تقرير: حصار وتجويع غزة لن يحقق أهداف إسرائيل

تقرير: حصار وتجويع غزة لن يحقق أهداف إسرائيل

تقرير: حصار وتجويع غزة لن يحقق أهداف إسرائيل


23/12/2023

جورج عيسى

بعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، فرضت إسرائيل "حصاراً كاملاً" على غزة.

ورأى أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن ألكسندر داونز في صحيفة "ذا هيل" أنه رغم  أن وقف إطلاق النار الأخير أدى إلى زيادة عدد الشاحنات التي تحمل المساعدات إلى نحو 150 شاحنة يومياً، فإن ذلك لا يمثل سوى قطرة في بحر، بالمقارنة مع ما يحتاجه سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، والذين تهجر 80 في المئة منهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء.

وأدت ندرة الوقود إلى إغلاق ما يقرب من 75% من مستشفيات غزة. وتوثق التقارير الأخيرة معاناة الفلسطينيين من أجل العثور على الغذاء والماء، ومن الظروف المعيشية غير الصحية التي تسبب الأمراض، خصوصاً بين الأطفال والمسنين.

الانتهاك أوضح بكثير

هيمنت الغارات الجوية على النقاش الدائر حول شرعية الهجمات الإسرائيلية، التي أفادت التقارير أنها قتلت ما لا يقل عن 20 ألف مدني فلسطيني.

يزعم الإسرائيليون أنهم يضربون أهدافاً تابعة لحماس مختبئة في مناطق مدنية، ما يجعل أي وفيات بين المدنيين "أضراراً جانبية"، وفي المقابل، يؤكد منتقدو القصف أن الحملة الجوية الإسرائيلية تنتهك القانون الإنساني الدولي من خلال فشلها في التمييز بين حماس والفلسطينيين العاديين، وإلحاق خسائر في صفوف المدنيين غير متناسبة مع الميزة العسكرية المكتسبة. لكن الحصار الإسرائيلي يشكل انتهاكاً أوضح بكثير للقانون الإنساني الدولي وفق الكاتب، والمفارقة هي أن معاناة المدنيين الفلسطينيين لن تحقق أهداف إسرائيل.

عن سلاح الحصار

لقد كان الحرمان من الغذاء سلاحاً من أسلحة الحرب منذ فترة طويلة.

في عمليات الحصار، وهي الشكل السائد للحرب في معظم التاريخ، حاول المهاجمون إجبار المدافعين على الاستسلام عن طريق تجويع السكان المدنيين. يقول مايكل والدزر في كتابه الكلاسيكي "الحروب العادلة وغير العادلة" إن "الهدف هو الاستسلام؛ الوسيلة ليست هزيمة جيش العدو، بل المشهد المخيف للقتلى المدنيين".

وتعمل عمليات الحصار البحرية، وفق منطق مماثل. خلال الحرب العالمية الأولى، سعى كلا الجانبين إلى كسب الحرب من خلال استهداف الإمدادات الغذائية لسكان العدو: الألمان من خلال حرب الغواصات غير المقيدة، وبريطانيا بأسطولها السطحي. وبالرغم من فشل الحملة الألمانية، ساهم الحصار البريطاني في مقتل نحو مليون شخص في ألمانيا والإمبراطورية النمساوية-المجرية.

مع ذلك، إن عدم شرعية استهداف المدنيين لم يمنع المتحاربين ــ وحتى الديمقراطيات ــ من القيام بذلك، عندما يرغبون في إرغام الخصم على الاستسلام، مع تجنب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

حالة وحيدة لفقدان الحصانة

في غزة، تتمثل نية إسرائيل المعلنة في تدمير حماس، ولكنها ترغب أيضاً في إرغام حماس على إطلاق سراح الرهائن الذين اختطفتهم. من الناحية النظرية، يخدم الحصار كلا الغرضين: إضعاف حماس، والضغط عليها من أجل إطلاق سراح السجناء. ولكن بغض النظر عما إذا كان الهدف عسكرياً أو قسرياً، تمر الطريقة التي تسعى بها إسرائيل إلى تحقيق هذا الهدف مباشرة عبر الفلسطينيين العاديين.

ماذا يقول التاريخ؟

أضاف الكاتب أن الحصار الإسرائيلي غير منطقي، ومن غير المرجح أن يكون فعالاً في تحقيق أي من أهداف إسرائيل، حيث لم تحقق سوى القليل من عمليات الحصار التجويعي نتائج حاسمة تاريخياً.

إن الحصار البريطاني الذي تم فرضه على القوى المركزية، بالرغم من تسببه بـ"مجاعة ودمار على نطاق واسع"، لم يساهم إلا قليلاً في تحقيق النصر، هذا إذا ساهم به فعلاً. وفي الآونة الأخيرة، قاتلت منطقة بيافرا الانفصالية حتى النهاية المريرة في حربها للانفصال عن نيجيريا، بالرغم من مقتل ما بين مليون إلى مليوني مدني بسبب الحصار. وتشير الأدلة الحديثة إلى فشل عمليات الحصار في الحروب الأهلية وغيرها من الصراعات غير التماثلية.

ضعف منطق الإكراه

يقوم منطق الإكراه عن طريق العقاب على أنه من خلال إلحاق الألم بالسكان، يمكن للمهاجم إجبار الخصم على التنازل. يفترض هذا المنطق أن بإمكان السكان التأثير على قرار الحكومة. من الواضح أن هذا ليس الحال في غزة، ومن المشكوك في ما إذا كان هذا ينجح مع أي نظام استبدادي.

يسأل الكاتب: كيف بالضبط من المفترض أن يقوم المدنيون الفلسطينيون بإقناع حماس بالاستسلام؟ عندما يهربون من الغارات الجوية ويسحبون الضحايا من المباني المنهارة ويبحثون عن الطعام والماء؟ وعلى نحو مماثل، إن احتمالات أن تغير حماس المنزعجة من الفظائع التي تطال السكان موقفها، وتستسلم لإسرائيل، هي احتمالات ضئيلة للغاية. إن الطريقة الوحيدة للقضاء على حماس هي البحث عنها، وتدميرها بالقوات البرية. وحتى هذا قد يكون بعيداً عن متناول إسرائيل.

كذلك، لم تلعب معاناة المدنيين الفلسطينيين دوراً في التوصل إلى الهدنة الأخيرة وقرار حماس بإطلاق سراح الرهائن. لقد حصلت حماس على شيء في المقابل: فترة راحة من الهجوم الذي تشنه القوات الإسرائيلية، وإطلاق سراح 3 رهائن فلسطينيين مقابل كل رهينة أطلقتها إسرائيل.

ليس جريمة وحسب

ودفع الضغط الشعبي في إسرائيل حكومة نتنياهو إلى تغيير أولوياتها الاستراتيجية، والسعي إلى إطلاق سراح الرهائن. إن الهجوم البري الإسرائيلي هو أكثر ما يهدد حماس وأي تنازلات تقدمها المجموعة ستأتي رداً على هذا التهديد. بطبيعة الحال، وبما أن إسرائيل تسعى أيضاً إلى تدميرها، من المرجح أن تكون التنازلات ذات المغزى من جانب حماس قليلة.

إن السعي لتحقيق النصر من خلال الفلسطينيين الجائعين في غزة ليس جريمة فحسب، بل هو خطأ فادح، ختم الكاتب.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية