بعد انهيار مبادرة البحر الأسود.. العالم يرنو إلى محمد بن زايد

بعد انهيار مبادرة البحر الأسود.. العالم يرنو إلى محمد بن زايد

بعد انهيار مبادرة البحر الأسود.. العالم يرنو إلى محمد بن زايد


24/07/2023

سليم ضيف الله

بعد أسابيع من الغموض والشكوك، حسمت روسيا أمرها، وأوقفت فجر اليوم الثلاثاء، التزامها بمبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، التي كانت تسمح منذ أكثر من عام تقريباً بنقل الحبوب والمنتجات الغذائية من أوكرانيا عبر البحر الأسود، والمضائق التركية، خاصة إلى الدول الإفريقية، وذات الدخل الضعيف، ما وضع العالم بأسره على حافة أزمة خطيرة جديدة.

وحسب الأمم المتحدة، التي شاركت في صياغة الاتفاق الذي يضم روسيا وأوكرانيا، وتركيا، سمحت المبادرة منذ إقرارها وحتى 10 يوليو(تموز) الجاري، بتصدير أكثر من 32 مليون طن، من الحبوب، والمنتجات الزراعية الأخرى، من 3 موانئ أوكرانية على البحر الأسود إلى 45 دولة في 3 قارات، وبالسيطرة على أسعار المواد الغذائية عبر العالم، بل وتراجعها 23%.

ومن شأن وقف المبادرة، أن يفاقم خطر أزمة غذائية عالمية تنضاف إلى الأزمة الخانقة القائمة بالفعل، بسبب الحرارة القياسية من جهة والنزاعات المسلحة في عدد من المناطق حول العالم، من جهة أخرى فضلاً عن إطلاق العنان لمؤشر أسعار السلع الغذائية ليعاود الارتفاع، ما يضع قطاعات واسعة من السكان في عدد من الدول الفقيرة على شفا كارثة فعلية، إذا لم تُتخذ إجراءات سريعة وفعالة في أقرب الأوقات.

وبعد إعلان نهاية العمل بالمبادرة، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "الأسف العميق" بسبب "سحب الضمانات الأمنية الروسية للملاحة في الجزء الشمالي الغربي من البحر الأسود" الذي تمره عبره الحبوب، وأيضاً "تصدير الأغذية، وزيت عباد الشمس، والأسمدة، دون عوائق من موانئ البحر الأسود الخاضعة للسيطرة الأوكرانية".

ورغم أن لا الأمم المتحدة، ولا الدول الغربية الأخرى، التي تعد أكبر منتجة ومصدرة للمواد الغذائية المختلفة بما فيها الحبوب أكثر من أوكرانيا بكثير، كشفت حتى الآن خطتها البديلة، أو رغبتها في تعويض النقص الحاصل من الحبوب والمنتجات الأوكرانية الأخرى، إلا أن الواضح أن الغرض من التركيز على انهيارالاتفاق، يخضع إلى اعتبارات سياسية أكثر منه للوقائع والأرقام، ذلك أنه بالنظر إلى قائمة أكبر منتجين في العالم للحبوب نجد أن أوكرانيا في المرتبة الـ8 عالمياً، وراء دول مثل الصين، أو الولايات المتحدة، وحتى باكستان، فضلاً عن كبار المنتجين الآخرين مثل فرنسا، وكندا. أما قائمة الدول المنتجة لأهم السلع الغذائية الأخرى مثل الأرز، أو اللحوم، أو الحليب، أو الصوجا، وغيرها من السلع الأخرى، فإن أوكرانيا خارجها تماماً.

ولكن أهمية أوكرانيا، حسب المتابعين لا تكمن في إنتاجها، بقدر أهمية موقعها في شرق أوروبا، القريبة من الدول المستهلكة التي تحتاج هذه المواد بشدة، لسهولة نقلها بكميات كبرى عبر البحر الأسود، ومنه عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور التركيين، إلى البحر الأبيض المتوسط، ومنه إلى إفريقيا أساساً التي تعاني رغم مساحاتها وثرواتها المائية وأراضيها الخصبة نقصاً غذائياً حاداً دائماً.

واليوم وبعد انهيار الاتفاق فإن الحديث ليس عن أوكرانيا، أو روسيا بقدر ما هو عن البدائل المتاحة لضمان تدفق الأغذية من أوكرانيا، إلى دول العالم، ولذلك سارع الأمين العام للأمم المتحدة منذ أسبوع للاتصال برئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشدد الجانبان في تلك المكالمة الهاتفية على "أهمية مبادرة حبوب البحر الأسود، واستعرضا الجهود الجارية من أجل تمديدها"، وكان واضحاً أن غوتيريش يدرك منذ وقت طويل، أن روسيا لن تقبل تمديد العمل بالمبادرة، لذلك كان أمله الأخير الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بحثاً عن حل للأزمة العالمية الجديدة.

والأكيد بعد المكالمة، أن طلب الأمين العام للأمم المتحدة، لن يبقى دون رد أو استجابة من رئيس الدولة الذي سبق له أن قال في روسيا للرئيس فلاديمير بوتين، في منتصف يونيو (حزيران) الماضي: "كونوا على علم، أنه إذا تطلب الأمر أي دور آخر من الإمارات، لاستقرار الوضع، وفي الأمور الإنسانية، فنحن على استعداد للمساعدة في ذلك، بكل الطرق"، لذلك فإن لا أحد يشك في أن الإمارات ستتحرك وتضغط بثقلها مستندة إلى علاقاتها الجيدة مع روسيا ومع أوكرانيا، للتوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة الجديدة، ولإنقاذ ملايين الأطفال، واللاجئين، والنازحين والمهجرين حول العالم، من القضاء جوعاً، بعد توقف المبادرة.

ولا شك أيضاً أن الدبلوماسية الإماراتية نشطت على عادتها، بعيداً عن الأضواء قبل المكالمة وبعدها، لوصل ما انقطع وربط الصلات مع الجهات والأطراف الدولية الفاعلة، لوضع مسارات جديدة، لتأمين نقل الحبوب من الموانئ الأوكرانية، سواء عبر دول الجوار مثل بولندا، ومولدوفا، أو رومانيا، أو عبر مسارات أخرى، لا تمر بالضرورة عبر المضائق التركية بالضرورة، بسبب شكاوى روسيا الأخيرة من المسار، والإخلال ببعض جوانبه الأمنية، ولم لا فتح أفق أمام تعويض النقص الأوكراني بطريقة أو بأخرى.

إن تعليق العمل بالاتفاق، لا يعني بالضرورة، التردي في نفق مسدود، ما دام في العالم زعيم مثل محمد بن زايد آل نهيان، يمكنه تناول الغداء لو أراد مع زيلينسكي ظهراً، والعشاء مع بوتين مساءً، دون أن يغضب فولوديمير، أو ينزعج فلاديمير، كل ذلك بمباركة أنطونيو، وما الغريب في الأمر، ألم يقل يوماً: "لا تشلون هم"؟

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية