الوصفة أمريكية والجنازة إيرانية

الوصفة أمريكية والجنازة إيرانية


22/03/2022

فاروق يوسف

لم يتخل الأميركان عن العراق بشكل نهائي حين انسحبوا منه عام 2011، بدليل أنهم تركوا قوات قتالية من غير أن تغادر قواعدها إلا مرتين. مرة حين اشتركت في القتال ضد داعش من أجل المساهمة في تحرير الموصل بعد أن تم تدميرها على أيدي الدواعش ومرة ثانية وأخيرة حين ذهبت تلك القوات إلى جهة مجهولة استجابة لضغوط إيرانية مارستها الميليشيات الولائية في استعراض صبياني كان الغرض منه تثبيت أقدامها على الأرض.

اما أين ذهبت تلك القوات فهو واحد من أسرار العراق الجديد الذي لم يعد مصيره بأيدي أبنائه الافتراضيين الذين صار كل شيء معهم صوريا. الدولة والنظام والحكومة. ليس هناك ما يجمع بين الجهات الثلاث سوى مصالح الفرقاء الذين لا يتوافقون إلا من أجل توزيع الغنائم في ما بينهم ويختلفون على كل شيء آخر. تحكمهم ولاءات خارجية وهم يتفاهمون على إبقاء تلك الولاءات طي الكتمان بالرغم من أنهم حين يختلفون يفتح كل واحد منهم ملفات الآخرين. هناك مَن يرفع شعار الموت لأميركا وهناك من يدعو إلى انهاء الهيمنة الإيرانية كما لو أن ذلك سيحدث غدا.

ولأن الطرفين، الولايات المتحدة وإيران، يختلفان على كل شيء إلا في ما يتعلق بالعراق فإنهما لا يغضبان ولا يفرحان. فالعراق الجديد هو من صناعة أميركا التي غزته وطوت صفحته التاريخية كما أنه واقع تحت الهيمنة الإيرانية التي لم تبق على شيء من خصوصيته إلا ما يخدمها من شعائر وأفكار طائفية تجعل وجودها ضروريا لإبقاء اللغم جاهزا للانفجار في أية لحظة. وهو انفجار ستعم تداعياته الكارثية العالم العربي كله. العراق في مثل تلك الحالة هو وسيلة أميركية لتهديد الجميع عربا وفرسا. فليست إيران في منجى من تلك التداعيات الخطيرة. يمكننا أن نتخيل بلدا ملغوما غادره الأميركان لأنهم صاروا على يقين من أنه لم يعد ينفع لشيء سوى الأذى.    

حين تعتقد إيران بأن العراق صار تابعا لها فإنها تمارس أعلى مراحل الغباء السياسي. ذلك لأن النظام السياسي الذي صنعته أميركا لا يزال قائما، بل هو يستقوي بالحماية الأميركية التي لا تظهر في المشهد بشكل مباشر. ما يظهر فعليا هو أن إيران تمارس ضغوطها من أجل أن يبدو الوجود الشيعي متماسكا ولكن ماذا عن وجود الآخرين؟ هناك أطراف اقليمية ودولية تجعل وجود أولئك الآخرين ممكنا، بل وضاغطا. تلك الأطراف كلها مرتبطة بأميركا. ولذلك فإن اميركا لم يعد حضورها في المشهد العراقي ضروريا.

لقد تخطت الولايات المتحدة عتبة الاحتلال وكان ذلك حدثا ضروريا بالنسبة لها وهي التي ارتكب جيشها مجازر مروعة في حق المدنيين العراقيين. صار في إمكانها أن تدير المسألة العراقية من وراء ستار الهمجية الإيرانية. إيران ترعى مصالحها في العراق وهي مصالح في جلها اقتصادية بعد أن نفذت مشروعها الانتقامي. اما أن يكون العراق جاهزا للانتقام من إيران فإن ذلك الحدث سيكون بمثابة استعادة لفكرة الحرية التي علبتها أميركا من غير أن تكون صادقة في توزيعها على العراقيين. "لسنا صادقين للأسف" تلك جملة هي جزء من الحرية الملفقة. حرية الفوضى الخلاقة. تعرف الولايات المتحدة أن لا شيء يمكن أن يُحل من مشكلاتها في العراق.

لن يصدق العراقيون أن قيامتهم لا تزال مرتبطة بالمشروع الأميركي الذي بدأ بالاحتلال ولن ينتهي إلا بنهاية فكرة ذلك الاحتلال. العراق لا يزال بلدا محتلا من قبل أميركا. ما هذه الأحجية وما هذا اللغز؟ كانت الاحتجاجات عام 2019 موجهة ضد إيران. تلك قوة غبية انفردت بالعراق لتنفيذ مشروع انتقامها المدرج في الأجندة الأميركية. لقد انتهى ذلك المشروع بالكراهية. كره العراقيون إيران وهو ما مطلوب في سياق الأجندة الأميركية. 

الأمل في مستقبل عراقي مستقل لا يصنعه إلا العراقيون. ولكن مَن هم أولئك العراقيون؟ لقد خلطت الولايات المتحدة الأوراق بحيث خرجت من المشهد وصار عراقيوها هم المؤهلون لصنع الخلاص. وصار الجميع يفكر في أن نهاية الهيمنة الإيرانية وحدها هي ما يمكن العراق من الخروج من النفق وذلك ليس صحيحا تماما. فالعراق الأميركي لا يزال قائما. وهو عراق مزيف. لا يمكن تنقيته إلا بطي صفحة الاحتلال بشكل تام.

عن "ميدل إيست أونلان"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية