انطلاقاً من غزة... هل تنفتح روسيا والصين على ارتباطات أوثق بقضايا الشرق الأوسط؟

انطلاقاً من غزة... هل تنفتح روسيا والصين على ارتباطات أوثق بقضايا الشرق الأوسط؟

انطلاقاً من غزة... هل تنفتح روسيا والصين على ارتباطات أوثق بقضايا الشرق الأوسط؟


30/11/2023

تبدو الصين وروسيا لاعبين أساسيين في منطقة الشرق الأوسط والخليج، بعد أعوام طويلة من الانطواء وترك المساحة كاملة للولايات المتحدة، وقد بدا البلدان على استعداد للعب أدوار سياسية ودبلوماسية مهمة، ربما كان أبرزها مؤخراً الدور الصيني الروسي لمحاولة التهدئة داخل قطاع غزة، وقبل ذلك الوساطة الصينية للمصالحة التاريخية بين السعودية وإيران. 

إلى ذلك، تناولت دراسة حديثة صادرة عن المرصد التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للباحثة ميرنا أسامة خارطة التحركات من جانب بكين وموسكو مؤخراً إبّان الحرب في غزة، وأهداف توسع الاهتمام الصيني والروسي بقضايا المنطقة، كجزء من الصراع مع الولايات المتحدة. 

توافق حول الملف الفلسطيني 

بدأ وفد وزاري عربي وإسلامي منبثق عن القمّة العربية الإسلامية المشتركة، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، جولة يوم 20 من الشهر نفسه شملت الدول الـ (5) دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة)؛ بهدف بلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، وبدأ هذا الوفد جولته بزيارة بكين وموسكو قبل التوجه إلى الدول الغربية الـ (3).

وفي هذا السياق، أعربت بكين موسكو عن تمسكهما بالحل السياسي للصراع، وهو ما يظهر عدم انحراف الدولتين عن موقفهما الأول بشأن القضية، والذي أظهر دعماً محسوباً لوقف إطلاق النار، وعدم إدانة حماس أو تصنيفها جماعة إرهابية، وتُرجم ذلك في مشروع القرار الذي قدّمته روسيا بمجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وتصويت الصين الداعم للأمر نفسه، سواء على مشروع القرار الروسي، أو مشروع القرار البرازيلي.

تبدو الصين وروسيا لاعبين أساسيين في منطقة الشرق الأوسط والخليج

وخلال اللقاء أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري لنظيره الصيني عن تطلعهم لدور أقوى من قبل القوى السياسية العظمى، والتي تشمل الصين، في محاولات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن أعرب عن أسفه لوجود دول كبرى تنحاز للجانب الإسرائيلي. 

جهود من أجل الحل السياسي

من جانبها، أظهرت بكين تفهماً للوضع، ووصفت الدول العربية والإسلامية بأنّها "صديق جيد وشقيق"، وأعلنت عن دعمها القوي لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه ومصالحه الوطنية المشروعة. 

إضافة إلى ذلك، تعهدت الصين، بحسب ما قاله وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بوقف القتال في القطاع في أقرب وقت ممكن، مع دعم تقليص الكوارث الإنسانية، والعمل على تدعيم "تسوية مبكرة وشاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية". 

أعربت بكين وموسكو عن تمسكهما بالحل السياسي للصراع، وظهر ذلك في عدم انحراف الدولتين عن موقفهما الأول بشأن القضية، والذي أظهر دعماً محسوباً لوقف إطلاق النار، وعدم إدانة حماس أو تصنيفها جماعة إرهابية

ومن ناحية موسكو، دعا الرئيس الروسي إلى حل سياسي للصراع القائم، وأشار إلى إمكانية مشاركة أعضاء مجموعة (بريكس) في محاولات التوصل إلى هذه التسوية، ولكنّه لم يعلن عن كيفية تنظيم هذه الجهود المشتركة. 

ودعا بوتين المجتمع الدولي إلى العمل على تهدئة الوضع وليس تفاقمه، وأكد موقفه منذ بداية التصعيد، وهو ربط هذه الحرب بفشل دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو ما أكد عليه خلال قمة افتراضية لمجموعة (بريكس). 

علاوة على ذلك، أوضح وزير الخارجة الروسي سيرجي لافروف دعم موسكو لأيّ جهود تهدف إلى وقف "فوري" لإطلاق النار في غزة، وأدان بشدة "العقاب الجماعي" الذي تنتهك من خلاله إسرائيل القانون الدولي الإنساني، وناشد بضرورة إيصال مساعدات إنسانية كافية إلى غزة، إضافة إلى إدانة إسرائيل لتطبيقها ما وصفه بـ "الانتقائية" للقانون الدولي. 

مسار ترسمه المصالح

تحت هذا العنوان تذكر الدراسة أنّه على الرغم من الموقف المتوازن الذي أبدته الدولتان، وجدت الصين وروسيا نفسيهما في موقف يتطلب منهما القيام بحسابات استراتيجية تضمن لهما المكاسب التي تطمحان إليها؛ ويتطلع البلدان إلى توسيع نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي في الجنوب العالمي الغني بالموارد، والذي يُعدّ أيضاً منطقة رئيسة مستوردة للأسلحة، التي تأتي ضمنها دول الشرق الأوسط، خاصة مع التراجع الملحوظ للولايات المتحدة في المنطقة، وأنّ كلاً من بكين وموسكو يجمعهما هدف استراتيجي واحد، وهو تحول النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب، وفي هذا السياق، تعمل الدولتان على الخروج من دائرة التأثير إلى دائرة المبادرة في المنطقة.

زادت الصين مبيعاتها من الأسلحة المتقدمة إلى المنطقة

من ناحية روسيا، يُعدّ الشرق الأوسط مجالاً لتحقيق مصالحها الاقتصادية من مبيعات الأسلحة وبناء المحطات النووية وصادرات الحبوب، وعليه، يتم من خلال التجارة المتنامية بينهم بناء ممرات نقل جديدة إلى روسيا. 

فنجد أنّه مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية تحول الشرق الأوسط من مجرد واحد من العوامل المؤثرة في سياسة روسيا الخارجية إلى كونه في المرتبة الثانية بعد الصين من حيث الأهمية ارتباطاً بمجموعة من العوامل؛ منها كون منطقة الشرق الأوسط ساحة مهيّأة للتنافس مع الولايات المتحدة، فضلاً عن أنّها تحتوي على القاعدة العسكرية الروسية في المياه الدافئة، وهي قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، ويحاول الرئيس الروسي تصعيد ما وصفه بـ "الحرب الوجودية مع الغرب"، من أجل خلق النظام العالمي الجديد وفرضه. 

وجدت الصين وروسيا نفسيهما في موقف يتطلب منهما القيام بحسابات استراتيجية تضمن لهما المكاسب التي تطمحان إليها؛ إذ تتطلّعان إلى توسيع نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي في الجنوب العالمي الغني بالموارد، والذي يُعدّ أيضاً منطقة رئيسة مستوردة للأسلحة، وتأتي ضمنها دول الشرق الأوسط

ومن ناحية الصين، فهي تتمتع بمصالح متنامية في الشرق الأوسط، وهو ما دفعها لتتبنّى دوراً دبلوماسياً أكثر نشاطاً، مثلما لعبت دور الوسيط في استعادة العلاقات الإيرانية السعودية. 

هذا، وزادت الصين مبيعاتها من الأسلحة المتقدمة إلى المنطقة، فضلاً عن أهمية الشرق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق التي يرتبط بها العديد من روابط النقل والطاقة والتجارة، وتستغل الصين موقف الولايات المتحدة في المنطقة للصعود على حسابها، وتستند إلى ادعاء أنّ دورها الدبلوماسي في الشرق الأوسط يتناقض مع "النهج العدواني والعسكري الأمريكي". 

وعليه، قد ترى بكين في الحرب الجارية في قطاع غزة فرصة لتعزيز أوراق اعتمادها داخل الجنوب العالمي بوجه عام، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

عوامل داخلية حاكمة 

بحسب الدراسة، تتعرض روسيا والصين لبعض الاضطرابات والتحديات الداخلية التي قد تلعب دوراً في تحركاتها الخارجية، وتأتي على رأسها الأزمة الاقتصادية في كلتا الدولتين، فروسيا تواجه أزمة اقتصادية جراء العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد حرب أوكرانيا، ممّا أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وضعف قيمة الروبل. 

أمّا الصين، فتواجه أزمة اقتصادية مدفوعة بتباطؤ النمو، ممّا كسر الأسطورة التي تسعى الصين لتحقيقها، والتي كانت محور استراتيجيتها بحلول 2049، وهي أن تصبح الاقتصاد الأول في العالم، متفوقة على الولايات المتحدة. 

ولم تكن هذه الأزمة في الصين وليدة اللحظة، بل ترتبت على صدمة سياساتها الرامية إلى القضاء على جائحة كورونا، وتراجع العولمة، بما في ذلك التدفقات المالية وتدفقات المعلومات والعمالة، إضافة إلى الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتدفق صافي رأس المال من البلاد إلى الخارج في الأعوام الأخيرة. 

بناءً على هذه التطورات في الأوضاع الاقتصادية للدولتين، من المتوقع أن تحاولا تعزيز مكانتهما في الشرق الأوسط، خاصة روسيا التي ما تزال تعاني من العقوبات الغربية، فليس من المرجح أن تضعف الأوضاع الداخلية من موقفها الداعم لوقف إطلاق النار والتوسط لإيجاد حل سياسي مناسب، بل على العكس من ذلك سيحاول بوتين استغلال أزمة غزة لمصلحته الجيوسياسية في أطر استراتيجية لجذب الحلفاء في الدول النامية وبناء نظام عالمي جديد لمواجهة الهيمنة الأمريكية. 

الصين، على العكس من روسيا، تجد من مصلحتها خفض التوترات مع الولايات المتحدة وتحسين العلاقات الثنائية

أمّا الصين، فعلى العكس من روسيا، قد تجد من مصلحتها خفض التوترات مع الولايات المتحدة وتحسين العلاقات الثنائية، لتستطيع الوصول إلى حل بشأن القيود التي تضعها واشنطن على ضوابط التصدير والاستثمار والعقوبات أحادية الجانب، لتتمكن من إنعاش اقتصادها مرة أخرى، علاوة على رغبتها في إحجام دعم الولايات المتحدة لتايوان مع اقتراب انتخاباتها. 

وعلى هذا الغرار، ربما تجد الصين نفسها في وضع تضطر فيه للحياد بشأن بعض الأمور التي من الممكن أن تستغلها واشنطن، لمساومة بكين والضغط عليها لتتبنّى موقفاً معاكساً. 

تلعب رغبة بكين في عدم الخضوع لواشنطن، بل الصعود كقوة مساوية لها على الساحة الدولية، دوراً في تحركاتها المستقبلية، وهو ما دفعها للقيام بإطلاق حملة دبلوماسية بغرض مواجهة دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة

ولكن ليس من المتوقع أن تخضع الصين فوراً وبهدوء إلى أيّ محاولات ابتزازية ممكنة من الولايات المتحدة، نظراً لعلاقاتها الوطيدة مع روسيا، وموقفها المعادي للولايات المتحدة، والذي ليس من المرجح أن يتحول من المنافسة إلى التعاون. 

فضلاً عن ذلك، تلعب رغبة بكين في عدم الخضوع لواشنطن، بل الصعود كقوة مساوية لها على الساحة الدولية، دوراً في تحركاتها المستقبلية، وهو ما دفعها للقيام بإطلاق حملة دبلوماسية بغرض مواجهة دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إضافة إلى بعض التحالفات التي أقامتها مع دول من الجنوب العالمي والدول غير الغربية في تكتلات مثل مجموعة (بريكس)، فضلاً عن تعزيز علاقاتها في الشرق الأوسط. 

مواضيع ذات صلة:

الانحياز الصيني لفلسطين: مبادئ أم مصالح؟

حرب غزة "موقف أخلاقي" لروسيا والصين

شركات صينية كبرى تثير غضب إسرائيل.. ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية