حرب الخرطوم تهدد الأمن والسلم الدوليين.. فهل تتدخل الأمم المتحدة؟

حرب الخرطوم تهدد الأمن والسلم الدوليين.. فهل تتدخل الأمم المتحدة؟

حرب الخرطوم تهدد الأمن والسلم الدوليين.. فهل تتدخل الأمم المتحدة؟


25/09/2023

أصرّ قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاستمرار في الحرب، إلّا بتوفر شروط يصعب تحققها على الأرض؛ وهي انسحاب قوات الدعم السريع من منازل المواطنين ومن المؤسسات المدنية، وإزالة ارتكازاتها من شوارع العاصمة التي تسيطر على أكثر من 80% منها، بحسب تقارير متطابقة وشهود على الأرض.

ويقول مراقبون: إنّ الشروط التي وضعها البرهان للعودة إلى منبر جدة التفاوضي بالمملكة العربية السعودية، إنّما هي شروط المنتصر، وإنّه ليس من المعقول أن تقول لخصمك انسحب حتى أفاوضك، وكأنّ ما يدور بينكما ليس حرباً!  

يُعتقد على نطاق واسع أنّ خطاب البرهان في الأمم المتحدة كشف بجلاء عن بصمة الإخوان المسلمين، من دعوة إلى استمرار الحرب صراحة، أو وضع شروط تعجيزية من أجل العودة إلى منبر التفاوض

في المقابل، أكّد حميدتي في كلمة مصورة وجهها إلى الجمعية العامة نفسها، أنّ قواته مستعدة لإعلان وقف إطلاق نار فوري في جميع أنحاء السودان، وذلك من أجل توفير ممرات آمنة لتقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، وكذلك الشروع في مفاوضات سياسية حقيقية وجادة تفضي إلى تحقيق سلام دائم،  وتسفر عن حل سياسي شامل يؤدي بدوره إلى تشكيل حكومة مدنية تدير المرحلة المقبلة وصولاً إلى انتخابات حقيقية.

إرهابيون بجانب البرهان

على الأرض يتحالف عبد الفتاح البرهان مع فلول النظام السابق من جماعة الإخوان المسلمين وبعض المتطرفين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)؛ على رأسهم محمد علي الجزولي الأسير حالياً لدى قوات الدعم السريع، وليس من دليل على تواطؤ قائد الجيش مع المتطرفين الإسلاميين أكثر من زيارته لقائد ميليشيا البراء بن مالك الإرهابية التي تقاتل بجانب الجيش، عقب خروجه من مخبئه بالقيادة العامة للجيش السوداني، في مستشفى بمدينة عطبرة شمال الخرطوم.

قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان

ويُعتقد على نطاق واسع أنّ خطاب البرهان في الأمم المتحدة كشف بجلاء عن بصمة الإخوان المسلمين، من دعوة إلى استمرار الحرب صراحة، أو وضع شروط تعجيزية من أجل العودة إلى منبر التفاوض، والمضي قُدماً في التعبئة العامة والاستنفار، والتخطيط لإعلان حكومة حرب تتخذ من مدينة بورتسودان (شرق) عاصمة بديلة، مع الاستمرار في الحرب والحصول على أسلحة وإمدادات، وهذا سيناريو إخواني معروف يعمد إلى تقسيم السودان إلى دويلات بفصل إقليم دارفور أوّلاً، وقد ظلوا يدعون إليه عبر منابر مموهة منذ سقوط نظامهم، على رأسها منبر يُسمّى (النهر والبحر) يقوده إخواني مغمور يدّعي أنّ جماعة الإخوان لا تعنيه في شيء، وإنّما يتحالف معها لتحقيق هدفه، وهو فصل درافور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق عن السودان.

أين الجيش؟

كل ذلك يحدث، فيما يصر قائد الجيش على استمرار الحرب، بينما لا يرى أحد الجيش نفسه في حرب الخرطوم، إذ إنّه يقبع داخل أسوار ظل يعتقد أنّها حصينة، في القيادة العامة (وسط الخرطوم)، وسلاح المدرعات (جنوب الخرطوم)، وسلاح المهندسين (أم درمان)، وسلاح الإشارة (الخرطوم بحري)، ومنطقة وادي سيدنا العسكرية (أم درمان) حيث المطار الحربي الذي تنطلق منه الطائرات، وقد تعرضت كل هذه المعسكرات، وما تزال، لهجمات متتالية ومتواصلة من قوات الدعم السريع ، كان آخرها مستمراً، حتى لحظة كتابة التقرير، على الحصن المنيع للجيش (القيادة العامة)، حيث دمرت معظم أبراجها بما فيها مبنى وزارة الدفاع، وفقاً لمصادر متطابقة وشهود عيان ومقاطع فيديو مبثوثة على وسائل التواصل الاجتماعي.

شلل تام

حوالي (6) أشهر، إلّا قليلاً، كادت تنصرم منذ اندلاع الحرب التي تولت كِبرها جماعة الإخوان المسلمين، ولم يحقق الجيش والميليشيات الإخوانية المتحالفة معه  أيّ تقدّم على مسرح العمليات، فيما أسفر القتال عن تشريد أكثر من (7) ملايين سوداني في الداخل والخارج، وقد توقفت الأعمال التجارية، ولم تتمكن حكومة الجيش والإخوان التي تدير الحرب من دفع رواتب موظفي وعمال القطاع العام لـ (6) أشهر متواصلة، وتم تدمير القطاع الخاص وإغلاقه منذ بداية الحرب، فضلاً عن توقف الدراسة الجماعية وما قبلها، وخروج 70% على الأقلّ من القطاع الصحي عن الخدمة، وانفراط الأمن والغلاء الفاحش وارتفاع أسعار إيجارات المنازل، ممّا وضع أكثر من نصف سكان السودان في قلب المجاعة، والحبل على الجرار.

في مثل هذه الظروف، يعجز قائد الجيش عن التخلص من حلفائه (الإخوان) الذين يحولون دون عودته إلى منبر جدة، لأنّ التوصل إلى حل تفاوضي ووقف الحرب، يعني نهايتهم الحتمية كتنظيم سياسي في السودان.

إقرار خطير

لا يملك عبد الفتاح البرهان أوراقاً كثيرة في لعبة الحرب، فالعاصمة قد تتسرب من بين أصابع الجيش في أيّ لحظة، وما من دليل أوضح من مغادرته لها والإقامة في بورتسودان، وسقوط العاصمة في يد قوات الدعم السريع يعني ببساطة سيطرتها على البلاد انطلاقاً منها.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

وفي هذا السياق، كان البرهان قد دعا الأمم المتحدة إلى تصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية، فيما عجز هو عن ذلك، إذ ظل يطلق عليها (قوات متمردة) حتى في خطابه على منبر الأمم المتحدة، كما وصف الحرب الدائرة في بلاده بأنّها تمثل أكبر تهديد للأمن والسلام الدوليين، وهذا ما ورد في كلمة حميدتي الموجهة للجمعية العامة أيضاً، ممّا اعتبره مراقبون وقانونيون اعترافاً صريحاً من طرفي الحرب بأنّ ما يفعلانه مهدد أمني خطير للعالم برمّته، ممّا قد يؤخذ كدليل قاطع لا يقبل الجدل على ضرورة تدخل الأمم المتحدة لإيقاف هذا التهديد تحت البند السابع من ميثاقها، وذلك من خلال القوة العسكرية.

ويقول مراقبون: إنّ الحرب السودانية ربما تشهد تطورات كبيرة خلال الأشهر المقبلة، إذا لم يعُد الجيش السوداني إلى منبر جدة، ويرجحون أن تدعم الأمم المتحدة والدول الكبرى في العالم والإقليم اقتراح (إيغاد) الاتحاد الأفريقي بإرسال قوات أفريقية إلى الخرطوم للفصل بين الطرفين وإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، والضغط على الطرفين وإجبارهما على اعتماد الحل السلمي التفاوضي، طالما أقرّا أنّ حربهما مهدد خطير للأمن والسلم الدوليين.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية