أغنياء وفقراء يزدادون.. هل يتحمل الأغنياء وحدهم المسؤولية؟

أغنياء وفقراء يزدادون.. هل يتحمل الأغنياء وحدهم المسؤولية؟

أغنياء وفقراء يزدادون.. هل يتحمل الأغنياء وحدهم المسؤولية؟


16/03/2023

منير بن وبر

كشف تقرير حديث لمنظمة أوكسفام أن أغنى 1 في المئة من سكان العالم استحوذوا على ما يقرب من ثلثَي إجمالي الثروة المكتسبة منذ عام 2020؛ أي ما يقرب من ضعف الأموال التي اكتسبها 99 في المئة من سكان العالم. ووفقاً لتقرير “البقاء للأغنى” الصادر عن المنظمة؛ فإن الفقر المدقع والغِنى الفاحش زادا بالتوازي لأول مرة في 25 عاماً.

بناءً على تلك الحقائق المخيفة، دعت “أوكسفام” إلى فرض ضريبة بمقدار 5 في المئة على أصحاب الملايين والمليارات في العالم؛ وهو ما من شأنه انتشال نحو مليارَي شخص من براثن الفقر، في وقت يشهد فيه العالم أكبر زيادة في عدم المساواة والفقر على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية. تقول غابرييلا بوشر، المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام، إن فرض الضرائب على فاحشي الثراء هو الشرط الاستراتيجي المسبق للحد من عدم المساواة وإنعاش الديمقراطية. 

توجد العديد من العوامل التي تسهم في تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء وزيادة عدم المساواة؛ من ذلك السياسات الحكومية والأنظمة الاقتصادية التي تفضل الأثرياء. عامل آخر هو عدم المساواة في الوصول إلى الفرص، والذي يمكن أن يمنع الناس من التقدم بغض النظر عن مواهبهم أو قدراتهم. يمكن أن تؤدي الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء إلى اضطرابات اجتماعية داخل الدول، فضلاً عن زيادة معدلات الجريمة ومستويات الفقر. يمكن أن تسهم أيضاً في عدم الاستقرار السياسي وتقليل الثقة في المؤسسات الحكومية؛ مما يحتم على الدول إعادة تقييم سياساتها العامة قبل فوات الأوان.

لا بد من تشجيع الثروة.. لكن ماذا عن محاربة الفقر؟

يدفع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، معدل ضرائب حقيقياً يزيد قليلاً على 3 في المئة، بينما تدفع آبر كريستين، بائعة أرز أوغندية، معدل ضريبة يصل إلى 40 في المئة على الرغم من أن دخلها الشهري نحو 80 دولاراً فقط. يسلط هذا المثال الذي ساقه تقرير “البقاء للأغنى” الضوء على اللا عدالة الضريبية التي تشجع الأغنياء على النمو وتدفع بالمزيد من الفقراء إلى الفقر. في هذا السياق، تقول غابرييلا بوشر: إن الوقت قد حان لهدم الأسطورة القائلة إن التخفيضات الضريبية للأثرياء تؤدي إلى نقل ثرواتهم بطريقة ما إلى الآخرين. 

يوجد الكثير من الجدل حول ما إذا كانت الامتيازات الضريبية الممنوحة للأثرياء تساعد الاقتصاد بالفعل. يجادل البعض بأن التخفيضات الضريبية للأثرياء تساعد على تحفيز النمو وخلق المزيد من الوظائف؛ لأن تراكم الأموال لدى الأغنياء والامتيازات الضريبية والاستثمارية تدفعهم إلى المزيد من الاستثمار. في المقابل، يُعتقد أن تخفيض الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع يدفعهم إلى الادخار بدلاً عن الاستثمار؛ مما يعني أن المنافع الاقتصادية المرجوة محدودة في الواقع. علاوة على ذلك، تؤدي تلك التخفيضات إلى تضاؤل الإيرادات الحكومية التي يمكن أن تؤدي بالفعل إلى تخفيضات في البرامج الاجتماعية المهمة؛ مثل التعليم والرعاية الصحية. 

يميل رأي آخر إلى أن التخفيضات الضريبية للأثرياء يمكن أن تزيد من عدم المساواة فقط إذا كانت سيئة التصميم؛ أي أنها تصبح أقل ضرراً إذا ما تم تصميمها وتنفيذها بطريقة صحيحة. بالتالي، إذا أردنا بناء مجتمع أكثر عدلاً وازدهاراً، فمن الأفضل التركيز على السياسات التي ستفيد الجميع، وليس مَن هم في القمة فقط، وذلك من خلال نظام ضرائب متوازن وعادل، وتوزيع أفضل للثروة والموارد.

لا يتعلق الأمر بالضرائب فقط!

لا يحصل الأثرياء على فرص مراكمة ثرواتهم على حساب الفقراء نتيجة الامتيازات الضريبية فحسب؛ بل يمكن للنفوذ والتكنولوجيا ونظام الحكم أن تؤدي دوراً بارزاً في ولادة المزيد من الأثرياء والمزيد من الفقراء معاً. تُعقِّد تلك العوامل المتداخلة الإجابة إذا ما تساءلنا حول مَن يتحمل العبء الأكبر من عدم المساواة في المجتمع. 

تتقدم العولمة والتكنولوجيا بوتيرة سريعة؛ مما يسهل على الأثرياء المضي قدماً بينما يتركون مَن هم أقل حظاً وراءهم في القاع. تتفاقم تلك الفجوة بسبب حقيقة أن أولئك الموجودين في أعلى السلم الاجتماعي والاقتصادي لديهم موارد أكثر بكثير من أولئك الموجودين في القاع. يؤدي هذا غالباً إلى وضع يمكن للأغنياء أن يتقدموا فيه -بسبب إمكانية الوصول إلى المزيد من الفرص- بينما يتخلف الفقراء أكثر عن الركب. عدم المساواة الاقتصادية هذا يؤدي إلى وضع يستطيع فيه أولئك الذين لديهم المزيد من المال تحمل تكاليف تعليم ورعاية صحية وظروف معيشية أفضل، بينما يكافح مَن لديهم أموال أقل من أجل النجاة. 

إضافة إلى كل ذلك، يمتلك الأغنياء قدرات متضخمة للحصول على الأموال من خلال الفساد أو التحايل أو التأثير، أو مزيج من كل ذلك؛ بمستويات مختلفة من دولة لأخرى. يمكن للأغنياء، على سبيل المثال، تحمُّل تكاليف توظيف محاسبين ومحامي ضرائب باهظي الثمن؛ لمساعدتهم على تقليل فواتيرهم الضريبية أو الاستفادة من الثغرات. كما أن لديهم نفوذاً سياسياً أكبر من الأشخاص العاديين؛ مما يعني أنهم أكثر قدرة على الضغط من أجل قوانين ضريبية مواتية أو معاملة تفضيلية من السلطات.

مَن يتحمل المسؤولية؟

إن مسألة ما إذا كان الأغنياء يتحملون مسؤولية مساعدة الفقراء هي مسألة معقدة؛ لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن الفقر مشكلة متفاقمة في عالمنا اليوم. يعيش الملايين من الناس تحت خط الفقر، ويكافحون من أجل تغطية نفقاتهم. وفي حين أن هناك العديد من العوامل التي تُسهم في الفقر؛ فإن أهمها هو عدم المساواة. 

تتبنى بعض وجهات النظر فكرة أن الأثرياء عليهم التزام أخلاقي بمساعدة مَن هم أقل حظاً. إنهم يعتقدون أنه ليس من العدل أن يحصل بعض الناس على الكثير؛ بينما لا يملك الآخرون سوى القليل، ويؤمنون بأن مساعدة الفقراء وسيلة لتحقيق تكافؤ الفرص وإعطاء الجميع فرصة متساوية في النجاح. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا ببساطة التظاهر بأنه ليس من مصلحة البشرية إبداء التعاطف والتضامن؛ هذا ما يجعلنا مجتمعاً عالمياً أكثر تمساكاً، هذا ما يمنحنا -في الواقع- صفة الإنسانية.

يميل آخرون إلى القول إنه من مسؤولية الحكومة أو المنظمات الأخرى مساعدة الفقراء. وفقاً لـ”أوكسفام”، تسببت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وجائحة كورونا مؤخراً في دفع الحكومات والبنوك المركزية إلى ضخ تريليونات الدولارات من الأموال العامة؛ لإنقاذ اقتصاداتها خلال الأزمة. وعلى الرغم من صوابية ذلك؛ فإنه أدى إلى ارتفاع أسعار الأصول، ومعها ثروات أغنى الناس. وفي المقابل، لم تفعل الحكومات شيئاً يُذكر لضمان استرداد منافع تلك الحوافز الممنوحة. بناءً على ذلك، لا يجب على الحكومات زيادة الضرائب على الأثرياء فحسب؛ بل أيضاً تقليل الفساد وزيادة الشفافية والمساءلة والثقة في مؤسساتها، لضمان استقرار أكبر، وعدالة وكفاءة في توزيع الضرائب المُحصَّلة على الخدمات العامة وزيادة الفرص لجميع أفراد المجتمع.

عن "كيوبوست"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية