بعد هزائمهم المتلاحقة في الحرب السودانية... "االإخوان" في خطر وجودي.. ما الجديد؟

بعد هزائمهم المتلاحقة في الحرب السودانية... (الكيزان) في خطر وجودي

بعد هزائمهم المتلاحقة في الحرب السودانية... "االإخوان" في خطر وجودي.. ما الجديد؟


23/11/2023

مُنذ وقت مُبكر بعد اندلاع الحرب السودانية، لاحظ كثيرون، وحذّر مثلهم، من مغبة مشاركة الإخوان المسلمين فيها والانخراط بكتائبهم وميليشياتهم المسلحة في خضمها شديد التعقيد.

وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد أعلن منذ الساعات الأولى من 15 نيسان (أبريل) الماضي، بُعيد انطلاق الرصاصة الأولى لحرب الخرطوم الضروس، أنّ تنظيم الإخوان يقف وراء ما يحدث، وسمّى قادة كباراً منهم، مُبدياً عزمه على القبض عليهم، بجانب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

يعتقد مراقبون أنّ الخطأ الكارثي الذي وقعت فيه قيادة الجيش، ليس إعلان الحرب ضد الدعم السريع فحسب، بل سماحها للإسلاميين بتولي القيادة العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد أثناء الحرب الأمر الذي يرفضه الشعب السوداني

بعد مرور أيام قليلة، ظهر كبار قادة الجماعة على سطح الأحداث، الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة بين المواطنين ووسط ضباط الجيش غير المنتمين للجماعة أيضاً، ولربما هذه المشاركة الإخوانية الفعالة في الحرب هي التي قصمت ظهر الجيش، فتعرض لخسائر متتالية، آخرها سيطرة قوات الدعم السريع الإثنين الماضي على منطقة جبل أولياء العسكرية الاستراتيجية على النيل الأبيض، بما فيها الطريق الرابطة بين العاصمة وولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور، كما تضم أحد أقدم وأهمّ سدود تخزين المياه وتوليد الكهرباء في البلاد، بجانب سيطرتها أول من أمس على قيادة اللواء (20) بمدينة الضعين، شرق دافور (غرب السودان).  

هزائم متلاحقة 

الانتصارات المتتالية التي تحققها قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان فتحت باب الأسئلة على مصراعيه، عن السبب وراء تراجع الجيش بهذه الطريقة غير المسبوقة، خصوصاً أنّه يُعدّ السادس على مستوى القارة الأفريقية من حيث التسليح والقوى البشرية؟ 

يعتقد مراقبون أنّ الخطأ الكارثي الذي وقعت فيه قيادة الجيش، ليس إعلان الحرب ضد الدعم السريع فحسب، بل سماحها للإسلاميين بتولي القيادة العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد أثناء الحرب، الأمر الذي يرفضه الشعب السوداني الذي ثار ضد نظام حكمهم المستبد وأسقطه في ثورة شعبية مشهودة. 

إذاً، كيف عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى الواجهة العسكرية والسياسية بهذه السرعة، لولا أنّ ثمّة تنسيقاً مبكراً مدبراً بينها وبين قائد الجيش، يتساءل كثيرون؟ 

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

والإجابة أنّ الأمر كذلك بالفعل، إذ يعتقد مراقبون أنّ العودة الحقيقية للجماعة إلى الحكم كانت من خلال انقلاب البرهان على حكومة عبد الله حمدوك في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، والذي شارك فيه نائبه حينها وخصمه حالياً قائد قوات الدعم السريع، إلا أنّ الأخير عاد ليعتذر عن مشاركته في الانقلاب للسبب نفسه، إذ تفاقمت خلافاته مع رئيسه (البرهان) بسبب استعانته بالإخوان وإعادتهم مجدداً إلى السلطة، وكانت هذه هي نقطة الخلاف الجوهرية بين الرجلين، وهو الخلاف نفسه الذي أدّى إلى الحرب، وفقاً للمراقبين.

وشهدت فترة ما بعد الانقلاب، إلى نشوب حرب 15 نيسان (أبريل)، تمدّداً كبيراً لنفوذ الإخوان في كلّ أجهزة الدولة، بعد أن أعادهم البرهان إليها، وقد تخوّف حميدتي من أنّهم سينتقمون منه لمساهمته في الإطاحة بالبشير، ومن هنا تفاقمت الخلافات بين الرجلين، فشرع الإخوان في دعم  قائد الجيش، لكونهم يرون أنّ إمكانية السيطرة عليه وترويضه أسهل ممّا هي في حالة قائد الدعم السريع الذي يمتلك جيشاً قوياً يأتمر بأمره هو، لا غيره، بينما الجيش السوداني يمكن أن يخالف ضباطه أوامر قادتهم المباشرين، وينفذون تعليمات قادتهم السياسيين من الجماعة، أمثال على كرتي وإسامة عبد الله وأحمد هارون، وهذا ما يحدث الآن، وهو السبب الرئيس للهزائم المتلاحقة التي مُنِي بها الجيش.

حرب الإخوان 

مشاركة الإخوان بجانب الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع، لم تعد محل شك ولا نقطة حوار، فمنذ الشهر الثاني للحرب صدر تقرير عن (رويترز)، وفقاً لتسريبات من (3) مصادر عسكرية ومصدر في المخابرات السودانية، له صلة بالإسلاميين (الإخوان)، أنّ الآلاف من كوادر الجماعة يشاركون في القتال الدائر.

ولم تمضِ بضعة أيام على تقرير (رويترز)، وتقارير صحفية أخرى تناولت الموضوع نفسه، حتى أعلن الإخوان بأنفسهم عن وجودهم في القيادة العامة للجيش وقيادة سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة (جنوب الخرطوم) وقيادة منطقة كرري العسكرية (أم درمان) وقيادة سلاح المهندسين (أم درمان)، وقد أصيب قائد كتيبة البراء بن مالك الإخوانية، المِصباح أبو زيد طلحة في معركة سلاح المدرعات، كما قتل أحد قادتها الميدانيين البارزين مؤخراً في معركة جبل أولياء، واسمه (معاذ)، وقد نظمت الجماعة احتفالاً كبيراً بمناسبة قتله؛ فيما تُطلق عليه (عرس الشهيد)، إذ تزفه افتراضياً إلى (72) من الحور العين، بعد أن تزعم أنّه ذهب إلى الجنة، وكانت جماعة الإخوان قد تركت هذه العادة منذ انتهاء حرب جنوب السودان؛ حيث كانت تخدع بها البسطاء، وتزج بهم في أتون الحروب الأهلية في جنوب وغرب البلاد، التي تدعي أنّها جهاد في سبيل الله، لكنّها عادت إليها مجدداً إبّان الحرب الراهنة.

ميليشيات لا أثر لها 

بجانب كتيبة البراء بن مالك، تشارك كتيبة تُسمى (العمل الخاص)، وهي جماعة إخوانية تم تجميعها على عجل من بقايا ضباط وجنود هيئة العمليات التي كانت تمثل الذراع المقاتلة لجهاز الأمن والمخابرات إبّان حكومة المخلوع عمر البشير، وقد تم حلها عقب تمردها على البرهان وحميدتي، وقاتلها الأخير عام 2020 في شوارع الخرطوم، ولم يستغرق الأمر معه ساعة واحدة حتى حسمها وقضى عليها.

وقد أعاد عبد الفتاح البرهان ما تبقى منها إلى الخدمة، ظناً منه أنّهم بما يحملون من غلٍّ وحقد على قائد الدعم السريع سيقاتلونه بضراوة وشراسة رغبة في الانتقام، كما أنّ الهيئة التي شكلها الفريق صلاح قوش، مدير جهاز أمن البشير، لم تستوعب أحداً غير كوادر الإخوان المسلمين، فهي قوة مقاتلة خالصة للتنظيم، ولا تحظى بتأييد شعبي، إذ يعتبرها المواطنون محض ميليشيا (كيزانية) تم تأسيسها لقمعهم وتثبيت أركان دولة الإخوان، لذلك عندما أعادها البرهان إلى الواجهة، لم يجرؤ على الاحتفاظ باسمها الحقيقي، فتم تغييره إلى قوات (العمل الخاص)، لكن لم يكن لعودتها أثر في سير القتال وتحويل ميزان القوة لصالح الجيش.

الإخون في خطر 

بجانب إصابة قائد البراء بن مالك ـ وهو تاجر أوانٍ  منزلية -  في معركة المدرعات، وانسحابه من ميدان القتال إلى العمل السياسي والدعاية الحربية، يجوب مدن شمال البلاد، قتل العديد من قادة الإخوان في معارك الخرطوم، إذ لم تخلُ، طوال شهور الحرب،  وما تزال، الصفحة الرسمية لحزب المؤتمر الوطني المحلول (إخوان) من نعي لما يسمّونهم بشهداء الحركة الإسلامية، وأبرزهم رئيس منظومة الفكر والتأصيل في الحركة الإسلامية محمد الفضل، وقد نعاه قائد ميليشيات الإخوان علي كرتي.

الآن، وبعد سقوط الفرق العسكرية التابعة للجيش واحدة تلو الأخرى في يد قوات الدعم السريع، خصوصاً في ولايتي دارفور وكردفان، بجانب العاصمة الخرطوم، فإنّ الإخوان المسلمين يصبحون في خطر وجودي داهم، ولربما لهذا السبب رجح كثير من المراقبين ما رشح من تسريبات بهروب قائد ميليشيات الإخوان ورئيس الحركة الإسلامية، علي كرتي الثلاثاء الماضي إلى خارج السودان، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة جبل أولياء الاستراتيجية، التي أعقبت سلسلة من الانتصارات التي حققتها في إقليم دارفور، إذ فرضت نفوذها على كامل الإقليم، ما عدا مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور المحاصرة من قبلها، فقد استولت قوات (حميدتي) على الفرق (15، 16، 20، 21) وحقول بليلة للنفط، وقاعدة جبل أولياء العسكرية بجنوب الخرطوم، خلال أقلّ من شهر واحد. 

مواضيع ذات صلة:

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة

هل تبدأ القاعدة وداعش بتنفيذ عمليات في إثيوبيا والسودان قريباً؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية