بسبب تمويلها الإرهاب: إيران تخشى الانضمام لـ "مجموعة العمل المالي"

بسبب تمويلها الإرهاب: إيران تخشى الانضمام لـ "مجموعة العمل المالي"


10/03/2021

احتدمت الخلافات داخل النظام الإيراني، مؤخراً، على خلفية رفض الانضمام لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، المعنية بالرقابة على حركة الأموال والتعاملات المصرفية عبر العالم، والتي سبق أن وضعت طهران، قبل عام، على لائحتها السوداء، وذلك إثر رفض المؤسسات الاقتصادية الإيرانية، شبه العسكرية، القريبة من الحرس الثوري الإيراني، والتي تخضع لإدارة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، الالتحاق بالاتفاقيات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، ومواجهة الجريمة المنظمة العابرة للدول.

الاقتصاد السرّي للحرس الثوري

وتنطوي مخاوف الجناح الراديكالي داخل النظام الإيراني على مخاوف جمّة؛ من بينها القيود المحتملة على أدوار إيران الخارجية، وتعقب اقتصادياتها الخاصة بالنشاط العسكري الذي يقوم به أفراد تنظيم الحرس الثوري الإيراني، باتجاه دعم الميليشيات في عدد من الدول بمناطق الصراع في الشرق الأوسط، مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وتمويلها، إضافة إلى دعم أنشطة أخرى للمراكز الثقافية والدعوية والدينية في أوروبا والغرب، والتي كشفت، تقارير استخباراتية أجنبية دورها، الخفي وغير المعلن، في تعبئة وتجنيد أفراد في التنظيمات المسلحة، للدعاية السياسية والأيدولوجية لمبادئ "الولي الفقيه"، والترويج لقيمه الطائفية.

ولذلك؛ فإنّ "أكثر ما يخشاه المتشددون هو التهديد الذي قد يحدق بالمصالح التجارية المرتبطة بـ "الحرس الثوري الإيراني، والمنظمات شبه الحكومية، عند الالتزام بإرشادات مجموعة العمل المالي"، بحسب معهد واشنطن، ويتابع: "تستفيد هذه المصالح الخاصة من شروط الملكية المتهاونة أو الضبابية التي ستلغيها إصلاحات مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية بحكم الضرورة".

وجود إيران على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي، له انعكاسات سلبية على الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية حيث تعطل هذه البنوك التعامل المالي مع إيران

وقبل أيام، طالب رئيس اللجنة القانونية بالبرلمان الإيراني، موسى غضنفر آبادي، في مقال له بصحيفة "وطن أمروز" الإيرانية، من عدم الانخداع بـمجموعة العمل المالي، كما حدث مع الاتفاق النووي، حسبما قال، بينما صرح المرشد الإيراني، علي خامنئي؛ "إنّهم (أي مجموعة العمل المالي الدولية) يصادقون على أشياء في المنظمات الدولية، ويتمّ فرضها على الشعوب" مضيفاً: "(FATF) التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، على الرغم من أنّه في كثير من الحالات قد تتعارض قراراتها مع روح قانون حقوق الإنسان، إلا أنّها تصدر قراراتها باسم حقوق الإنسان، ومنع غسل الأموال ومكافحة الإرهاب؛ ومع هذه الإجراءات، فإنّهم يسعون فقط إلى فرض المطالب التي تخدم مصالحهم على الشعوب".

اقرأ أيضاً: هجمات إيران من أربيل إلى نجران

وتابع رئيس اللجنة القانونية بالبرلمان الإيراني: " يبدو أنّ الدول الأوروبية وأمريكا حساسة بشأن قضية (FATF) باتجاه إيران فقط؛ لذلك يجب أن نشكّ في هذه المواقف، فقد تركوا جميع دول العالم، وهدفهم الوحيد هو قبول إيران للوائح المجموعة المالية الدولية... وسيترتب على القبول بلوائح المجموعة أنّه في حال قام مواطن بإيداع الأموال في حساب شخصي لأحد أقاربه في بلد ما، فسوف يتهمون إيران ويقدّمونها على أنّها داعمة للإرهاب، وفي الوقت نفسه سيضعون العديد من القيود المالية على إيران".

ما الذي تخشاه إيران؟

وبحسب وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، شبه الرسمية، حذّر عضو لجنة التخطيط والموازنة بالبرلمان، جبار كوتشكي نجاد، من الانضمام إلى لوائح مجموعة العمل المالي، موضحاً: "لن يحلّ الانضمام مشكلاتنا فحسب، بل سيزيد من مشكلات الشعب الإيراني المعيشية، وسيجعل الموائد تنكمش أكثر".

وأضاف عضو لجنة التخطيط والموازنة بالبرلمان: "إيران لديها قانون مكافحة غسل الأموال ومكافحة الدعم المالي للإرهاب، وبمقدورنا العمل طبقاً لهذه القوانين، لا أن ننضم إلى معاهدات يديرها الرعاة الرئيسون للإرهاب في العالم"، وتابع: "تبدو مجموعة العمل المالي الدولية أنّها تهدف إلى الشفافية، لكن في الحقيقة، تسعى إلى الحصول على معلوماتنا الاقتصادية السرّية. نحن اليوم في أوضاع العقوبات، وفي ظلّ هذه الأوضاع الخاصة، لا يتوجب علينا تسليم معلوماتنا المالية لمؤسسات يديرها أعداؤنا".

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمود أبو القاسم لـ"حفريات": الانقسام المحتدم داخل أجنحة النظام في طهران يتطرق إلى المثل الثورية الأساسية والمصالح الراسخة

ومن جانبه، قال محسن مجتهد شبستري، أحد الأعضاء في مجمع تشخيص مصلحة النظام: "إذا تمّ قبول الاتفاقية، فإنّ تمرير هذه القوانين سيكون مشروطاً، ويجب على مجموعة العمل المالي الوفاء بالتزاماتها".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يلفت الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الدكتور محمود أبو القاسم، إلى أنّ "الخلاف تقليدي ومتكرر حول الانضمام لمجموعة العمل المالي الدولية، ويتجلى الانقسام حول قوانين مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال"، موضحاً، في حديثه لـ "حفريات؛ أنّه "في العام الماضي، أمهلت مجموعة العمل المالي الحكومة الإيرانية، أكثر من مرة، حتى تمرّر التشريعات الخاصة بها، لكن انتهى بها الحال إلى عودة طهران إلى اللائحة السوداء، ومن ثم، فرض تدابير وقيود بحقها، مثل تعزيز آليات الإبلاغ المنتظم عن المعاملات المالية، وزيادة التدقيق والفحص لفروع المؤسسات المالية الأجنبية الموجودة على الأراضي الإيرانية".

العقوبات الاقتصادية والالتزام بمعايير الشفافية

ويؤكّد الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية؛ أنّ وجود إيران على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي، له انعكاسات سلبية على الأرصدة المالية الإيرانية في البنوك الأجنبية؛ حيث تعطل هذه البنوك أيّ تعامل مالي مع المصارف والبنوك، وكافة المؤسسات المالية بإيران.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني د. محمود أبو القاسم

ويردف أبو القاسم: "انضمام إيران لمجموعة العمل المالي لا يعني حلولاً فورية لأزمات إيران المالية والاقتصادية، لكنّه سيخفف من بعض القيود على حركة أموالها، كما أنّه سيبيض صفحتها بخصوص تمويل الإرهاب والفساد، غير أنّ رغبة الحكومة باتجاه القبول بقوانين المجتمع الدولي دائماً ما تصطدم برفض القوى المتشددة ومؤسساتها، ومن بينها مجلس صيانة الدستور، الذي رفض المصادقة على هذه القوانين، العام الماضي، رغم إقرارها من قبل البرلمان؛ بحجة أنّها تتناقض مع الشريعة الإسلامية والدستور الإيراني".

اقرأ أيضاً: السعودية تصد هجمات جديدة... من يوقف إرهاب الحوثيين وإيران؟

وإلى ذلك، يرى معهد واشنطن؛ أنّ ثمة تعقيدات متفاوتة تحول دون التزام إيران بقوانين مجموعة العمل المالي الدولية، لا سيما أنّ الانقسام المحتدم داخل أجنحة النظام في طهران يتطرق إلى "المثل الثورية الأساسية والمصالح الراسخة، ولذلك ستكون معالجته صعبة"، ويضيف: "إذا كانت طهران تعقد الآمال على الاستفادة من تخفيف العقوبات المستقبلية، عليها أن تثبت قدرتها على الالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بـ "مكافحة غسل الأموال"/ "مكافحة تمويل الإرهاب؛ ليشمل ذلك الإقرار بالعقوبات الدولية وتنفيذها، وكذلك فرض الشفافية اللازمة لاستعادة مصداقيتها أمام النظام المالي الدولي".

الصفحة الرئيسية