بعد أحداث غزة... هل يفكر الإسلاميون في مصر بالعودة إلى مسار القوة؟

بعد أحداث غزة... هل يفكر الإسلاميون في مصر بالعودة إلى مسار القوة؟

بعد أحداث غزة... هل يفكر الإسلاميون في مصر بالعودة إلى مسار القوة؟


26/11/2023

على الرغم من حالة الضعف التي تعيشها التنظيمات الإسلامية في مصر منذ أعوام نتيجة لعدد من العوامل الذاتية والخارجية؛ إلا أنّ حالة الصراع مع النظام الحاكم ما تزال قائمة، وما تزال مبررات ودوافع المواجهة حاضرة وتزداد رسوخاً يوماً بعد يوم من زاوية الطرفين. وقد جاءت أحداث غزة الأخيرة لتحدث عدداً من التغيرات المهمة على مستويات عدة منها ما يتعلق بوضع ومستقبل هذا الصراع، فمن خلال متابعة العديد من كتابات شخصيات بارزة في تنظيمات وتيارات إسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي يتضح أنّ ما حدث في غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قد تسبب في أمرين لدى هذه التنظيمات؛ الأوّل هو ترسيخ قناعة بضرورة استئناف المواجهة مع النظام، لأنّ هذه المواجهة من وجهة نظرهم مرتبطة بقوة بالقضية الفلسطينية، والثاني هو إحياء الشعور بالأمل في إمكانية تحقيق إنجاز في هذا الصراع أسوة بتجربة حماس؛ فهل من الممكن أن نشهد خلال الفترة القادمة عودة إلى مسار استخدام القوة، سواء من جانب تلك التنظيمات التي خاضت ذلك المسار بعد 2013، أو من خلال تنظيمات جديدة؟

الرواية الإسلاموية لأحداث غزة

يمثل هذا التقرير محاولة لقراءة بعض التداعيات المحتملة المترتبة على ما جاء في تقريرين سبق أن قمنا بنشرهما؛ الأوّل كان بعنوان "رسائل الحرب... هل يفقد العقل العربي ثقته في قيم الحضارة؟"، تناولنا فيه الأثر السلبي للسياسة الغربية الداعمة للممارسات الإسرائيلية تجاه غزة على نظرة المجتمعات العربية للحضارة الغربية، ومدى مساهمة هذه السياسة في توفير المناخ للحركات الإسلامية على تأكيد سرديتها وترويج منظومتها الفكرية التي تشمل عدداً من الأفكار الخاصة بتوصيف الواقع والعلاقة مع الأنظمة العربية الحاكمة ومع المجتمعات الإسلامية ومع الغرب، وأهداف تلك التنظيمات ومنهجها في التغيير، والتقرير الثاني كان بعنوان "أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر"، تناولنا فيه الأسلوب الذي تتبعه جماعة الإخوان وبعض التيارات الإسلامية الأخرى في استغلال أحداث غزة لخدمة أهداف الصراع بينها وبين النظام في مصر، من خلال الربط بين هذا الصراع وبين حلّ القضية الفلسطينية.

الإخوان وحلفاؤهم يعملون منذ بداية الأحداث في غزة على الربط بين الوضع السياسي في مصر وبين القضية الفلسطينية

فالإخوان، وحلفاؤهم من التيارات الإسلامية الأخرى، الذين دخلوا في صراع مع الدولة نشأ بسبب سقوط الإخوان من الحكم في العام 2013، يعملون منذ بداية الأحداث في غزة على الربط بين الوضع السياسي في مصر وبين القضية الفلسطينية، حيث تحمل كتابات ناشطين ومسؤولين في جماعة الإخوان وبعض التيارات السلفية عدداً من المضامين التي تفيد ذلك، فمن جهة يربط البعض بين سقوط الإخوان من الحكم وبين ما يتعرض له سكان غزة من انتهاكات ومجازر، على اعتبار أنّه لو كان الإخوان في الحكم، لما كانت النتائج بهذا الشكل، ولكان تعامل الدولة المصرية مع الأحداث بشكل مختلف، ومن جهة أخرى يتم توجيه النقد للنظام المصري بشأن سياسته تجاه الوضع في غزة، ويتم كيل الاتهامات التي تصل إلى حدّ الاتهام بالمشاركة المتعمدة فيما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية لسكان القطاع، والمساهمة في حصار غزة، والحيلولة دون قدرة المقاومة على امتلاك الأسلحة اللازمة لمحاربة إسرائيل، فضلاً عن العجز عن قتال الكيان الصهيوني بشكل مباشر.

هل يرغب الإسلاميون في العودة إلى مسار القوة؟

فكرة استخدام القوة حاضرة لدى الإخوان تنظيراً وممارسة، سواء في أدبيات البنا التي تحدث فيها عن إمكانية استخدام القوة كأداة للتغيير، أو في واقع الجماعة قديماً من خلال تكوين النظام الخاص، وبعد 2013 تجدد حديث الإخوان عن استخدام القوة في إطار الصراع مع النظام، وعادت ممارسة القوة في الواقع من خلال اللجنة الإدارية العليا بقيادة محمد كمال، والتي شُكلت في العام 2014 لتحلّ بدلاً من مكتب الإرشاد، كما سلك مسار القوة كذلك عدد من التنظيمات الإسلامية الأخرى الكبيرة كـ (القاعدة وداعش)، بجانب مجموعات وتنظيمات أخرى صغيرة ظهرت بعد 2013، لكنّ الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها استطاعت أن تقضي بشكل شبه نهائي على تلك الأنشطة خلال فترة بلغت حوالي (7) أعوام، لكن بعد فترة من الكمون عادت جبهة المكتب العام في جماعة الإخوان، وهي الجبهة الممثلة للمجموعة التي استخدمت القوة بقيادة محمد كمال، إلى المشهد مرة أخرى من خلال مؤتمر تم عقده في إسطنبول في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بمشاركة رموز من التيار السلفي مثل الجبهة السلفية تحت عنوان "مؤتمر إطلاق الوثيقة السياسية لتيار التغيير في جماعة الإخوان المسلمين"، وقد أعلن الإخوان في المؤتمر عن وثيقة سياسية جديدة تمثل رؤية الجماعة خلال الفترة اللاحقة، وأكدت فيها على عدد من الأفكار منها توصيف الأنظمة الحاكمة بأنّها أنظمة مستبدة تابعة للغرب ولا تطبق الإسلام، ولذا يجب تحرير الوطن منها، ومنها أيضاً توصيف الصراع مع النظام الحاكم بأنّه صراع صفري لا تجدي معه الإصلاحات، كذلك حددت الوثيقة أهداف الجماعة المتمثلة في إنهاء الحكم العسكري والتأسيس لنظام يحقق مقاصد الشريعة، وحددت الوثيقة أنّ أليات المواجهة والتنفيذ تتمثل في المسار الثوري الذي يضع في اعتباره أنّ استخدام القوة هو الخيار المتاح والمطلوب كضرورة واقعية لحسم الصراع، كما نلاحظ أنّ الجماعة في هذا المؤتمر قد عملت على بناء شراكات مع أطراف إسلامية أخرى تقف معها على الأرضية المشتركة  نفسها من الأفكار والأهداف، سواء كانت هذه الأطراف تمثل تيارات إسلامية أخرى داخل مصر كالجبهة السلفية، أو خارج مصر من الإسلاميين المنتمين لدول عربية كتونس وليبيا وسوريا والعراق، وكان من بين الحضور في المؤتمر عدد من الشخصيات التي تمثل تيارات إسلامية أخرى في مصر وخارجها.

عجز جبهة المكتب العام والتيارات المتحالفة معها عن استئناف مسار استخدام القوة خلال الفترة الحالية، لكنّ هذا لا يعني استبعاد حدوث ذلك خلال المستقبل القريب

وقد ساهمت الأحداث الأخيرة في غزة في تعزيز الرغبة في استئناف مسار استخدام القوة لدى جماعة الإخوان، خاصة جبهة المكتب العام، ولدى تيارات أخرى سلفية، ويتضح من خلال قراءة العديد من كتابات أعضاء بارزين في هذه التيارات أنّ الرغبة والسعي لاستئناف ذلك المسار قد ازدادا هذه الفترة بدرجة كبيرة، وأنّ هذه الأحداث قد وفرت المناخ المناسب لعودة الحديث عن ذلك المسار، فعلى سبيل المثال يقول يحيى موسى القيادي في جبهة محمد كمال في منشور له: "نعم تأخر الردّ والكُلف باهظة، ولكن أقسم أنّ ما يحدث الآن سيزيل عروشاً ويشنق حكاماً عمّا قريب"، ويكتب آخر: "عندي يقين أنّ هناك من يعدّ نفسه الآن بهدوء وروية، دون تكلفٍّ ولا ضجيج، حتى يحين موعد الثأر فيُحدث ضجيجاً يسمعه العالم أجمع، سلامٌ على الجمر الذي يتوهج تحت الرماد"، وتدوينة أخرى لأحد قيادات الجبهة السلفية يقول فيها:   "الإنقاذ الحقيقي الذي يمكن أن تقدمه الشعوب لإخوانهم في غزة هو تغيير الأنظمة، لا سيّما أنظمة دول الطوق (المقصود: مصر وسوريا ولبنان والأردن)، والتي هي في الوقت نفسه الدول الكبرى التي تقود المنطقة كلها". 

إمكانية استئناف مسار القوة... سيناريوهات محتملة

على الرغم من توفر الرغبة والدوافع والسعي نحو استعادة ذلك المسار كما قلنا؛ إلا أنّه تظل إمكانية حدوث ذلك في الواقع مرهونة بعدد من المعطيات التي تحدد نقاط القوة والضعف، سواء لدى جبهة المكتب العام أو لدى بعض التيارات السلفية التي من الممكن أن يخرج منها مجموعات مسلحة، وأيضاً لدى الدولة المصرية.  

فكرة استخدام القوة حاضرة لدى الإخوان تنظيراً وممارسة

فلدى تلك التنظيمات الإسلامية عدد من الفرص أو نقاط القوة التي ربما تساعدها على العودة إلى مسار القوة، أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر والتي يترتب عليها العديد من الأزمات الاجتماعية والسياسية والنفسية، وكذلك أحداث غزة التي عملت التنظيمات على توظيفها لصالحها من منطلقات دينية ووطنية كما وضحنا، فهاتان النقطتان تهيئان المناخ الملائم لتقبل شريحة من المجتمع العودة إلى مسار القوة، وتوفران الحاضنة الشعبية التي تشجع ذلك وتراه واجباً دينياً وضرورة وطنية، لكن على الجانب الآخر فإنّ حالة الضعف التي تصيب البنية الداخلية لجماعة الإخوان وباقي التيارات الإسلامية، سواء لأسباب داخلية متمثلة في الانقسامات والخلافات التنظيمية، أو لأسباب خارجية متمثلة في الإجراءات الأمنية التي ما تزال قادرة على إحكام السيطرة في الداخل والحيلولة دون قدرة التنظيمات على إعادة بناء الهياكل التنظيمية وتقويتها؛ تمثل هذه الحالة نقطة ضعف كبيرة تحول دون قدرة الجماعة والتيارات الأخرى على تكوين مجموعات منظمة تستطيع القيام بعمليات نوعية.

بناء على ذلك؛ يمكننا ترجيح سيناريو عجز جبهة المكتب العام والتيارات المتحالفة معها عن استئناف مسار استخدام القوة خلال الفترة الحالية، لكنّ هذا لا يعني استبعاد حدوث ذلك خلال المستقبل القريب، خاصة مع وجود الرغبة والسعي لذلك منذ فترة، ومع وجود المبررات والدوافع القوية التي زادت رسوخاً ووضوحاً بعد أحداث غزة الأخيرة، والتي تؤكد على ضرورة وصلاحية هذا المسار وقابليته لتحقيق مكاسب على أرض الواقع من وجهة النظر الإسلاموية.

مواضيع ذات صلة:

أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر

رسائل الحرب.. هل يفقد العقل العربي ثقته في قيم الحضارة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية