جولات اللجنة الدستورية السورية: "صفر" للمعارضة والنظام والمجتمع المدني

جولات اللجنة الدستورية السورية: "صفر" للمعارضة والنظام والمجتمع المدني


13/06/2022

بعد انتهاء الجولة الثامنة من محادثات الدستور السوري، بمشاركة ممثلين عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني، فإنّ النتائج تبدو "طفيفة"، بحسب توصيف المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون؛ إذ خيّمت القضايا الخلافية على النقاشات، والتي تعيق عملية التوصل إلى توافق حول صياغة الدستور، مع الوضع في الاعتبار أنّ غياب الحلّ السياسي كأولوية يمنح النظام فرصة لتعطيل دور "اللجنة الدستورية".

مهمة شبه مستحيلة

وبينما جرى تحديد نهاية تموز (يوليو) المقبل موعداً للجولة التاسعة؛ فإنّ هناك نقاط خلاف جوهرية ما تزال تجعل مهام اللجنة الدستورية شبه مستحيلة، تحديداً الخلاف حول وضع الجيش السوري؛ حيث طالب وفد المعارضة بضرورة الإصلاح، وتفادي أيّ دور سياسي للمؤسسة العسكرية في الصراعات الداخلية، وتحييده عن أيّ نشاط مرتبط بالسلطة أو النظام، حتى لا يكون سبباً في منع عملية تداول السلطة بشكل ديمقراطي سلمي، غير أنّ ممثلي النظام والحكومة السورية رفضوا ذلك الأمر برمته، وأكدوا على النتائج الفاشلة لعمليات هيكلة الجيش في تجارب مماثلة بدول أخرى.

وشدّد وفد الحكومة السورية على "شرعية المؤسسات وصمودها رغم استهدافها من قبل الإرهاب والتدخلات الدولية". كما عرج أحد ممثلي النظام السوري على خطورة الاستجابة للإصلاح في المؤسسة العسكري بما يؤدي للفشل أو "كوارث"، على حدّ تعبيره، وقال: "إعادة هيكلة المؤسسات في دول أخرى، مثل العراق، لم يفضِ إلا إلى كوارث... ووصفات المنظمات الدولية للإصلاح، فاشلة".

الكاتب السياسي السوري شيار خليل: النتائج "صفرية وعدمية"

وإلى ذلك، طالب وفد المعارضة بضرورة "عدم الهروب من الإصلاح كاستحقاق أساسي لإعادة المؤسسات إلى عملها في كلّ الأراضي السورية، وإلا فستكون سوريا دولة فاشلة، وأنّ الإصلاح قد يتطلب في أماكن إعادة هيكلة للمؤسسات ويتطلب مساءلة للمسؤولين وعدم حصانة المسيئين، خاصة من الأجهزة الأمنية والجيش"، لكنّ وفد دمشق عقّب على ذلك بأنّ "مؤسسات الدولة قائمة، وأنّ الإصلاح لا يعني إعادة الهيكلة، ولا يجب أن تكون حجّة لتهديم المؤسسات أو التدخل الخارجي، والجيش لا يمكن أن يكون حيادياً، فلا يوجد جيش حيادي في موضوع حماية الشعب، وأنّ الفساد والفشل المؤسسي هي حالات فردية ولم تنل من صمود المؤسسات السورية والتزامها بواجباتها. الإصلاح قائم ومستمر، ولا يمكن أن يصل إلى حدّ بناء مؤسسات بديلة؛ فتجربة المؤسسات البديلة في سوريا، وفي دول أخرى، فشلت فشلاً ذريعاً".

من بين النقاشات التي تسبّبت في توتير الجلسات وزادت من حدّتها، الموقف من حقوق الإنسان؛ إذ اتهم وفد المعارضة النظام السوري بأنّه لا يولي أهمية تجاه المسألة

وتضمنت النقاشات، في الجولة الثامنة، عدة قضايا منها: "الإجراءات القسرية الأحادية الجانب" من منطلق دستوري، و"سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية"، و"الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها"، و"العدالة الانتقالية". ووفق بيدرسون؛ فهناك "بطء بوتيرة العمل، فضلاً عن العجز المستمر عن تحديد وإبرام المجالات الملموسة للاتفاق المؤقت كمجالات يوجد فيها مجال كبير للتحسين". وذكر مكتب المبعوث الأممي في بيان: "ظلت الاختلافات كبيرة حول بعض النصوص، فيما كانت هناك بوادر لأرضية مشتركة حول بعض النصوص الأخرى".

نقاط خلافية

ومن بين النقاشات التي تسبّبت في توتير الجلسات بينما زادت من حدّة ولهجة الحديث بين مملثي الوفود المختلفة، الموقف من حقوق الإنسان؛ إذ اتهم وفد المعارضة النظام السوري بأنّه لا يولي أهمية تجاه المسألة، وطالبوا بضرورة إدراج اتفاقيات حقوق الإنسان بالدستور، الأمر الذي حذر منه وفد الحكومة السورية، وقد رأى الأخير أنّه "يفتح الباب للتدخل الخارجي وهو مدخل خلفي لخلخلة مؤسسات الدولة والتماسك المجتمعي بحيث تنجز ما لم تستطع الحرب الدولية على سوريا أن تقوم به".

وأبدى الكاتب السياسي السوري، شيار خليل، استغرابه الشديد من جلسات اللجنة الدستورية السورية، بمشاركة النظام والمعارضة وإشراف من جهات دولية؛ إذ إنّها تراوح مكانها، وتبدو نتائجها "صفرية وعدمية"، على حدّ تعبيره، لافتاً إلى أنّ هذه الجولات الثمانية لا تعني شيئاً (بما يعني غياب الحل والتوافق السياسي) خاصة أمام آلة التوحش العسكرية، التي ما تزال تقتل المدنيين في سوريا، وتواصل انتهاكاتها وجرائمها الموثقة، بينما تترك قوى الأمر الواقع تحتل عدة أجزاء في سوريا، ومناطقها المختلفة، دون أيّ اعتبار لمبدأ "السيادة الوطنية" الذي لا يكفّ النظام عن الحديث بشأنه.

ويتابع خليل، في حديثه لـ "حفريات": "هنا، وعند هذه النقطة تحديداً، تتعين العودة إلى مطالب الثورة؛ فهل كانت من أجل وضع دستور للسوريين؟! لا أظنّ أنّ التضحيات الهائلة، على مدار عقد كامل، كانت تهدف إلى مجرد إصلاحات، هامشية ضئيلة ومحدودة، في الدستور السوري، وبمشاركة فئوية سياسية من المعارضة والنظام".

الأكاديمي والمعارض السوري، رضوان زيادة لـ"حفريات": هذه المحادثات لا تحمل جديداً. إنّها مجرد تكرار للمحادثات السابقة التي انتهت دون أيّة نتيجة تنعكس على وضع السوريين

اللافت أنّ بعض العاملين باللجنة الدستورية يسندون تشكيل اللجنة إلى القرار (2254)، في حين أنّ هذا القرار وكذا بيان جنيف (1)، ينصّ كلّ منهما على أنّ عملية الانتقال السياسي تجري بترتيبات قانونية محددة، بحسب الكاتب السياسي السوري، وأول هذه الترتيبات تشكيل "هيئة الحكم الانتقالي"، التي لم تحدث ولم يتم التطرق إليها، حتى الآن، في تلك المشاورات. ويردف: "لا أعلم من يضع هنا اللجنة الدستورية، أو أعضاءها من النظام والمعارضة وحتى المجتمع المدني؛ هل هي هيئة دولية خلقت لتلغي هيئة الحكم الانتقالي، أم إنّها خطوة لتعويم النظام السوري الحالي واختصار التضحيات السورية بمفاوضات هشّة بين أطراف سياسية من المعارضة والنظام؟".

ضرورة الحلّ السياسي

ويتساءل الكاتب السياسي السوري: "من يضمن في حال توصلت الأطراف السياسية المعنية من المعارضة والنظام إلى دستور سوري جديد، أنّها سنفّذ بنود ذلك الدستور؟ ومن يضمن أنّ كلّ طرف، سواء من المعارضة أو النظام، لن يستغل الدستور لتحقيق مصالحه، الفئوية والسياسية، لا سيّما أنّ الطرفَين لديهما سجلّ هائل من الانتهاكات بحقّ السوريين، كلّ السوريين؟".

الأكاديمي والمعارض السوري رضوان زيادة: الأولوية للحلّ السياسي

وفي المحصلة؛ ما يزال الطرفان، النظام والمعارضة، يمارسان انتهاكات عديدة، منها: الاعتقال والخطف والاحتلال والاغتصاب والتغيير الديموغرافي، بحق السوريين، وكلّ طرف منهما يفتقد للشرعية من قبل السوريين، لوضع دستور جديد له وتحديد مستقبله؛ إذ إنّ "القضية السورية أبعد من لجنة دستورية تعمل على وضع إصلاحات دستورية مستندة على أجندات دولية، فالأولوية للسوريين ما تزال هي قضية المعتقلين والمختفين قسراً، فضلاً عن الانتقال إلى دولة وطنية ديمقراطية تقوم على مبدأ العدالة والمساواة والمواطنة، وذلك يتطلب وضع هيئة حكم انتقالي نزيهة وغير فاسدة تضمن ذلك الانتقال السياسي والعسكري والمدني"؛ يقول خليل.

ويشير الأكاديمي والمعارض السوري، رضوان زيادة، والذي يعمل باحثاً زائراً في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، إلى أنّ هذه المحادثات لا تحمل جديداً، مؤكداً، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّها مجرد تكرار للمحادثات السابقة التي انتهت دون أيّة نتيجة.

ويردف زيادة: "في تقديري، السوريون، في الداخل أو الخارج، لا يتطلعون إلى حدوث متغيرات جادة من وراء هذه المحادثات، كما أنّها لن تؤدي لجديد ينعكس على حياتهم وواقعهم الصعب. وقد سبق أن أكدنا، مراراً وتكراراً، أنّ الأولوية للحلّ السياسي قبل أيّ مسار لصياغة دستوري جديد، فلا يمكن أن نشرع في محادثات حول الدستور قبل إنجاز المهمة الأولى، تحديداً تطبيق القرار (٢٢٥٤) بحرفيته، والذي ينصّ على ضرورة أن تكون هناك حكومة انتقالية وانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، تسمح بولادة حكومة جديدة تعكس آمال السوريين وتعالج مشاكلهم".

مواضيع ذات صلة:

إجراءات تركية جديدة تضيق على اللاجئين السوريين.. ما هي؟

بعد 11 عاماً من الصراع.. كيف تستثمر تركيا في الحرب السوريّة؟

هل توحد العملية التركية العسكرية "قسد" والجيش السوري؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية