بولتون و"العمل المستحيل" مع ترامب: كوريا وإيران أم شاربه الكث؟

أمريكا

بولتون و"العمل المستحيل" مع ترامب: كوريا وإيران أم شاربه الكث؟


12/09/2019

لم يبتعد الكاتب في موقع "الأطلسي" الأمريكي، ديفيد أ. جراهام، عن الحقيقة حين وصف في مقالة له وظيفة مستشار الأمن القومي بكونها "وظيفة البيت الأبيض المستحيلة"؛ فالمشكلة بحسب رأيه "ليست أنّ ترامب فشل في مواكبة جون بولتون، بل إنه لا يريد مستشاراً للأمن القومي في المقام الأول".

إقرأ أيضاً: في أي سياق جرى تعيين مارك إسبر وزير دفاع أمريكا الجديد؟
ليلة الإثنين، وعبر حسابه الخاص على "تويتر"، عرض بولتون الاستقالة. أخبره ترامب أنّهم سيناقشونها في الغد. بدأ الثلاثاء وبولتون لا يزال في منصبه – وكان من المقرر أن يطلع إلى الصحافة في وقت مبكر من بعد الظهر. بدلاً من ذلك، وعند الظهر تقريباً، أعلن ترامب عبر "تويتر" أنّه طرد بولتون، وأخبر مستشاره "لا يمكنك الاستقالة، أنا من يقيلك"!
وأوضح ترامب في تغريدته "لقد أبلغت جون بولتون الليلة الماضية أنّ خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض". "لقد اختلفت بشدة مع العديد من اقتراحاته، كما فعل آخرون في الإدارة (الإشارة هنا إلى وزير الخارجية بومبيو)، وبالتالي سألت جون أن يقدم استقالته، التي قدمت لي هذا الصباح. أشكر جون جزيل الشكر على خدمته. سأقوم بتعيين مستشار جديد للأمن القومي الأسبوع المقبل".

بولتون كان يتوقع أن تكون خبرته الطويلة كافية لتسيير دفة السياسة الخارجية في إدارة ترامب
هناك من يرى أنّ بولتون "استطاع أن يدوم طويلاً في منصبه (أكثر من 500 يوم) وهو ما قد يكون بمثابة "تكريم لمهاراته الداخلية الهائلة"، فقد عيّن ترامب بولتون بعد أن راقب ذلك "البيروقراطي الجمهوري، والسفير السابق لدى الأمم المتحدة في عهد جورج دبليو بوش، لفترة طويلة على شاشة التلفزيون"، وحينها أعرب الرئيس عن تقديره لـ "نهج بولتون القتالي".

اقرأ أيضاً: مع ذكرى 11 سبتمبر.. أزمات تكبر وترامب لا يكترث
وبدأت الأزمة مع خلافين جوهريين: "ترامب يريد التفاوض مع كوريا الشمالية، بينما بولتون لا يريد. يفضل بولتون تغيير النظام في إيران، بالوسائل العسكرية إذا لزم الأمر، بينما ترامب يكره النظام في طهران لكنه يرفض خيار الصدام المسلح". وما لبث الخلافان أن توسعا من نقطة ساخنة إلى أخرى أكثر سخونة في جميع أنحاء العالم، فرؤية ترامب وبولتون إليها كانت مختلفة كلياً، مما جعل الصدام بينهما أمراً لا مفر منه، لا بل إنّ هناك من يضيف سبباً آخر يبدو على جانب من الفكاهة "ترامب لم يعجبه شارب بولتون الكث- علامته الفارقة".

المشكلة ليست أنّ ترامب فشل في مواكبة جون بولتون بل إنّه لا يريد مستشاراً للأمن القومي في المقام الأول

ومع ذلك، فإنّ التركيز على الصراعات المحددة بين بولتون وترامب يخطئ الهدف. المشكلة ليست أنّ ترامب لا ينسجم مع مستشار الأمن القومي. إنه لا يريد المنصب في المقام الأول. الهدف من الوظيفة هو تقديم المشورة للرئيس بشأن مسائل الأمن القومي وتنسيق جهود بيروقراطية الأمن القومي المترامية الأطراف لضمان عمل الحكومة بسلاسة. لكنّ ترامب لا يريد النصيحة، ويفضل إبقاء مرؤوسيه في حالة صراع.
وكان بولتون الشخصَ الثالث الذي يشغل هذا المنصب، ولكل منهم أسلوب مختلف وسيرته الذاتية، وقد انتهى كل منهم على هذا النحو:
*الأول، الفريق المتقاعد مايكل فلين، وهو كان ضابطاً عسكرياً محترفاً، لكنه أيضاً كان متمرداً وهو ما أدى إلى إقالته بعد أن كشفت صحيفة "واشنطن بوست أن فلين كذب على نائب الرئيس مايك بينس بشأن المحادثات مع المسؤولين الروس. كما اتضح فيما بعد، أنّ فلين كذبَ أيضاً على "مكتب التحقيقات الفيدرالي"، وهي جريمة اعترف بها فيما بعد. (من قبيل الصدفة، كانت هناك جلسة استماع في قضية فلين صباح الثلاثاء حين تم طرد بولتون).
*الثاني هو الليفتنانت جنرال إتش آر ماكماستر. وكان عسكرياً محترفاً، لكن رجلاً  دقيقاً وبيروقراطياً صارماً في العمل، وشديد التحسب في رسم السياسة الخارجية وتشديده على ضرورة التزام أمريكا بالتحالفات التقليدية، جعله يشتبك مع ترامب في كلٍ من الإجراءات التنظيمية والرؤية السياسية، وبلغ الخلاف بينهما ذروته مما أدى إلى "الإنهاء المفاجئ لخدمته في البيت الأبيض".

اقرأ أيضاً: ترامب يصدر أمراً للشركات الأمريكية بالانسحاب من الصين
*ثم جاء بولتون الذي يتعامل مع الحكومة كأداة لتحقيق أهدافه الطويلة الأمد، ونهج كهذا هو ما أثار التوتر مع ترامب، ومع وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي "لديه ولاء أكبر للرئيس وأيديولوجية ثابتة".
في أواخر الشهر الماضي كان بولتون ضد دعوة قادة طالبان إلى المنتجع الرئاسي في كامب ديفيد لتوقيع اتفاقية سلام، بل كان "الصوت البارز ضد الصفقة" ضمن فريق الرئيس. لكن الرئيس لديه القليل من الاهتمام بالحقائق أو التحليل حول المشاكل التي تواجهه، فهو لا يثق إلا برؤيته الشخصية، وغالباً ما يعلن أنّه "يعرف المزيد عن الأمور أكثر من الدبلوماسيين والجنرالات الذين يقدمون تقارير إليه". من هنا يمكن التأكيد "لا يمكن لأحد أن ينجح كمستشار للأمن القومي، فالوظيفة تتناقض مع مقاربة ترامب للرئاسة".

تشارلز كووبرمان هل سيكون الضحية الرابعة أم ينجو من المصير المتوقع؟
وكان مسؤولون أمريكيون قد أوضحوا أنّ "الرئيس غاضب من بولتون الذي يقدم نفسه في وسائل الإعلام كصانع القرار في القضايا الرئيسية مثل إيران وفنزويلا" كما يلفت تقريرٌ نشر الثلاثاء في موقع "أن بي سي نيوز".
وفي أواخر أيار (مايو) أو أوائل حزيران (يونيو) الماضيين، أخبر مسؤول في البيت الأبيض بولتون أنه ينبغي عليه "الابتعاد عن الرئيس، والابتعاد على الأنظار والركون إلى الهدوء وسط توترات بين الاثنين بشأن السياسة"، وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية بالمحادثة. اقترح المسؤول أن يسافر بولتون أكثر أو يجد الأمور التي يجب التركيز عليها والتي من شأنها أن تبقيه بعيداً عن ترامب.

ترامب يريد التفاوض مع كوريا الشمالية، أما بولتون فلا يريد. يفضل بولتون تغيير النظام الإيراني وترامب يرفض الصدام المسلح

ولكنّ متحدثاً باسم بولتون "نفى إجراء مثل هذه المحادثة، ونفى فكرة التوترات مع الرئيس أو أي مسؤول آخر في الإدارة"، وعندما سئل عن تلك المحادثة، وصفها أحد مسؤولي البيت الأبيض الحديث بأنّها تتضمن "نصيحة جيدة".
اللافت أنّه عندما يكون ترامب غيرَ راضٍ عن أحد كبار المساعدين، فإنّه يلجأ أحياناً إلى سلف ذلك المساعد، الذي كان على خلاف معه وأقاله. لذا بدأت مكالمات ترامب الهاتفية مع مستشار الأمن القومي (المقال) مكماستر في خريف 2018، بعد حوالي ستة أشهر من تولّي بولتون المهمة. ففي محادثة أخرى في أواخر الربيع، عندما كان ترامب غير متأكد من اختياره لوزير الدفاع آنذاك، باتريك شاناهان، لتولي هذا المنصب بشكل دائم، أراد الرئيس أن يعرف ما يعتقده ماكماستر في هذا الشأن وماذا ينبغي على الرئيس القيام به. في ذلك الوقت، كان ترامب يطلب من مستشاريه داخل البيت الأبيض وخارجه بدائل عن شاناهان، وقد تحول في النهاية إلى ترشيح مارك إسبر، الذي وافق عليه لاحقاً مجلس الشيوخ.

الرئيس ترامب لا يثق إلا برؤيته الشخصية وغالباً ما يعلن أنّه يعرف المزيد عن الأمور أكثر من الدبلوماسيين والجنرالات

ويشير تقرير "أن بي سي نيوز" إلى "واحدة على الأقل من مكالمات ترامب مع مكماستر وتركزت حول إيران، وهي قضية اشتبك ترامب وبولتون بشأنها؛ لأن الرئيس شعر أنّ مستشاره للأمن القومي يدفعه إلى مواجهة عسكرية. فلطالما كان بولتون أحد أصوات الحزب الجمهوري البارزة في اتخاذ نهج عدواني تجاه إيران، بما في ذلك الدعوة إلى تغيير النظام. لقد كان له دور أساسي في قرار ترامب بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، وأيد المواقف التي كانت في بعض الأحيان تجعله متعارضاً مع ترامب، الذي يرغب بإنهاء، وليس بدء، النزاعات العسكرية الأمريكية في الخارج".

كان ترامب يطلب من مستشاريه داخل البيت الأبيض وخارجه بدائل عن شاناهان

في انتظار الضحية الرابعة؟
وعد ترامب بتعيين مستشار جديد للأمن القومي في الأسبوع المقبل، فقد قال المتحدث باسم البيت الأبيض، هوغان جيدلي، إنّ تشارلز كووبرمان، نائب مستشار الأمن القومي والمسؤول السابق في إدارة الرئيس ريغان (1980-1988) والمدير التنفيذي السابق لوزارة الدفاع، سيشغل منصب بولتون مؤقتاً.
هذا كما يقول المعلقون "أمر جيد، ولكن إليك كلمة نصيحة: لا تتوقع مع ترامب ميثاق عمل طويل الأجل".
وكان كووبرمان (68 عاماً) شغل مناصب عليا في شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية الكبرى ومنها "لوكهيد مارتن" و"بوينغ"، وهو هنا قد يبدو خياراً مناسباً ومنسجماً للثنائي بومبيو (الخارجية) وأسبر (الدفاع) والأخير تحديداً، فهو جاء إلى المنصب عبر مسارٍ سلكه كووبرمان ذاته والتقيا معاً ضمن أكثر من محطة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية