"باربي" اللعبة في مواجهة "باربي" المرأة

"باربي" اللعبة في مواجهة "باربي" المرأة

"باربي" اللعبة في مواجهة "باربي" المرأة


04/09/2023

سعاد فهد المعجل

«باربي».. دمية من إنتاج شركة ماتيل للألعاب، استوحت سيدة أعمال أميركية الفكرة من دمية ألمانية شهيرة، وقد شهد عام 1959 أول طرح للدمية في الأسواق، وبقيت طوال هذه الأعوام مُلهِمَة للفتيات، بحيث تطوّرت مع الزمن ليصبح لديها أربعون حيوان أليف، وسيارات ووظائف مختلفة، وأجناس متعددة، واستطاع مصنّعو باربي مسايرة التغيير الزمني والاجتماعي، بل وحتى الفكري، فحاربوا من خلال باربي التمييز العنصري، وتعاطوا مع الإعاقات الحركية والذهنية، بل وحتى النفسية عن طريق إنتاج دمى تحمل تلك الصفات على هيئة «باربي»، ولم تخل مسيرة الدمية باربي من المشاكل والدعاوى والقضايا.

اليوم عادت «باربي» من جديد لتدخل عالم الكبار وليس الصغار، وذلك من خلال الفيلم، الذي أثار ضجة غير مسبوقة وخرج باسمها.

وعلى الرغم من تحقيقه مليار دولار في الأسابيع الثلاثة الأولى، فإن ما صاحبه من جدل جعل حتى غير المهتمين بالسينما ولا بـ«باربي» يسعون إلى مشاهدته.

التحفّظ الذي أبدته دول عربية وأوروبية يعود برأيهم إلى ترويجه لمحتوى مخالف للأدوار العامّة، ويتعارض في بعض مشاهده وحواراته مع القِيَم الدينية بشكل عام، مع ما يحمله من ترويج للمثلية، لكن في الوقت نفسه هنالك فئة رأت في قرارات المنع والتحفّظ مبالغة، وأن ما تبثّه قنوات الأفلام المنتشرة في عالمنا العربي والإسلامي يفوق بكثير ما جاء في فيلم باربي هذا.

بداية تجدر الإشارة هنا إلى أن الرقابة والمنع والحظر والتحفّظ في زمن التكنولوجيا والانترنت والانفتاح السيبراني باتت أمراً مثيراً للسخرية والتهكّم، ففي عالمنا اليوم أصبح كل شيء مُتاحاً ومفتوحاً ومُباحاً، وهنالك مئات الطرق لتجاوز أي محاولة حظر أو رقابة.

هنالك عدة رسائل في الفيلم، أهمها ما ظهر في بدايته مع فتيات صغيرات يلعبن بدمى رضَّع، حيث يقول الراوي في بداية الفيلم أن الدمى صُنعَت على هيئة أطفال رضّع لتدريب الصغيرات على المهمة الوحيدة التي تنتظرهن مستقبلاً، أي الأمومة والرعاية وشؤون البيت والمطبخ، ثم تأتي دمية باربي البلاستيكية العملاقة لتُحرّر الفتيات من هذا الدور، ثم يخلق الفيلم عالمين متوازيين، عالم يوتوبيا خيالية تعيش فيها دمى باربي بسلام، ويؤدين كل وظائف المجتمع من رئاسة وعلوم وفنون وآداب، وعالم واقعي تعيش فيه النساء، ويمارسن مهاماً تأتي بالدرجة الثانية لما يمارسه الرجال، وبين العالمين رسم الفيلم أبواباً مغلقة بعناية.

أكثر المعترضين على الفيلم هم أولئك الذين أثارتهم فكرة التركيز على مفهوم النسوية، والذي أصبح طاغياً في العالم كله، لا فرق بين دول «متقدمة» وأخرى «نامية»، حيث تقودنا تفاصيل وأحداث الفيلم إلى رمزية قدرة النساء على تحرير أنفسهن من سجن الأدوار التقليدية، ولكن في الوقت نفسه توحي الأحداث بأن عالم الواقع يقودهن للانتقال إلى سجون جديدة ومختلفة لم يصنعها الرجل هذه المرة، لكن من الإنصاف التذكير هنا بأن الفيلم لم يروّج للنسوية اعتباطاً ولا تحدّياً، بل كانت الرسالة جميلة وموجّهة للمرأة العصرية وبشكل رمزي، وقد بدا ذلك واضحاً في حوار شهده آخر الفيلم، تقول فيه إحدى الشخصيات مخاطبة باربي الدمية: «من المستحيل أن تكوني امرأة، يجب ان تكوني شيئاً مميزاً، لكنك دوماً ستفعلينها بالطريقة الخطأ، كوني نحيفة ولكن لا تكوني نحيفة جداً، لا تكوني أصلاً نحيفة بل كوني بصحة جيدة، امتلكي المال لكن لا تطلبيه، كوني متسلّطة لكن لا تكوني لئيمة، كوني أمّاً لكن لا تتحدثي عن الأطفال، كوني امرأة ناجحة مهنياً لكن عطوفة ومهتمة بالآخرين، كوني جميلة حول الرجال لكن لا تغريهم» (انتهى).

حوار يحمل رسالة واضحة لكل النساء، من أن الرجل ليس الند، بل الند هو الكتالوج الذي أخضعت له المرأة نفسها بعد أن تحرّرت من الرجل.

الفيلم جدلي في أحداثه وحواراته ورسائله، وكل مشاهد استخلص منه فكرة أو رمزية معيّنة، لكنه قد يكون الفيلم الأجرأ الذي تناول قضية النسوية بهذا الشكل المُبدع، فالنسوية ليست مفهوماً متطرفاً، وكما يسعى البعض إلى تصويره، بل هو واقع وحق تفرضه مُجريات الحياة والمتغيرات فيها وحولها، وهو ما قدّمه لنا الفيلم في باربي اللعبة وباربي المرأة.

عن "القبس"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية