الهجوم على السفارة الإيرانية: هل يعني الحرب؟

الهجوم على السفارة الإيرانية: هل يعني الحرب؟

الهجوم على السفارة الإيرانية: هل يعني الحرب؟


09/04/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تعرضت البعثات الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم للهجوم (800) مرة على الأقل، وفقاً لبيانات جمعها البروفيسور غابور كاجتار في (جامعة إيوتفوس لوراند) في المجر. وإلى أن أطلقت الطائرات الإسرائيلية على ما يبدو صواريخ على مبنى قنصلي إيراني في العاصمة السورية يوم الإثنين، ممّا أسفر عن مقتل (11) شخصاً على الأقل، لم تكن الدول تبدأ بشكل مباشر ومتعمَّد أيّاً من تلك الهجمات، ما لم تكن في حالة حرب مع الدولة التي تهاجمها.

وكما قال أستاذ القانون البلجيكي توم رويس في بحث نشر عام 2021 في (المجلة الأوروبية للقانون الدولي): "يمكن للمرء أن يتساءل عمّا إذا كانت هناك في النهاية حالة واحدة هاجمت فيها دولة ما بشكل مقصود وعلني المباني الدبلوماسية أو القنصلية لدولة أخرى في سياق عدم وجود صراع مسلح مستمر بين الطرفين".

تُعتبر السفارات مساحات مقدّسة في عالم العلاقات الدولية، وبالتالي كانت فكرة استهداف سفارة بضربة جوية عسكرية غير واردة حتى الآن.

لماذا هذا مهم؟ ومع تعرّض البعثات الدبلوماسية للهجمات بشكل متكرر، فهل من المهم التمييز بين من يقومون بالهجوم، ولماذا؟

في القانون الدولي الإجابة هي نعم، والسبب هو أنّ هذين العاملين (مَن ولماذا) يحددان كيف يحق للدولة التي تتعرض للهجوم أن ترد. ولم تعلن إسرائيل بعد مسؤوليتها عن الغارة الجوية التي وقعت يوم الإثنين، ولكن إذا ثبت أنّها نفذتها باستخدام قواتها الجوية، فربما نشهد، للمرة الأولى في التاريخ الحديث، مثالاً ترتكب فيه دولة ما عملاً عدوانياً بهذه الطريقة، وبالتالي  ستكون هذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يوفِّر فيها هجوم على سفارة مبرراً قانونياً لحرب الدفاع عن النفس، إذا اتخذت إيران مثل هذه الخطوة رداً على ذلك.

تُعتبر السفارات مساحات مقدّسة في عالم العلاقات الدولية

وسوف يناقش المحامون الدوليون ـ في تل أبيب وطهران وأماكن أخرى ـ هذا الأمر الآن. ومن المرجح أنّ المحامين العسكريين في تل أبيب قد أخذوا في الاعتبار بالفعل الآثار المترتبة على ذلك.

لا يبدو الأمر كما لو أنّه لم تحاول أيّ دولة على الإطلاق تفعيل حق الدفاع العسكري عن النفس رداً على هجوم على سفارتها. ومنذ عام 1945 لم تتمكن سوى دولة واحدة من ذلك هي الولايات المتحدة. وقد فعلت ذلك (5) مرات فقط (وهو عدد صغير، بالنظر إلى أنّ أمريكا هي الضحية في حوالي 20% من جميع الهجمات على البعثات الدبلوماسية).

لكن في كلٍّ من تلك الحالات الـ (5) كان المعتدي جهة فاعلة غير حكومية، إمّا جماعة إرهابية، وإمّا حشد غاضب، ممّا يعني عدم تحميل أيّ حكومة المسؤولية المباشرة. وقد ردّت الولايات المتحدة بعمليات عسكرية أو بضربات جوية على المنشآت التي اعتبرتها مفيدة في الهجمات، مستشهدة بالدفاع عن النفس في تقاريرها المقدمة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي جميع الحالات الـ (5) لم يكن هناك إجماع واضح - سواء بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية - على أنّ مبرر الدفاع عن النفس كان صحيحاً.

بين الباحثين القانونيين تُعَدّ مسألة ما إذا كان بإمكان الدول اتخاذ تدابير للدفاع عن النفس في أراضي دولة أخرى رداً على تصرفات جهات فاعلة غير حكومية مثيرة للجدل وغامضة. 

ومنذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) و"الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة، كان هناك اتفاق متزايد على إمكانية اتخاذ مثل هذه الإجراءات، لكنّ رأي القانون الدولي حول هذا الموضوع لم تتم تسويته بعد. وعندما استهدفت جهات فاعلة غير حكومية سفارات، في جميع الحالات باستثناء الحالات الـ (5) التي أثارتها الولايات المتحدة، تعاملت الدول المتضررة معها على أنّها مسائل دبلوماسية أو جنائية، وليست أعمال حرب.

لكنّ الأمر الثابت هو أنّ الدفاع عن النفس له ما يبرره عندما تهاجم دولة دولة أخرى. وفي الواقع هذا هو المبرر الوحيد المقبول عالمياً للدفاع عن النفس.

في القانون الدولي، المصطلح الفني للهجوم الذي يؤدي إلى الحق في الدفاع عن النفس هو "هجوم مسلح". ومن المثير للدهشة أنّه لا يوجد تعريف شامل لما يشكّل بالضبط هجوماً مسلحاً، ولكن من الثابت أنّ الهجمات المسلحة هي جزء فرعي من جريمة العدوان، وبالتالي  يتطلع العديد من الباحثين إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314) 1974، الذي يعرف "العدوان"، على سبيل المثال، ويشمل، من بين أمور أخرى، أيّ هجوم من قِبل قوات مسلحة لدولة ما على أراضٍ أو قوات مسلحة لدولة أخرى.

في القانون الدولي، المصطلح الفني للهجوم الذي يؤدي إلى الحق في الدفاع عن النفس هو "هجوم مسلح"

والأمر الأقلّ وضوحاً هو ما إذا كانت السفارات مشمولة بهذا التعريف. ويحاجج الكثيرون بأنّها ليست كذلك. وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإنّ السفارات ليست من الناحية القانونية ضمن الإقليم الفعلي للدولة التي تمثلها. فهي، بدلاً من ذلك، مبانٍ تتمتع بامتيازات خاصة، وتعتبر "حُرمة" بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، فإنّ بعض الباحثين القانونيين البارزين - وأبرزهم كريستوفر غرينوود، القاضي السابق في محكمة العدل الدولية - يجادلون بأنّ السفارات "أجهزة دولة" شبيهة بالقوات المسلحة في هذا السياق، وبالتالي فإنّ استهدافها من شأنه يعادل "الهجوم المسلح".

وكما يشير البروفيسور رويس، فإنّ حقيقة أنّ الهجمات على السفارات لم تُذكر صراحةً في القرار (3314) قد تكون في حدّ ذاتها "نتيجة لحقيقة أنّ الدول لا تهاجم سفارات الدول الأخرى، وبالتالي فإنّ واضعي تعريف العدوان لم يفكروا ببساطة في إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو".

وكما ذكرت سابقاً، لا شكّ أنّ محامي الحكومة الإيرانية يعدّون الحجج لهذا الغرض في الوقت الحالي. أمّا إذا كانت طهران قد اختارت استخدام الأمر لتبرير ردٍّ عسكري ضد إسرائيل، فهي مسألة أخرى.

منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) و"الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة، كان هناك اتفاق متزايد على إمكانية اتخاذ مثل هذه الإجراءات، لكنّ رأي القانون الدولي حول هذا الموضوع لم تتم تسويته بعد

ينبغي لنا أن نأمل ألّا يحدث ذلك، فمثل هذا الرّد ستكون له عواقب مدمرة في الشرق الأوسط، الذي يعاني بالفعل من أعمال العنف، بما في ذلك العنف الذي ترعاه إيران والذي يتم تنفيذه في العديد من البلدان عبر وكلاء مسلحين. وإذا كان من الممكن الاسترشاد بتصريحات الجيش الإسرائيلي السابقة حول هذا الموضوع، فمن المؤكد أنّ المحامين العسكريين الإسرائيليين قد أعدُّوا بالفعل حججهم، مستشهدين بهذه الحقيقة بالذات.

وكان معظم الأشخاص الذين قتلوا في البعثة الإيرانية - وهم الأهداف الرئيسة للغارة الجوية يوم الإثنين - أعضاء في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الكيان المسؤول عن توجيه وكلاء إيران، مثل حزب الله، في هجماتهم ضد إسرائيل. وحتى لو قاومت إسرائيل إعلان مسؤوليتها عن الغارة الجوية، فإنّ منطقها الداخلي سيكون أنّ الضربة نفسها كانت بمثابة عمل من أعمال الدفاع عن النفس، وليس العدوان.

لكن من المهم أن نقول إنّ البعثات الدبلوماسية تُعتبر أهدافاً مدنية في سياق الحرب. حتى لو كان الشخص الموجود بداخلها عضواً في جيش معادٍ، فإنّ استهداف السفارة من أجل قتل ذلك الشخص يُعدّ أمراً غير قانوني بالتأكيد. وإذا كانت إسرائيل بالفعل وراء الهجوم، كما تشير الأدلة المتاحة، فإنّها بذلك تعرّض نفسها بوضوح شديد لتهم العدوان، وقد منحت إيران اليد العليا في تلبية العتبة القانونية للدفاع عن النفس.

وبصرف النظر عن قدرتها على إشعال الحرب، فإنّ الغارة الجوية في دمشق قد تؤدي أيضاً إلى دقّ إسفين بين إسرائيل وأقرب حلفائها، الولايات المتحدة. وعلى أقلّ تقدير، فإنّها قد تضع الولايات المتحدة في موقف حَرِج للغاية على الساحة الدولية. ولعلّ أمريكا هي الدولة التي تؤيد أكثر من غيرها فكرة أنّ "الهجوم على سفارة ما يُعتبر هجوماً على الدولة التي تمثلها". وقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية ذلك، بهذه الكلمات بالضبط، في قسم من موقعها الإلكتروني بعنوان "أساسيات الدبلوماسية". ومرة أخرى، فإنّ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي اعتبرت أنّ مثل هذه الهجمات على مبانيها تستوفي عتبة الدفاع عن النفس،  وأشهرها (وذلك من عجيب المفارقات الآن) عندما حاججت بشأن هذه النقطة أمام محكمة العدل الدولية في قضية قانونية بشأن تعرّض سفارتها في إيران للهجوم.

في ورقته البحثية لعام 2021 وصف البروفيسور رويس السيناريو الافتراضي المتمثل في مهاجمة دولة ما لسفارة دولة أخرى بأنّه "بجعة سوداء"، أي شيء لم نشهده من قبل ويمكن أن يبطل جميع افتراضاتنا المبنية على الخبرة السابقة. لقد افترض المجتمع الدولي لعقود من الزمن أنّ الهجمات على السفارات لا تؤدي إلى شن حروب، لأنّها حتى الآن لم تكن خطيرة بالدرجة الكافية - من الناحية القانونية - حتى تشعر الدولة المتضررة بأنّ لها ما يبرر السير في هذه الطريق. لكن الآن وصلت البجعة السوداء.

المصدر:

سليمان حكيمي، ذي ناشيونال نيوز، 2 نيسان (أبريل) 2024




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية