جماعة الإخوان السودانية ترفض "منبر جدة" للسلام وتدعو إلى التفاوض عبر البندقية

جماعة الإخوان السودانية ترفض (منبر جدة) للسلام وتدعو إلى التفاوض عبر البندقية

جماعة الإخوان السودانية ترفض "منبر جدة" للسلام وتدعو إلى التفاوض عبر البندقية


11/11/2023

على غير عادتها، وفي ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء الماضي أبدت الحركة الإسلامية السودانية (جماعة الإخوان) اعتراضها على اتفاق بناء الثقة بين القوات المسلحة السودانية (الجيش) وقوات الدعم السريع.

وقالت الجماعة التي أصدرت بياناً باسم (الحركة الإسلامية): "إنّ ما أقحمه الميسرون من التزامات لن تشغلنا عن واجبنا في الذود عن كرامة شعبنا خلف جيشنا، بل تزيدنا قناعة أنّ ما يُحاك لتقسيم البلد يتطلب منا مزيداً من التضحية"؛ الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الساحة السياسية السودانية،  وطرح أسئلة مركزية حول التناقض الذي أصبح علامة رئيسة من سمات بيانات ومواقف الإخوان، حيث تساءل مراقبون، كيف للجماعة أن تعلن وقوفها بجانب الجيش السوداني، فيما تعترض على ما توصل إليه من اتفاق مع الدعم السريع في منبر "جدة 2"؟ 

الرصاصة الإخوانية الأولى

بطبيعة الحال، فإنّ بيان الإخوان بشأن اتفاق جدة أجاب عن أسئلة المراقبين، فقد ذكر بشكل واضح وقوف الجماعة ضد إنهاء الحرب من خلال التفاوض السلمي ودعمها لاستمرار الحرب، وقال البيان نفسه: إنّ جماعة الإخوان "ماضية في دعم الجيش في ميدان التفاوض الحقيقي وهو أرض المعركة"، وهو ما فُسِّر على نطاق واسع بأنّه دعوة صريحة لإراقة مزيد من دماء المواطنيين الأبرياء؛ بهدف استعادة السلطة التي أطيحت عنها الجماعة عبر ثورة شعبية عارمة في 11 نيسان (أبريل) 2019، واعتبر محللون سياسيون أنّ بيان جماعة الإخوان حول اتفاق "جدة 2" يؤكد صحة الاتهامات التي وجهت إليها في العديد من المناسبات بأنّ مليشياتها هي التي أطلقت الرصاصة الأولى على معسكر قوات الدعم السريع في (المدينة الرياضية) بالخرطوم، صبيحة 15 نيسان (أبريل)، مستغلة التوتر بين قادته وقادة الجيش؛ مُستبِقة محاولات الوساطة التي كادت تنجح في رأب الصدع بينهما، لتشتعل الحرب التي ما تزال قائمة حتى اليوم.

تخشى الجماعة من أنّ أيّ اتفاق بين الفريقين المتحاربين لن يصبّ في مصلحتها، وأنّ من شأنه القضاء عليها تماماً

ضد السلام 

بيان الحركة الإسلامية السودانية (إخوان)، التي يتزعمها قائد ومؤسس الميليشيات المتطرفة وزير الخارجية السابق في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، الإخواني المتشدد علي أحمد كرتي، أشار إلى أنّ ما سمّاها بالتزامات الجيش في هذا الاتفاق لن تمنع الجماعة من الوقوف خلفه، رغم اتهامه الوساطة (المُيسرين) "بتعقيد المشكلة السودانية وإطالة أمد النزاع، عبر ممارسة الضغوط وتجاوز موضوعات المحادثات وإقحام قضايا ليست ذات صلة بالحرب"؛ رغم أنّ الوساطة لم تتطرق في بيانها حول الاتفاق إلى أيّ قضية خارج نطاق الحرب.

تخشى الجماعة من أنّ أيّ اتفاق بين الفريقين المتحاربين لن يصبّ في مصلحتها، وأنّ من شأنه القضاء عليها تماماً، ومحاكمة قادتها على خلفية إشعالهم الحرب والتحريض عليها

لكن من الواضح أنّ بيان الإخوان يتحدث عن إجراءات بناء الثقة الواردة ضمن الاتفاق، حيث وافق الطرفان المتحاربان على بند "إعادة احتجاز الهاربين من السجون"، وهو ما فسّره مراقبون بأنّ المقصود هم قادة الجماعة الذين تمّ تهريبهم من السجون مع اندلاع الحرب، حين أعلنوا مباشرة دعمهم لقيادة الجيش في بيان صدر عن أحد قادتهم الفارين من سجن كوبر الشهير بمدينة (الخرطوم بحري)، وهو أحمد هارون، المنخرط الآن في تجنيد أعضاء الجماعة وتدريبهم عسكرياً وتجميع أعضاء الميليشيات الإخوانية تحت عنوان (المُستنفرين).

خشية الإخوان 

وتخشى الجماعة من أنّ أيّ اتفاق بين الفريقين المتحاربين لن يصبّ في مصلحتها، وأنّ من شأنه القضاء عليها تماماً، ومحاكمة قادتها على خلفية إشعالهم الحرب والتحريض عليها، والحيلولة دون نجاح المساعى والجهود الرامية لإيقافها عبر التفاوض السلمي، وهذا ما أشار إليه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية لدى فرضه عقوبات على رئيس الحركة الإسلامية (إخوان) علي كرتي، في أيلول (سبتمبر) الماضي، فقد اتهمه بعرقلة الجهود الرامية إلى تقدم السودان نحو التحول الديمقراطي الكامل، وأنّه كان طوال الوقت إمّا مسؤولاً، وإمّا متواطئاً، ومشاركاً، وإمّا حاول الانخراط بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال أو سياسات تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان.

جريمة ومرض وموت 

وفي السياق، ظلت جماعة الإخوان تقف حجر عثرة أمام أيّ محاولة للتوصل إلى اتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع، وعملت بقوة ومثابرة على تقويض الجهود الرامية إلى وقف الحرب، رغم الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها ميليشياتها التي تقاتل بجانب الجيش، ورغم الهزائم المتلاحقة للجيش نفسه، فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمؤسسات والأنشطة الاقتصادية، وحالة الفوضى والسيولة الأمنية العارمة، وانتشار السلاح والجريمة بصورة غير مسبوقة في السودان؛ كإحدى تداعيات الحرب التي خلفت نزوح نحو 65% من مجمل (7) ملايين سوداني عبر بعضهم الحدود إلى بلدان مجاورة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فيما يحاصر الجوع نحو (25) مليون من سكان البلاد المقدر تعدادهم بنحو (42) مليون نسمة، خصوصاً النازحين واللاجئين الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية وصحية شديدة التعقيد، إذ أصبح أكثر من (3) ملايين طفل عرضة للموت بسبب سوء التغذية، بينما فقد نحو (6) ملايين طفل إمكانية الوصول إلى المدراس، عقب إغلاق نحو (10) آلاف مدرسة أبوابها، وفقاً للأمم المتحدة.  

ظلت جماعة الإخوان تقف حجر عثرة أمام أيّ محاولة للتوصل إلى اتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع

وحيدة من أجل الحرب 

وفي ظل هذه  الظروف الإنسانية الكارثية التي خلّفتها الحرب، فإنّ الأولوية القصوى لدى الشعب السوداني هي العمل على وقفها فوراً، وهذا ما تؤيده وتدعمه كافة القوى السياسية والمدنية والأهلية والنقابات وقطاعات المجتمع المختلفة، بما فيها الطرفان المتحاربان اللذان ذهبا إلى "منبر جدة" من أجل التفاوض لإيقاف الحرب وليس لأيّ أمر آخر، فيما تقف جماعة الإخوان في الطرف النقيض وحيدة بعد أن أشعلت الحرب؛ تبذل ما في وسعها لاستمرارها، حتى لو كانت النتيجة دماراً كاملاً للسودان ومقدراته وإبادة تامة لشعبه، من أجل استعادة سلطة حصلت عليها بانقلاب عسكري عام 1989، وظلت متمسكة بها مدة (30) عاماً؛ تمكنت خلالها من تقسيم البلاد بفصل جنوبها عنها، وإشعال الحروب الأهلية في أجزاء واسعة منها؛ في دارفور (غرب) وفي شرق السودان، وفي إقليم النيل الأزرق (جنوب شرق)، وفي جبال النوبة بإقليم جنوب كردفان (جنوب)، وأخيراً في عاصمة البلاد الخرطوم، كما يبدو المشهد الآن.

مواضيع ذات صلة:

بعد سيطرة قوات الدعم السريع ميدانياً.. كيف يفكر البرهان؟ وما خطط حلفائه "الإخوان"؟

ورطة الإخوان في الحرب السودانية... "لا بُدّ من جدة ولو طال السفر"

6 أشهر على الحرب السودانية... لا قائد في القيادة ولا بوادر في الأفق للحل



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية