينة نابلس، الذي رزق بطفله الأول، وبعد ذلك بدأ الأسرى بابتكار طرق سرية يصعب على إدارة السجون اكتشافها، لتهريب النطف لزوجاتهم ليتمكنوا من الإنجاب، حيث إنّ هناك 80 أسيراً في سجون الاحتلال أنجبوا 84 طفلاً بواسطة تلك النطف، منهم من رُزق بتوائم، وكانت آخرهم طفلة الأسير وليد دقة.

اقرأ أيضاً: القضية الفلسطينية بين الاستغلال والابتزاز
ومنذ إنجاب أول طفل بواسطة "النطف المهربة"، بدأت السلطات الإسرائيلية باتخاذ إجراءات مشددة لمنع تهريب "النطف" من قِبل الأسرى، فلا يستطيع أيّ أسير إخراج أغراضه الشخصية خلال زيارة عائلته، إلا بعد التفتيش الدقيق، إضافة إلى منع الأطفال الذين تمّ إنجابهم بواسطة "النطف المهربة" من زيارة آبائهم داخل السجن.

الأسير الفلسطيني عمار الزين
فهمي أبو صلاح؛ أسير فلسطيني من سكان قطاع غزة، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2008، بعد شهور قليلة من زفافه، وحكم عليه بالسجن لمدة 22 عاماً، ولم يتمكن من الإنجاب قبل الأسر.
وبعد أن تمكن عدد من الأسرى من الإنجاب بتهريب عينة من "السائل المنوي" قرّر الأسير أبو صلاح أن يتحدى ظلم السجان، وأن ينجب طفلاً، فقام بتهريب "نطفة" من داخل السجن، وتمّ إيصالها إلى زوجته لإجراء عملية تلقيح صناعي، وفي عام2014، حقّق حلمه، وحلم عائلته، وأنجب طفله الأول أسعد.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يقرّ قانوناً يستهدف أسر الأسرى والشهداء..هذه تفاصيله
التلقيح الصناعي
وتقول إيمان، زوجة فهمي أبو صلاح لـ "حفريات": "بعد اعتقال زوجي، والحكم عليه لمدة (22 عاماً)، لم يكن أمامنا خيار سوى التقليح الصناعي بواسطة النطفة التي تمّ تهريبها من داخل السجن، وكنت قلقة جداً من عدم نجاح العملية، وبعد المتابعة المستمرة عند أحد الأطباء المختصين بالتلقيح، رزقني الله بطفلي أسعد، بعد أن حرمني الاحتلال من والده خلال الأعوام الماضية".
وتضيف: "لم يتمكن زوجي من رؤية طفله سوى مرة واحدة، وهو في عمر العام، وبعد ذلك مُنعنا من الزيارة بشكل كامل، كنوع من العقاب بسبب تهريب النطفة، والآن أسعد يبلغ من العمر 6 أعوام، ولا يرى والده إلا من خلال الصور القديمة الموجودة على الهاتف".

اضطر الأسرى الفلسطينيون إلى تحدي الاحتلال واللجوء إلى تهريب السائل المنوي إلى الخارج
ومن جهته، يقول الأسير المحرر ورئيس مركز الأسرى للدراسات، رأفت حمدونة، لـ "حفريات": "تهريب النطف من داخل السجون الإسرائيلية بطرق سرية، وإرسالها إلى زوجات الأسرى ليتمكنّ من الإنجاب بطريقة شرعية، هي ثورة إنسانية كبيرة يخوضها الأسرى ضدّ غطرسة الاحتلال، وتزيد من إصرارهم على الاستمرارية، ومواجهة الظلم الذي يتعرضون له بشكل يومي".
تعذيب وعزل انفرادي
ويضيف حمدونة: "إنجاب الأسرى الفلسطينيين، وهم داخل المعتقلات الإسرائيلية بواسطة "النطف المهربة"، بات يزعج حكومة الاحتلال، فالأسير الذي ينجب بهذه الطريقة بتعرض للتعذيب، والعزل الانفرادي، ويُحرم من زيارة ذويه، ومن رؤية طفله الذي أنجبه، إضافة إلى فرض غرامات مالية باهظة عليه".

اقرأ أيضاً: الأسرى الفلسطينيون.. نضال خلف قضبان الاحتلال
ويواصل حديثه: "يتمّ نقل "النطف" التي يهربها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية بدقة متناهية، ولا يتم نقل أكثر من نطفة في وقتِ واحد، وذلك تحسباً من تبديلها، ويتم إيصالها إلى زوجة الأسير بوجود أفراد من عائلته، وجهات شرعية وقضائية، وشهود يحلفون اليمين أنّ تلك النطفة للأسير الذي يريد الإنجاب، حتى لا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية".

يتمّ نقل "النطف" التي يهربها الأسرى داخل السجون بدقة متناهية، ولا يتم نقل أكثر من نطفة في وقتِ واحد

ويبين حمدونة أنّه ورغم الإجراءات التعسفية التي تُمارس بحق الأسرى الذين ينجبون بواسطة "النطف المهربة"، وحرمناهم من رؤيتهم، بذريعة أنّهم أطفال غير شرعيين، إلا أنّ ذلك لا يثنيهم عن تهريب المزيد من "النطف"، والإنجاب رغم أنف السجان.
ويفيد بأنّه بعد تمكّن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية من اكتشاف الوسائل القديمة التي يتمّ من خلالها تهريب النطف من داخل السجون، تمّ ابتكار طرق جديدة من قِبل الأسرى لتهريبها، وهي تعدّ صفعة لحكومة الاحتلال، التي تبذل كلّ ما بوسعها لمنع تكاثر سلالة الأسرى.
أطفال بدون نسب

رزق الأسير الفلسطيني عمار الزين بطفلته عن طريق نطفة مهربة
وفي السياق ذاته، يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى في القدس، أمجد أبو عصب، لـ "حفريات" إنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول "محاربة النطف المهربة بشتى الطرق والأساليب؛ إذ يحرم أطفال الأسرى المقدسيين الذين تمّ إنجابهم بواسطة تلك النطف من تسوية أوضاعهم القانونية، ولا يتم إصدار بيانات شخصية لهم، كونهم تابعين لدولة الاحتلال، وبالتالي يصبحون بدون نسب".

اقرأ أيضاً: الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم
ويتابع: "من الإجراءات التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي بحقّ أبناء الأسرى المقدسيين الذين تمّ إنجابهم بواسطة "النطف المهربة"؛ عدم الاعتراف بشهادة الثانوية العامة، وعدم السماح لهم بالتعلم الجامعي، وحرمانهم من العلاج المجاني، إضافة إلى عدم السماح لهم بالعمل بذريعة عدم امتلاكهم أوراق رسمية".
وينوّه أبو عصب إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسعى، من خلال الإجراءات العقابية بحقّ أبناء أسرى مدينة القدس، إلى دفع عائلاتهم لترك المدينة والرحيل منها، وإفراغها من سكانها الأصليين ضمن خطة التهجير الديمغرافي.
 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية