"بيزنس" السلفيين الجدد

"بيزنس" السلفيين الجدد

"بيزنس" السلفيين الجدد


11/09/2023

عمرو فاروق

تحويل الشعائر والعبادات الدينية إلى "بيزنس" يتمّ المتاجرة بها، والتربّح منها، من قِبل رموز التيارات السلفية، عبر منصّات التواصل الاجتماعي، أثار موجة من الغضب في الشارع المصري، عقب قيام الداعية السلفي أمير منير بالترويج لـ"عمرة البدل"، مقابل تحصيل الأموال من المواطنين، وتمّ القبض عليه قبل أيام من قِبل الأجهزة الأمنية المصرية.

الإشكالية ليست في تطبيق "عمرة البدل" التي لها سند شرعي، وفقاً لبيان دار الإفتاء المصرية، من أنَّ الشريعة قد أجازت الإنابة في أداء بعض العبادات بشروطٍ معينة، لكن الأزمة الحقيقية تتمثل في صناعة "سماسرة بيزنس التجارة الدينية"، وجني الأموال، من دون رقابة تحمي المواطنين من الوقوع في عمليات النصب، والغش والتدليس، التي تلاحق ممثلي "التيارات السلفية"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار السنوات الماضية، لاسيما "بيزنس" بناء "الآبار المائية"، وزرع "النخل" في الصحراء، ومشاريع "ذبح الأضاحي" في الدول الإفريقية.

المعلومات الأولية التي حصلنا عليها، تفيد بقيام الأجهزة الأمنية المصرية بعملية حصر لنشطاء "التيارات السلفية" أخيراً، على منصّات التواصل الاجتماعي، لاسيما الذين يتلقّون تمويلات مقابل الخدمات الإلكترونية، من دون وجود غطاء رسمي أو أمني.

تحدث "النهار العربي" في مقالات سابقة، عن مخاطر تمدّد "التيارات السلفية" على منصّات التواصل الاجتماعي واستغلالها لنشر توجّهاتهم الفكرية، وتوظيفها في جني الأموال تحت عباءة الدين، في ظلّ تراجع هيمنة جماعات "الإسلام السياسي"، والجماعات الأصولية، على المساجد والجامعات والمدارس، والأندية الرياضية والاجتماعية.

نشاط مروجي "السلفية المعاصرة" على مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل في طياته المكاسب التجارية والمادية أولاً، فضلاً عن التمدّد الفكري للمفاهيم السلفية الوهابية. إذ عمل غالبيتهم على الاستعانة بشركات تسويقية للمحتوى الإعلامي، لضمان الوصول إلى الشرائح المجتمعية المختلفة، وربطهم فكرياً بالمذهبية السلفية، والتأثر بإشكالياتها وقضاياها ومواقفها.

منذ ثمانينات القرن الماضي، توسّعت "التيارات السلفية" في التجارة الدينية، من خلال الوسائل التقليدية التي حقّقت من ورائها ملايين الجنيهات، والتي انتفخت بها جيوبهم وحساباتهم البنكية، ودفعت العشرات منهم إلى امتلاك الفلل والقصور، والسيارات الفارهة، والتي بدأت من شرائط الخطب والأناشيد الدينية، من أمام المساجد ومن فوق منابرها، إلى جانب اتجاههم إلى بيزنس "معاهد إعداد الدعاة"، والمكتبات الدينية، ومحال الملابس الإسلامية، و "الطب البديل"، و "زواج الفتيات"، و "الرقية الشرعية"، والسياحة الدينية، وتأسيس القنوات الفضائية، وصناديق جمع التبرعات والصدقات، في حالة تناقض خطابهم حول مفردات الزهد والتقوى والورع.

وظفت "السلفية المعاصرة" منصّات التواصل الاجتماعي، للتربّح السريع، وتقديم خدمات تحمل الطابع الأصولي، من خلال التركيز على مجال التدريب الإعلامي، وكتابة السيناريو والتأليف الروائي، وكورسات "التنمية البشرية" ودورات "تربية الأبناء"، و"اختيار شريك الحياة"، و "بناء العلاقات الأسرية"، فضلاً عن انتشار "اليوتيوبرية الدعوية"، وغيرها من اللافتات التي تعمل على تقديم النموذج السلفي في شكله العصري المواكب للعولمة الرقمية.

يتقدّم مشهد مروّجي"السلفية المعاصرة" أمير منير، الشهير بالداعية المودرن، أو داعية "عمرة البدل"، الذي اعتاد الظهور في فيديوهات من فيللته في إحدى الكمبوندات الفاخرة، كنوع من مغازلة شباب الطبقات الثرية، مثلما فعل عمرو خالد، الذي استطاع اختراق أعلى الطبقات المجتمعية في الشارع المصري، وتمكن من تحويل منازلهم إلى مقرّات لإلقاء دروسه الدينية.

ويليه السلفي محمد جعباص، الذي يقدّم نفسه على أنّه ليس داعية بالمعنى التقليدي، ويعمل في صناعة العطور، وقدّم برامج "كلاكيت تانى مرة"، و"أسلمت جديداً"، على مواقع التواصل الاجتماعي، و"فاهم مش حافظ" على قناة "الندى"، السلفية التي يشرف على محتواها الشيخ أبو اسحاق الحويني، وكذلك طرح مجموعة من الكتب والروايات مثل كتاب" مسلم بالبطاقة"، ورواية "ليلى"، و "الحارس"، و "شيخ الطبول"، انتهاءً برواية "يوم واحد تاني" والتي يسعى إلى تحويلها إلى عمل سينمائي.

من بين مروّجي "السلفية المعاصرة"، حازم الصديق، خريج هندسة القاهرة عام 2013، الذي يطرح منهجه من خلال صفحاته وقنواته على "السوشيال ميديا"، فضلاً عن "البودكاست" الخاصة به، HazCast on Apple Podcasts، وتوسّعه في تأسيس قنوات أجنبية تخاطب المسلمين في الغرب AlienBeard، (على حدّ قوله)، ويعمل في صناعة الملابس الإسلامية، وتمكّن من خلال شهرته من الترويج لشركته Stabraqts.

يتشارك حازم الصديق مع أحمد عامر، وشريف علي، في تقديم برنامج "وعي"، على منصّة "يوتيوب"، والذي تخطّت حلقاته الـ 50 حلقة، متناولة إشكاليات التدين الظاهري، ولا يقلّ عنهم شهرةً الداعية محمد الغليظ، مؤلف كتب "قلب عجوز"، و "هرم بل قمة"، و "سلّم نفسك"، و "لا تندهش"، ويقطن مدينة الإسكندرية، وينشط في مجال التدريب والدورات والدبلومات الشرعية.

وتضمّ قافلة "السلفية المعاصرة"، كلاً من أبو بكر القاضي، وحاتم الحويني، ومؤمن ندا، ومحمود داوود، ومحمود قمصان، وهيثم طلعت، وعمرو مهران، وشريف علي، وياسر ممدوح، ومحمد إبراهيم، وعمرو بسيوني، وأحمد سالم الشهير بـ "أبو فهر السلفي"، وأشرف قطب، مؤسس مدونة "علم بجد"، الذي تلقّى تعليمه الديني الكترونياً من معهد "الإمام البهوتي للتفقه الحنبلي".

في إطار غلق "معاهد إعداد الدعاة" والجمعيات السلفية الثقافية، في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، والتي بلغت أكثر من 150 معهداً على مستوى الدولة المصرية، اتجّه ممثلو "السلفية المعاصرة"، إلى التوسّع في تدشين "الأكاديميات التعليمية" غير الرسمية، التي تعمل على نشر المذهبية السلفية بين طبقات المجتمع وشرائحه المتعدّدة، وتجني من خلالها الكثير من الأموال.

ومن أبرز دكاكين "السلفية المعاصرة" على منصّات التواصل الاجتماعي، أكاديمية "تبصرة للعلوم الإسلامية"، ومعهد "الجهني للعلوم الشرعية"، ومعهد "بناء للدراسات الشرعية" وأكاديمية "بيان للتأسيس الشرعي"، و "المعهد الفقهي"، و "بداية للعلوم الشرعية"، ومعهد "شيخ الإسلام العلمي"، ومعهد "الفتح".

في الحقيقة، نحن أمام حالة من إعادة استنساخ "تيارات الصحوة" السلفية، في ظلّ ظروف مختلفة ومعقّدة، وبلاعبين جدد يهيمنون على الفضاء الإلكتروني، سعياً إلى الاستحواذ على "العقل العربي" بخطاب غير تقليدي، ومن ثم الأفول الفكري والتراجع الثقافي.

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية