توتر تحت السيطرة في السودان: هل توجد خلافات بين البرهان وحميدتي؟

توتر تحت السيطرة في السودان: هل توجد خلافات بين البرهان وحميدتي؟


22/06/2021

محمد عبد الكريم

حقق السودان خطوات مهمة في المرحلة الانتقالية الراهنة وإن لم ترتق لتوقعات سابقة قبل شهور؛ ورغم ما يشهده السودان حاليًا من بوادر اضطرابات شعبية في منتصف يونيو الجاري على خلفية الحلول الاقتصادية المؤلمة التي تلجأ لها حكومة عبد الله حمدوك، ولمحت مؤخرًا للتراجع عن بعضها، فإن الصورة الكلية توحي بتعمق خطوات السودان نحو نهاية المرحلة الانتقالية الحالية والتمكن بسلاسة ملحوظة من تجاوز عقبات عديدة وصولًا –برجحان كبير- إلى التسوية “المؤجلة” لقضايا هذه المرحلة.

رغم ما يبدو من مسارين من التنافس المكتوم لتصورات رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” لمخرجات هذه التسوية وفي القلب منها التطوير المؤسساتي للقوات المسلحة السودانية، وموقف “ٌقوات الدعم السريع” بقيادة دقلو، وأدوارهما المستقبلية في ما بعد المرحلة الانتقالية، لاسيما أن المادة 34 بالفصل 11 من الوثيقة الدستورية (أغسطس 2019) تنص على أن “القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية،” .

في نص يواجه منذ بدايته تحديات كثيرة ورفض مبطن من قبل دقلو “بتسليم” قواته للمؤسسة العسكرية، وما يعنيه ذلك من تفكيك شخصنة فكرة قوات الدعم ودمجها في عملية التحول المؤسساتي التي تشهدها القوات المسلحة السودانية.   

ما أهم أدوار البرهان وحميدتي في المرحلة الانتقالية الحالية في السودان؟

يواجه السودان تعقيدات المرحلة الانتقالية الحالية على أكثر من مستوى؛ إذ نجحت الخرطوم بقيادة البرهان وحميدتي في تجاوز بعض الأزمات الخطيرة مثل تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية في إقليم دارفور عبر قبولها ترشيح الجماعات المسلحة الدارفورية لتنصيب القيادي مني مناوي (زعيم جيش تحرير السودان) واليًا للإقليم بمقتضى مرسوم صدر في 29 أبريل الفائت (بمقتضى مخرجات اتفاق جوبا للسلام في السودان)؛ الأمر الذي مثل تعميقًا لبرنامج عمل الحكومة الانتقالية المقرر في 28 فبراير 2021  ويركز على مقاربة خمسة أولويات:

القضايا الاجتماعية والاقتصادية (لاسيما تمكين المرأة وتقديم الخدمات الأساسية؛ والسلام؛ والأمن، وتعزيز علاقات السودان الدولية؛ والانتقال الديمقراطي. لكن يواجه مسار الانتقال الديمقراطي أزمة تفويت الموعد المحدد سابقًا بتكوين المجلس التشريعي السوداني (الذي كان مقررًا في موعد أقصاه 25 فبراير 2021)، وإرجاء الحكومة الانتقالية تطبيق “نظام الحكم الاتحادي” في السودان بشكل رسمي إلى حين عقد المؤتمر المعني بتطبيقه في الوقت المناسب، وترقبًا لمخرجات جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، كانت مقررة نهاية مايو وامتدت في يونيو  الجاري دون النتائج المرجوة بعد. 

وقد حضرت أدوار البرهان وحميدتي في سياسة السودان الخارجية بشكل مدهش، وربما يتجاوز فرضية التنسيق المشترك بينهما، إذ حافظ السودان، في ظل تقارب ملحوظ مع القاهرة منذ مطلع العام الجاري، على سياسة خارجية تتسق مع دوره التاريخي كدولة عربية مهمة، وتبني مواقف حاسمة إزاء ملفات العلاقات مع إثيوبيا، والأزمة الحدودية في إقليم الفشقة السوداني وسد النهضة.

كما وثق السودان صلاته العسكرية والسياسية والاقتصادية مع مصر التي حرصت بدورها على توطيد صلاتها مع البرهان ومعاملته كرئيس جمهورية. بينما لعب السودان، عبر حميدتي، دورًا مهمًا في سلاسة استقرار الأمور في دولة تشاد المجاورة عقب مقتل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، وقام حميدتي بجهود دبلوماسية لاستكشاف إعادة الدفء للعلاقات السودانية التركية (يونيو الجاري) فيما اعتبرته بعض التحليلات السودانية مؤشرات قيادة حميدتي “لعبة محاور” جديدة، وإن تجاهلت هذه التحليلات في واقع الأمر التغير المتلاحق في العلاقات الإقليمية منذ أسابيع سابقة على زيارة حميدتي لأنقره بحيث تتضاءل فكرة المحاور بمعناها التقليدي تمامًا.

وبشكل عام فإن السودان بقيادة مجلس السيادة وقطباه البرهان ونائبه حميدتي، وبدعم من حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي يبدو أن أدائها أقرب لحكومة تسيير أعمال، يمضي بتصميم واضح نحو إنهاء المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة، وبالاعتماد الكبير على دوري البرهان وحميدتي.

كيف يدعم البرهان  وحميدتي المسار السياسي؟

يمثل المسار السياسي للمرحلة الانتقالية الإطار العام الذي يستهدف بلورة شكل الدولة السودانية بعد نهاية هذه المرحلة، إذ أقدم مجلس السيادة على اتخاذ عدة خطوات مهمة؛ فقد كون المجلس السيادي في منتصف مارس الفائت – في مسار تنفيذ اتفاق جوبا للسلام- ما عرفت “باللجنة الوطنية العليا لمتابعة ومراقبة تنفيذ جوبا للسلام” برئاسة “حميدتي”، إضافة إلى أربعة لجان فرعية لمتابعة أربعة من مسارات اتفاق السلام الخمسة وتأجيل تكوين مسار اللجنة المعنية بالمسار الشرقي حتى تسوية المسائل السياسية العالقة لاسيما المرتبطة بالتمثيل والمصالحة.

وبمقتضى هذه الاتفاقات، وعقب توقيع فصيل حركة تحرير السودان بقيادة مصطفى نصر الدين تمبور على اتفاق جوبا في 25 مارس الفائت، بدأت الحكومة الانتقالية في تحديد مناطق التجمع للجماعات المسلحة ترقبًا لتثبيت آليات رصد وقف إطلاق النار في إقليم دارفور، وإطلاق مسار “توحيد الجيش السوداني”، ورافق تجدد أحداث العنف منذ نهاية مارس- مطلع أبريل 2021 في الجنينة بغرب الإقليم إعلان “مجلس الدفاع والأمن السوداني” الإسراع بخطط تكوين “قوات الحماية المشتركة لدارفور” يصل قوامها إلى 20 ألف فرد.

وشهد مجلس السيادة نفسه تهديدًا ملفتًا منتصف مايو الفائت مع تصاعد الاتهامات لأعضاء به بالتورط في قتل متظاهرين خلال الاحتجاجات المناهضة للرئيس المعزول عمر البشير، وهي الاتهامات التي تجددت بعد مقتل اثنين من المتظاهرين في إحياء “انتفاضة 2019” واستقالت على خلفيتها عائشة موسى عضوة مجلس السيادة في 12 مايو؛ حيث بادر دقلو في 17 مايو بإعلان قبول المجلس استقالة النائب العام تاج السر الحبر، وإقالة رئيسة القضاء نعمات عبد الله خير، حيث أقدم دقلو على الخطوة بينما كان البرهان في مؤتمر باريس لدعم السودان، مما أشار وقتها على حقيقة الخلاف “المكتوم” بين القائدين.     

وفيما تواصل الحكومة الانتقالية والأطراف المعنية بتحقيق السلام في البلاد لاحظ تقرير مهم صادر عن فولكر بيرتيس Volker Perthes، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”عن مجلس الأمن بالأمم المتحدة (20 مايو الفائت) أن التأخير في تكوين الهيئات النيابية الرئيسة واستمرار الصراعات القبلية “والعنف ضد المرأة والفتيات” يهدد استقرار البلاد والسكان المدنيين خلال المرحلة الانتقالية، متوقعًا حدوث تغيرات إيجابية في المرحلة الانتقالية في النصف الثاني من العام الجاري.

وتظهر الخطوات الاقتصادية والسياسية تحقيق اختراقات مهمة في مسار الانتقال في المرحلة الانتقالية، وإن كان متوقعًا أن تسرع الحكومة بخطوات حاسمة نحو إقامة المجالس النيابية التي ستساهم بدورها في تسوية العديد من المشكلات العالقة مثل شكل الدولة وعلاقتها بالدين (حيث يدير دقلو هذا الملف ضمن مفاوضات اتفاق جوبا للسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ويتبنى مع البرهان موقف تأجيل حسم هذه القضية ريثما تقام المؤسسات التشريعية)، ووضع الجيش وتفعيل النظام الفيدرالي وما إلى ذلك من مسائل لا تزال مرهونة بموافقة شعبية عبر المؤسسات النيابية

البرهان وحميدتي وملف "توحيد" القوات المسلحة السودانية

الملف الأبرز لوجود خلافات في وجهات النظر بين البرهان وحميدتي يتمثل في “توحيد” المؤسسة العسكرية، وهو ملف متشابك وبالغ التعقيد على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية. إذ يرتبط بقوة بمسار اتفاق السلام في جوبا، ومكونات المعارضة العسكرية السابقة وآليات دمجها في القوات المسلحة، كما يرتبط على مستوى آخر بموقف “قوات الدعم السريع” بقيادة دقلو، وكذلك بحضور إقليمي يتمثل في اضطلاع مصر بدور بارز لدعم السودان اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا؛ وتؤكد مصر على ضرورة توفر بيئة إقليمية ملائمة لاستقرار السودان لأن أمنه واستقراره جزءًا لا يتجزأ من امن واستقرار مصر والإقليم بأكمله.

الأمر الذي تجسد –على الصعيد العسكري-  بوصول قوات مصرية كبيرة نسبيًا بدءًا من 21 مايو الفائت للمشاركة في مناورات عسكرية مصرية- سودانية مشتركة في الخرطوم ومحيطها بعنوان “حماة النيل” تستهدف “تبادل الخبرات العسكرية وتعزيز التعاون وتوحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين”؛ الأمر الذي يقود إلى استخلاص أن عملية إعادة بناء قدرات الجيش السوداني ستتم بشكل شبه كامل عبر الخبرة العسكرية المصرية التي تتمتع بمعرفة متبادلة جيدة مع القوات المسلحة السودانية، وكذلك رفع سقف توقعات دعم مصر للسودان في أية مواجهات مع نظام آبي أحمد بإثيوبيا.

أما في صلب العلاقات بين البرهان وحميدتي فإن مسألة دمج قوات الدعم السريع تمثل أبرز مسائل الخلاف بينهما، حيث أكد حميدتي قبيل منتصف يونيو الجاري رفضه لفكرة الدمج، معتبرًا إياها قوة كبيرة ومن الصعب دمجها لأن ذلك “يمكن أن يفكك البلد”. ومضى حميدتي لخطوات أعمق، وربما تشير لاحقًا إلى نزاع صريح على السلطة قبل انتهاء المرحلة الانتقالية وحسم ملفاتها العالقة.

حيث أصدر (17 يونيو الجاري)، باعتباره رئيس اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، عددًا من القرارات “لحسم التفلتات الأمنية” في العاصمة والولايات وفرض هيبة الدولة، أبرزها تكوين قوة مشتركة تتكون من “القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة” بالإضافة إلى ممثل للنائب العام وممثلين لأطراف العملية السلمية، الأمر الذي فرض أمرًا واقعًا بتصنيف قوات الدعم السريع كجهة مستقلة (حيث يتمسك دقلو بأنها خاضعة لقوانين صريحة) تشارك القوات المسلحة مهام حفظ الأمن في العاصمة والأقاليم.

ما أهم سمات الأبعاد الإقليمية لأدوار البرهان وحميدتي؟

يمكن هنا تبين الخلاف بين البرهان وحميدتي –نظريًا- من جهة أن البرهان يتصرف كرجل دولة ناجح في توطيد صلات بلاده بمصر على نحو غير مسبوق، وتبني خطاب “دولي” متوازن حتى في مسألة حساسة مثل ملف التطبيع مع إسرائيل، ومسألة العلاقات مع إثيوبيا حيث قدم البرهان صورة رجل الدولة السوداني الذي يتعامل بندية تامة مع رئيس الوزراء الإثيوبي.

في المقابل لعب “حميدتي” أدوارًا تنطلق من طبيعة قيادته التاريخية لقوات الدعم السريع سواء في الملفات الداخلية في غربي السودان (مسألة الأمن في دارفور وتمكنه من تفادي تصعيدها في الأسابيع الأخيرة)، أو في ملفات خارجية مثل معالجة الأزمة في تشاد، والتقارب مع تركيا (التي زارها برفقة وفد حكومي وبدعوة رسمية من الحكومة التركية لمقابلة نائب الرئيس التركي نهاية مايو الماضي) حيث غلب على هذا الدور استكشاف آفاق علاقات جديدة للسودان مع أطراف مختلفة.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية