بيل غيتس وقراءته النقدية

بيل غيتس وقراءته النقدية

بيل غيتس وقراءته النقدية


31/07/2023

محمد النغيمش

كشف لنا بيل غيتس أحد أغنى أغنياء العالم، عن عادةٍ يمارسها أثناء قراءة الكتب. فهو لا يكاد يترك فكرة أو صفحة يختلف فيها مع الكاتب إلاّ وقد علّق عليها بطريقة نقدية على هوامش الكتب. 

ويبدو أنّ غيتس لا يقبل أن تُلقى عليه الأفكار على عواهنها من دون أن يمحصّها جيداً. ورغم أنّه عكف على قراءة العديد من الكتب، إلا أنّه ما زال يقرأ ما يربو على الساعة مساء كل ليلة. هو يعتقد أنّ الكتب تفتح له آفاقاً أكبر في فهم الحياة ومعطياتها. ولا غرابة في ذلك، فهو من أطلق ثورة في عالم الحاسوب عندما جاء بفكرة بسيطة وهي تحويل شاشات الحاسوب السوداء والمملة (دوز) إلى نوافذ صغيرة (ويندوز)، يمكن أن تضمّ برامج إبداعية عديدة. وحاول أن يُقنع صديقه الملياردير وارن بافيت بالاستثمار معه، إلاّ أنّ بافيت لم يتفاعل مع محاولات غيتس إقناعه بدخول الحاسوب لكل بيت مستقبلاً.

وبالفعل صار الكمبيوتر لاحقاً في متناول الأفراد العاديين، ولا يكاد يخلو مكتب أو منزل من حاسوب. وهو مؤشر إلى استشرافه المستقبل. وهو ما ألمح إليه بقوله إنّ القراءة تجعلك تتنبأ بالمستقبل.

ولم يبلغ غيتس تلك الأفكار إلاّ من خلال نظرته الثاقبة وتحلّيه بالعمق. ويظهر ذلك من كيفية تعامله مع ركام الكتب التي قرأها. إذ قال: "عندما تقرأ يجب أن تكون حاضر الذهن، خصوصاً عندما يكون الكتاب غير روائي (جاد). وتحاول قدر الإمكان ربط ما تقرأه بما في ذهنك من معرفة". ويضيف غيتس، أنّ "تدوين رؤوس الأقلام على هوامش الكتب يُعدّ أمراً مهماً بالنسبة إليّ، فهو يشير إلى مدى تركيزي ومعرفتي بما هو مدوّن في الكتاب".

ولهذا تستغرق منه هذه العادة "وقتاً طويلاً جداً" كما قال، مشيراً إلى أنّه يعلّق على كل نقطة لا يتفق فيها مع المؤلف هناك وهناك. إلى درجة أنّه كان يتندّر فيقول في نفسه عن المؤلف "أرجوك قل شيئاً أتفق معه حتى أمضي سريعاً في تقليب صفحات الكتاب" من دون الحاجة إلى تدوين ما لا يتفق معه. 

ما فعله بيل غيتس هو صورة مصغّرة للتفكير النقدي critical thinking الذي ينمّي العقل، ويساعد في حسن الربط بين الأفكار، والوصول إلى الحلول العميقة. وهو من أبجديات التفكير العصري والعلمي، فلا تكاد تجد باحثاً رصيناً لم يتعلّم أسس هذا التفكير. وما أحوج مدارسنا إلى ذلك الأسلوب الموضوعي. فما أكثر ما نرتكب الأخطاء بسبب إيماننا بمسلّمات هشّة لم تأخذ حقّها من النقد. ولذلك يقول توماس كارليل "إنّ أعظم الأخطاء ألاّ يكون المرء مدركاً للأخطاء التي يرتكبها".

ولذلك يساعدنا التفكير النقدي في تجاوز عقباته ومنها العاطفة، والانحياز، وغياب الموضوعية. ويمكن القول إنّ التفكير النقدي هو محاولة تحليل الحقائق بعقلانية. ومنه أيضاً التشكيك في المسلّمات، في مسعى للتعمّق في صلب المشكلة أو موضوع النقاش للوصول إلى صورة أوضح أو أكثر دقّة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية