ترشح (النهضة الإخوانية) في الانتخابات الرئاسية التونسية... العمى السياسي إذ يقود إلى سباق في الفراغ

ترشح (النهضة الإخوانية) في الانتخابات الرئاسية التونسية... العمى السياسي إذ يقود إلى سباق في الفراغ

ترشح (النهضة الإخوانية) في الانتخابات الرئاسية التونسية... العمى السياسي إذ يقود إلى سباق في الفراغ


09/04/2024

المواجهة بين حركة النهضة التونسية والرئيس التونسي قيس سعيّد لا تكاد تتوقف، حيث إنّ الأخير يضع الحركة الإسلاموية (فرع جماعة الإخوان بتونس) أمام مسار العدالة، ولا يتهاون في إعلان الخصومة السياسية معها، ويضع العدالة الجنائية جنباً إلى جنب مع العدالة السياسية، خاصّة في ما يتصل بالممارسات المختلفة التي ارتبطت بفترة حكم الترويكا. ففي العشرية السوداء لحكم (النهضة) شهدت تونس حالة استقطاب قصوى تسببت في تصدع مؤسسات الدولة، وتباعد بين الأجهزة والقطاعات، فضلاً عن الفساد الذي وصل إلى جهات مثل القضاء وإتلاف الوثائق المتعلقة بالإرهاب، ومنها الاغتيالات السياسية، وتبييض الأموال، وتسفير المواطنين لتعبئتهم في التنظيمات الإرهابية بمناطق التوتر تحديداً ليبيا وسوريا.

العدالة السياسية والجنائية

ولذلك، سبق للرئيس التونسي أن شدّد على ضرورة مراقبة حركة الأموال الواردة من الخارج للأحزاب والمجتمع المدني. وقال إنّه يتعين تعقب "الأحزاب السياسية التي تنتفع بالأموال المحولة من الخارج بطرق ملتوية"، لا سيّما مع تخفي بعض الأحزاب داخل قوى المجتمع المدني.

بالتزامن مع انطلاق الانتخابات الرئاسية التونسية المزمع إجراؤها خريف العام الحالي، وإعلان الرئيس قيس سعيّد خوض غمار المعركة الانتخابية، فإنّ حركة (النهضة) التي قامت بمقاطعة الاستحقاقات الانتخابية السابقة، أعلنت المشاركة، الأمر الذي يبدو استكمالاً لحالة الصدام ورغبة في التموضع رغم تآكل الكتل الاجتماعية والحواضن المرتبطة بها، بما يعني أنّ تلك الخطوة لا تبدو أكثر من إحداث صخب عام في الفراغ، ومحاولة بعث الاستقطاب في المجتمع التونسي وتحريك الخلايا النائمة بعدما تم نبذ حكم الإخوان، سياسياً ومجتمعياً، بعد فترة ما عرف بـ "العشرية السوداء".

المواجهة بين حركة النهضة التونسية والرئيس التونسي قيس سعيّد لا تكاد تتوقف

وقال سعيّد: إنّه ''لا يمكن أن نقبل بأن يتم الرجوع إلى الوراء، أو بأن يتم الترشح للانتخابات الرئاسية من قبل مجموعات ترتمي في أحضان الخارج"، وتابع: "هل سمعتم مرة واحدة برئيس مرشح لتونس في دولة غربية".

وبحسب مركز الإمارات للسياسات، فقد كشف الضمور التنظيمي والسياسي للحركة عن وجود تهرُّم واضح في الصف القيادي للتنظيم، حيث تراجع بشكل واضح ظهور قيادات من فئة الشباب، فيما يُهمين على القيادة شخصيات عاشت صراعات الثمانينيات والتسعينيات مع الدولة، سواء تلك القيادات الموجودة حالياً في السجون أو القيادات التي حلت محلها بشكل وقتي. كما أنّ وجود حركة (النهضة) داخل جبهة الخلاص التي تضمّ شخصيات وأحزاباً علمانية وإسلامية، منع توسع هذه الجبهة بسبب تحفظات أحزاب ليبرالية ويسارية على وجود الإسلاميين داخلها، بوصفهم من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية قبل 2021.

 

يوضح العميد السابق بالحرس الوطني التونسي علي الزرمديني لـ (حفريات) أنّ أغلب قيادات الإخوان، سواء من يعيشون في الخارج أو في الداخل، يعملون وفق أجندة، ولا يسعون لمصلحة البلاد.

 

ويضيف: "إلى جانب الوهن التنظيمي والتراجع السياسي تعاني حركة (النهضة)، أكثر من أيّ وقت مضى، من تفكك قاعدتها الاجتماعية بعد (10) أعوام من السلطة، إذ لم تكن الحركة ضعيفة على المستوى الشعبي في أيّ وقت من الأوقات مثل ما هي عليه اليوم. فحتى في ذروة صراعها مع نظام الرئيس الحبيب بورقيبة خلال الثمانينيات، ونظام الرئيس زين العابدين بن علي في تسعينيات القرن الماضي، حافظت الحركة على قدر واسع من التعاطف والشعبية لدى شرائح واسعة من المجتمع بسبب سردية المظلومية، إلا أنّ أعوام السلطة الـ (10) غيَّرت الكثير من هذا التعاطف.

لا قاعدة للإخوان بتونس

ومع أنّ الحركة حافظت على وجودها في السلطة، لكنّها كانت تفقد كل عام جزءاً من قاعدتها الاجتماعية، وفق مركز الإمارات للسياسات؛ "بسبب سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث أصبح تنظيمها الحزبي محكوماً من نواة صلبة موالية لرئيسها راشد الغنوشي في مقابل تهميش القواعد الحزبية وقطاع واسع من قيادات الصفوف الأولى. وبات جزءٌ مهمّ من نفوذها قائماً على كسب ولاء شرائح اجتماعية ضمن الطبقات العليا ذات النفوذ المالي والإداري والسياسي، لا سيّما خلال مرحلة التوافق مع حركة نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي. وقد شكّل هذا التحول، الذي قاده الغنوشي والجناح الموالي له، بعد المؤتمر العاشر في 2016، كسراً عميقاً للقاعدة الاجتماعية التاريخية للحركة، التي أصبحت غير مبالية بالالتزام الانتخابي تجاه النهضة، وقد ظهر ذلك بوضوح في تراجع الكتلة الانتخابية للحركة بين 2011 و2019. وليس غريباً أنّ جزءاً واسعاً من هذه القاعدة تحول إلى تأييد الرئيس قيس سعيّد، بعد فقدانه الأمل في الأحزاب السياسية. كما أنّ الخلاف الكبير الذي يشق الحركة منذ مؤتمر العام 2016، بين المجموعة القيادية بزعامة راشد الغنوشي والتيار المعارض له، قد أضعف قدرة التنظيم على التواصل مع القواعد الحزبية".

 الحركة حافظت على وجودها في السلطة، لكنّها كانت تفقد كل عام جزءاً من قاعدتها الاجتماعية

وقال الرئيس التونسي أثناء إشرافه على موكب إحياء الذكرى 24 لوفاة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة: ''اليوم نحن نخوض حرب وجود، حرب بقاء أو فناء من أجل هذا الوطن، أرادوا أن يسقطوا الدولة في تلك الفترة بعد 14 كانون الثاني  (يناير) 2011، أرادوا تفجير الدولة من الداخل ومرافقها العمومية، واليوم يريدون ترذيل مؤسسات الدولة، وهدفهم هو ضرب الوطن...، والشعب التونسي أظهر وعياً غير مسبوق بهذه المؤامرة التي تحاك ضده، وسيتصدى بالعزيمة والإرادة والروح الوطنية لكل من يريد أن يرتمي في أحضان الخارج، وينسى أن تونس مستقلة''.

 

الرئيس التونسي قيس سعيّد يضع الحركة الإسلاموية (فرع جماعة الإخوان بتونس) أمام مسار العدالة.

 

وقال سعيّد: إنّ "الواجب يحتم علينا أن نكون في خدمة تونس من أيّ موقع لمواصلة النضال من أجل التحرير الوطني"، وأشار إلى أنّ الأمر لا يتعلق "بطموح أو شهوة، بل القضية قضية بقاء أو فناء". وتابع: " الواجب اليوم يحتم علينا أن نكون في خدمة تونس من أيّ موقع مهما كان، لماذا قاطعوا الانتخابات التشريعية ويتهافتون اليوم على الانتخابات الرئاسية؟ القضية اليوم هي قضية الوطن ومواصلة معركة التحرير الوطني؛ حتى نخلص تونس من الذين عبثوا بها وأفسدوا في كل مكان وفي كل قطاع".

الشعب قال كلمته ضدّ عشرية سوداء جديدة

وشدّد سعيّد على أنّ "مرشح الرئاسة في البلاد لا بدّ أن يكون من تزكية التونسيين وحدهم، وليس من أيّ جهة أخرى"، مؤكداً أنّه "لا يمكن قبول أن يتم الرجوع إلى الوراء والترشح من قبل مجموعات ترتمي في أحضان الخارج"، متسائلاً: "هل سمعتم مرة واحدة برئيس في دولة غربية مرشح لتونس؟ المرشح يجب أن يكون مُزكَّى من قبل التونسيين ومنتخباً من قبل التونسيين وحدهم، وليس من أيّ جهة أخرى".

ولمّح إلى محاولات قوى بعينها "ضرب الوطن"، في إشارة إلى حركة (النهضة)، لافتاً إلى تصدي المجتمع التونسي لها، وقد "أظهروا وعياً غير مسبوق لهذه المؤامرة التي تحاك ضدهم"، وأنّهم سيتصدون بالعزيمة والروح الوطنية نفسها "لكل من يريد أن يرتمي في أحضان الخارج، لا مجال أن نبيع سيادتنا". وأضاف: "سنطهر البلاد من كل من عاثوا فيها فساداً، وتصوروا أنّهم سيعودون إلى فسادهم".

وفي حديثه لـ (حفريات) يوضح العميد السابق بالحرس الوطني التونسي والخبير الأمني والاستراتيجي علي الزرمديني أنّ أغلب قيادات الإخوان، سواء من يعيشون في الخارج أو في الداخل، يعملون وفق أجندة ولا يسعون لمصلحة البلاد. إذ يعيش بعضهم في منفاهم الخارجي، "ويمارسون نوعاً من ردود الفعل المرتبكة، التي تأتي في بعض الحالات بالمعقول واللّا معقول".  

ويقول الزرمديني: "الآن بعض هؤلاء خارج السلطة، لكنّهم عاشوا وعرفوا سابقاً وذاقوا لذة ومتعة السلطة من خلال الامتيازات التي تم الحصول عليها بفعل السلطة. بالتالي تلك التصريحات الصادرة من (النهضة) ليست مبنية على معارضة  فعلية، بل هي أساساً مبنية على ردّ فعل نتيجة فقدان تلك الامتيازات، وفقدان ذلك الامتياز الهائل الذي عاشوا في تفاصيله، بالتالي هي رد فعل أكثر منها دراسة للواقع الذي ينبذهم مجتمعياً وسياسياً. الواقع بطبيعة الحال يكشف عن سلبيات لكن ليست إلى درجة الانهيار أو إلى درجة أنّ الدولة تنقرض أو تتهاوى أو حتى تكون  بصدد الانحناء بشكل كبير. هناك مشاكل لكن يمكن تداركها بل الوصول إلى حلول لها".  

يتفق والرأي ذاته الكاتب التونسي أنيس اللواتي، الذي يقول إنّه لا يمكن عودة حركة (النهضة) إلى الحكم نهائياً، وبخصوص هذا الموضوع قال الشعب كلمته، موضحاً لـ (حفريات): "التونسيون يخشون عودة حركة (النهضة) إلى الحكم أكثر من خوفهم من انحراف مسار 25 تموز (يوليو)، بل إنّ الانتخابات القادمة ستكون منحصرة بين الرئيس الحالي قيس سعيّد وحليفه السابق في الانتخابات الرئاسية 2019 نزار الشعري. وكل منهما لا يمكن أن يتقارب مع حركة (النهضة)، والمعروف عنهما حربهما الشرسة ضدّ منظومة الفساد ومقاومة الاحتكار التي تغلغلت في الإدارة التونسية، نتيجة أعوام حكم حركة النهضة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية