بانوراما تركية: أهذا ما تمناه أردوغان؟

بانوراما تركية: أهذا ما تمناه أردوغان؟


27/12/2021

قبل عقد من الأعوام، كان أردوغان نموذجاً يُقتدى به، ويُروج في المنطقة العربية والإسلامية من قبل الدول الغربية، كنموذج سياسي واقتصادي واجتماعي ناجح، من خارج المنظومة العسكرية التي هيمنت على معظم الأقطار العربية والشرق أوسطية لعقود، منذ عهد ما بعد التحرر من الاستعمار.

ولم يكن العقد الثاني من عهد أردوغان ينتهي إلا وقد صار عبرةً، يُحذر الغرب من تقليده. كان العام 2021 الذي أوشك على الانتهاء هو أشد الأعوام على الرئيس التركي، وبداية النهاية لحكمه الذي قارب على إكمال عقدين من الزمن؛ فهو العام الذي شهد اعتراف أردوغان ذاته بإخفاق رهاناته على الإسلام السياسي والشعبوية الدينية والأحلام الاستعمارية.

شهدت تركيا مظاهرات احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية

وإلى جانب ذلك، كان العام الذي يوشك أن ينقضي بمثابة وقت الحساب العسير لمجمل سياساته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بعد أنّ بدأت التجربة الاقتصادية التي كانت ناجحة من قبل تكشف عن عواراتها، وذلك بالانهيار المستمر لسعر صرف العملة الوطنية، الليرة، مقابل العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار، وما خلّفه ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة، تكاد تهدد عرش أردوغان.

أزمة اقتصادية

وعلى الرغم من تحسن سعر صرف الليرة عقب الإجراءات الاقتصادية التي أعلن عنها أردوغان في خطابه بتاريخ 20 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، والذي شهد الإعلان عن عدّة إجراءات لحماية الودائع بالليرة التركية، وذلك عبر دفع الحكومة لفارق العائد حال انخفاض سعر صرف الليرة، وتحديد سعر لدولار الاستيراد، وهو ما تسبب في زيادة سعر صرف الليرة أمام الدولار، ووصلت إلى سعر صرف 12.6 ليرة مقابل الدولار، بعد أنّ كانت وصلت إلى سعر صرف 18 ليرة مقابل الدولار، إلا أنّ الأزمة لا يبدو قاربت على الانتهاء.

استطلاعات الرأي كشفت عن تراجع شعبية التحالف الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى دون 45 %، وهو ما يهدد بفقدان الأغلبية اللازمة في البرلمان، وربما الرئاسة

ويشكك خبراء اقتصاديون في نجاعة هذا الحل المؤقت، والذي يواجه عقبة اضطرار الحكومة إلى البحث عن مصادر تمويل لدفع الفروق لصالح المودعين بالليرة، وهو ما يمكن أنّ يدفع البنك المركزي التركي إلى طباعة العملة، ما سيؤدي إلى زيادة مستوى التضخم المرتفع، وارتفاع الأسعار.

من زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا

وكان الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار أمام الليرة خلال العام الجاري، تسبب في ارتفاع جميع أسعار السلع، خصوصاً الغذائية والطاقة، وزادت الحاجة إلى المحروقات في فصل الشتاء من ارتفاع أسعار الطاقة، وأدت إلى خروج مظاهرات في شوارع عدّة مدن، احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي، كانت بمثابة ناقوس الخطر لحدوث انفجار اجتماعي، يهدد بقاء نظام أردوغان، وإنّ لم يدفعه إلى إجراء انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة كما تطالب المعارضة، فسيهدد من بقائه حال أجريت الانتخابات في موعدها في عام 2023.

اقرأ أيضاً: الميليشيات التابعة لتركيا ترتكب جرائم وانتهاكات بحق السوريين.. هذه أبرزها

وكانت استطلاعات الرأي كشفت عن تراجع شعبية التحالف الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى دون 45 %، وهو ما يهدد بأن يفقد الأغلبية اللازمة في البرلمان، وربما الرئاسة.

أوهام الزعامة

وشهد هذا العام إقرار أردوغان بحقيقة الواقع الجيوسياسي في المنطقة العربية، بعد أعوام طويلة من التدخل العسكري والسياسي لصالح دعم جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة الأنظمة الوطنية، وذلك بعد إعلانه عن نواياه تحسين العلاقات مع مصر والخليج، بعد أنّ تأزمت بسبب تدخلاته في المنطقة ضدّ هذه الدول.

وفي صراعه مع مصر، خسر أردوغان الكثير، على المستوى الاقتصادي، بعد استبعاد تركيا من منتدى شرق المتوسط، وإخفاق سياستها العدائية تجاه قبرص واليونان أمام التكتل الإقليمي العربي - الأوروبي، والمدعوم من واشنطن، ما دفعه إلى إعادة النظر في سياسته العدائية تجاه مصر، والعمل على تطبيع العلاقات، وإنّ كانت الجهود المبذولة لم تسفر بعد عن تقارب بين البلدين.

تمثّل أزمة اللاجئين ضغطاً على شعبية أردوغان

وكانت خسائر تركيا الاقتصادية أفدح في مواجهة الخليج العربي؛ الإمارات والسعودية والبحرين، خاصةً بعد المقاطعة الشعبية في السعودية للمنتجات التركية، وتهاوي الصادرات التركية إلى المملكة، وعدم حصول الشركات التركية على مشاريع كبرى في الخليج العربي، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في تركيا، بادر أردوغان بالتصالح مع الإمارات، بعد أنّ كانت ألد الأعداء بالنسبة له.

 

اقرأ أيضاً: بالأسماء والتهم.. عقوبات أمريكية جديدة تطال أفراداً وكيانات في سوريا وإيران

وسياسياً في المنطقة العربية، بات التواجد التركي في سوريا يمثّل عبئاً على الدولة التركية، وجعلها في حاجة أكثر إلى روسيا، من أجل تأمين وجودها العسكري في الشمال السوري، إلى جانب زيادة أزمة اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، بفعل التوسع العسكري التركي، وهي الأزمة التي تهدد شعبية أردوغان.

وصلت القوة التركية إلى أوج نفوذها، ودخلت مرحلة الانحسار في عالم بات فيه الاقتصاد والتنمية هو العامل الأساسي في العلاقات الدولية، وهو ما جعل أردوغان يتنازل عن أوهامه

وفي ليبيا، بات التواجد التركي يمثّل أزمةً للدولة التركية، مع هدوء حدة الصراع العسكري، سواء لرغبة محلية وضغط إقليمي ودولي، وبات البحث عن مخرج لتركيا يحقق مصالحها أمراً حيوياً، في ظل الإصرار المحلي والدولي على انتقال السلطة بطريقة شرعية عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ورغم تأجيل عقد الانتخابات إلا أنّه لا بديل عنها، ولهذا بات التقارب الداخلي الليبي هو الحلّ الممكن، والذي يواجه بصورة أو بأخرى جميع النفوذ الأجنبي.

وبشكل عام، وصلت القوة التركية إلى أوج نفوذها، ودخلت مرحلة الانحسار في عالم بات فيه الاقتصاد والتنمية هو العامل الأساسي في العلاقات الدولية، وهو ما جعل أردوغان يتنازل عن أوهامه ويعود إلى البيت العربي بحثاً عن العلاقات الاقتصادية.

المشاكل مع الغرب

وكان أردوغان بدأ عهده في الحكم بوعود كبيرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الحلم الذي كان كفيلاً بتخليد اسمه في الحياة السياسية التركية، إلا أنّ التحوّلات السياسية التي شهدتها تركيا منذ العام 2010، وخصوصاً فيما يتعلق بسيادة القانون والحريات، وما تلاها من أزمات أردوغان مع أوروبا بسبب اللاجئين والاعتداءات المتكررة على الحدود الاقتصادية والإقليمية البحرية لدولتي قبرص واليونان، ساهمت في ابتعاد تركيا عن متطلبات العضوية في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.

وإلى جانب ذلك، أدى خطاب أردوغان الإسلامي الشعبوي، الذي يعادي القيم الغربية والتعايش والتسامح إلى نمو خطاب شعبي وسياسي معادي لتركيا داخل البلدان الأوروبية، والتي عانت من أزمة الإرهاب الإسلامي خصوصاً خلال الأعوام 2015 و2016 و2017.

وحتى وقت قريب، خلال هذا العام، تورطت تركيا في الأزمة بين الاتحاد الأوروبي ودولتي بيلاروسيا وروسيا الاتحادية، بسبب استخدام بيلاروسيا ورقة اللاجئين كورقة ابتزاز ضد الاتحاد، وهو ما أدى إلى تهديد الاتحاد بفرض عقوبات على شركات طيران تركية، قامت بنقل المهاجرين إلى بيلاروسيا، وعلى إثر ذلك تراجع أردوغان عن المضي في ابتزازه لأوروبا.

اقرأ أيضاً: ماذا تريد تركيا وروسيا مقابل الانسحاب من ليبيا؟

وبالنسبة لواشنطن، فمع تولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مطلع العام الجاري، شهدت العلاقات بين البلدين مزيد من التأزم، بسبب اختلاف سياسة واشنطن مع بايدن عن عهد ترامب الذي جمعته صداقة مع أردوغان، واستمرت أزمة منظومة الصواريخ الروسية S_400 في تعكير العلاقات بين البلدين، فضلاً عن رفض واشنطن للدور التركي في ليبيا وسوريا وأذربيجان.

وبشكل عامّ، ربما لا يكون عام 2021 هو الفاصل في نهاية الحقبة الأردوغانية، ولكنه بلا شك هو العام الذي شهد الإعلان عن أفول هذه التجربة، التي علق عليها الغرب أمالاً كبيرةً لتسويقها كنموذج لنجاح الإسلام السياسي في حكم الدول العربية والإسلامية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية