"حرب بقاء" بين حركة النهضة الإخوانية ومسار الإصلاح في تونس... ما القصة؟

"حرب بقاء" بين حركة النهضة الإخوانية ومسار الإصلاح في تونس... ما القصة؟

"حرب بقاء" بين حركة النهضة الإخوانية ومسار الإصلاح في تونس... ما القصة؟


09/04/2024

تراكم حركة (النهضة) عبر عدة مستويات ومنصات خطابها التحريضي ضد الرئيس التونسي قيس سعيد منذ إجراءات 25 تموز (يوليو)، ويمثل القيادي بالنهضة رفيق عبد السلام أحد أبرز تكويناتها من خلال صفحته الشخصية على تطبيق (فيس بوك)، ويحشد تدوينات تذهب مباشرة نحو الحديث عمّا يسمّيه "حقبة ما بعد قيس سعيّد".

اتخذت تلك التدوينات طابعاً خاصاً منذ الإعلان عن الاستحقاق الانتخابي لمنصب الرئيس خلال خريف هذا العام، وبدء الإعلان عن ترتيبات الاستحقاق، ودخول الرئيس قيس سعيّد السباق الانتخابي مرة جديدة. ويتعمد عبد السلام أن يخلط الأوراق ببعضها بعضاً، ويضع ملابسات الانتخابات في العام 2019 محل اشتباك، رغم أنّ حركة (النهضة) في ذلك التوقيت كانت أحد مؤيدي سعيّد في تلك الانتخابات على خلفية القدرة على استيعاب الرجل ووضعه على مدرج خططهم وترتيباتهم. بيد أنّ الرئيس التونسي وضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار، ونفذ جملة من الإجراءات والترتيبات عرفت بمسار 25 تموز (يوليو)، ومن خلال تلك الإجراءات تم تجميد مجلس النواب وإعادة انتخابه، وكتابة دستور جديد للبلاد، ممّا وضع نسق حركة (النهضة) التنظيمي خارج الواقع، وفتح القضاء والأجهزة المعنية كشف حساب لعدد من قيادات النهضة على ذمة قضايا تخص الأمن القومي للبلاد.

مناورات النهضة تخاصم الواقع

في هذا السياق يذهب الكاتب الصحفي مراد علالة إلى أنّه لفهم موقف رفيق عبد السلام عضو المكتب التنفيذي لحركة (النهضة)، وحديثه عن فرضية انتهاء حقبة الرئيس قيس سعيّد، فإنّه لا بدّ من التوقف عند بعض المسائل الجوهرية المتصلة بشخصه أوّلاً وتنظيمه ثانياً، خاصّة في ظل الأوضاع الراهنة؛ للوصول إلى حقيقة أنّ ما يفعله ويقوله مجرد اجتهاد شخصي غير محدد وغير ملزم للجماعة من جهة، ومن جهة ثانية بعيد بعض الشيء عن حقيقة الساحة التونسية.

الرئيس التونسي قيس سعيد

ويتابع الكاتب التونسي علالة، لافتاً إلى أنّ رفيق عبد السلام يستمد قوته من عنصرين اثنين؛ الأول هو علاقة القرابة والمصاهرة مع رئيس التنظيم راشد الغنوشي، والثاني الانتماء للجناح أو الشق الخارجي فيه، فهو لم يكن موجوداً في تونس قبل 2011 زهاء (3) عقود، وعاد مباشرة وزيراً للخارجية في أول حكومة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وهيمنة الجماعة على الحكم في البلاد.

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم السبت عن نيته الترشح لفترة رئاسية ثانية، وسيقدم ترشحه في الفترة القانونية لذلك

وكما هو معلوم، والحديث للمصدر نفسه لـ (حفريات)، فقد كشفت تصريحات بعض من استقالوا من (النهضة) الدور الكبير والسلبي لعائلة الغنوشي في التنظيم، وقد تضاعف دور وحجم رفيق عبد السلام بفضل ظفره بحقيبة الخارجية في حكومة أمين عام حركة (النهضة) آنذاك حمادي الجبالي، ودعم المحور الإقليمي المساند لجماعات الإسلام السياسي بشكل عام ولفصيلها في تونس على وجه التحديد، وقد احتضنت تونس في عهده ما عُرف بهتاناً بمؤتمر أصدقاء سوريا، والذي تم على إثره قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، وأصبح هذا الأمر بمثابه رأس المال الذي يستغله صاحبه للتموقع والبقاء في الخارج، ومحاولة الظهور في ثوب المفكر الاستراتيجي، دون أن ننسى أنّه مطلوب اليوم للعدالة في تونس وفي حقه حكم بالسجن لمدة (5) أعوام.

رفض التدخل الخارجي

يؤكد مراد علالة أنّه نتيجة حدود الرجل ونقص تجربته وعدم استيعابه للمتغيرات الداخلية والخارجية، فهو يخال نفسه على ما يبدو بصدد إدارة الصراع بين السلطة والنهضة من الخارج، بل يذهب الى حد استنباط القراءات التي يتوهّم ويحاول إيهام غيره بها، كقوله إنّ حقبة رئيس الجمهورية قيس سعيّد هي بالفعل في طريقها نحو النهاية والنهاية السريعة، وهذا الأمر حتى إن كان وارداً فلا دخل ولا دور له فيه.

ويردف: "في الخارج من المستبعد في تقديرنا أن يكون رفيق عبد السلام ممسكاً بملف العلاقة بين (النهضة) وحلفائها، وقد لا يتجاوز دوره دور الساعي الذي ينقل الرسائل من وإلى زعيم التنظيم راشد الغنوشي. وفي الداخل، تم في أكثر من مناسبة التنصل من تصريحات رفيق عبد السلام من قبل إخوته في التنظيم، وبلغ الأمر العام الماضي إصدار بيان رسمي ينفي عنه مسؤولية التحدث باسم حركة (النهضة) في الخارج، واعتبار تدوينته عن المؤسسة العسكرية في تونس موقفاً شخصياً لا يلزم سوى شخصه".

يتعمد عبد السلام أن يخلط الأوراق ببعضها بعضاً، ويضع ملابسات الانتخابات في العام 2019 محل اشتباك

كما أنّ الحقيقة الموضوعية التي يتجاهلها ويقفز عليها، أو ربما لا يدركها هذا الأخير، هي أنّ تصعيده الكلامي وارتهانه لقوة إقليمية بعينها في الخارج، بسبب امتياز وظيفي وإقامة مريحة وظهور إعلامي متواتر، أمر مرفوض من  الداخل النهضاوي قبل غيره، لأنّ أجيالاً كثيرة من الإسلاميين لم ينسوا ولم يغفروا ما حصل لهم مطلع تسعينات القرن الماضي، وأصبح يعرف بالمحرقة، حين قفز الغنوشي من المركب وسافر إلى بريطانيا واستقر فيها، في الوقت الذي ملأ فيه المجاهدون الحقيقيون السجون التونسية، وهو ما يتكرر في هذه المرحلة ولو بشكل آخر أقلّ حدّة، بما أنّ أغلب القيادات النهضوية موقوفة ومطلوبة للعدالة اليوم، كما يقول علالة.

سعيّد يترشح لولاية ثانية

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم السبت عن نيته الترشح لفترة رئاسية ثانية، وسيقدم ترشحه في الفترة القانونية لذلك. وانتظر الرئيس التونسي مناسبة الذكرى الـ (24) لوفاة الحبيب بورقيبة ليعلن نيته بخطاب، انتقد من خلاله بعض الأطراف التي قاطعت الانتخابات التشريعية "لكنّها تتهافت على الانتخابات الرئاسية الآن"، بحسب قوله. ثم اتهم أطرافاً لم يسمّها بـ "الارتماء في أحضان الخارج"، مشيراً إلى أنّ "هذه الأطراف لا يمكن لها أن تترشح للانتخابات الرئاسية في تونس".

خليل الرقيق: حديث الإخوان المسلمين في تونس عن سيناريو ما بعد الرئيس قيس سعيّد لم يبدأ الآن فقط

وأضاف: "ليعرف الكثيرون أنّ السلطة ليست طموحاً وكرسياً وأريكة كما يتوهمون ويحلمون، بل هي مسؤولية". وأكد سعيّد في خطابه على تطهير البلاد "من الذين عاثوا فيها فساداً في كل مكان، ولن يتم التراجع إلى الوراء".

واعتبر أنّ تونس تخوض حرب "بقاء أو فناء ضد من أرادوا إسقاط الدولة بعد 14 كانون الثاني (يناير) 2011 وتفجيرها من الداخل وضرب مرافقها العمومية ومن يريدون ترذيل مؤسسات الدولة". ومن المزمع إجراء الانتخابات التونسية بين شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) القادمين.

من جانبه يذهب الكاتب السياسي خليل الرقيق إلى أنّ حديث الإخوان المسلمين في تونس عن سيناريو ما بعد الرئيس قيس سعيّد لم يبدأ الآن فقط. ويتابع الكاتب التونسي في سياق حديثه لـ (حفريات) بقوله: إنّهم  تحدثوا عن هذا السيناريو منذ بدايات مسار 25 تموز (يوليو)، واعتبر مرشدهم راشد الغنوشي أنّ هذه المرحلة قوس سيغلق. وعلى أثر ذلك كانوا يعولون على علاقاتهم ببعض الدوائر الخارجية وبعض حلفائهم في الداخل لإرباك الوضع في البلاد على أمل العودة مجدداً إلى المشهد.

أمّا وقد باءت كل محاولاتهم بالفشل، فإنّهم في هذا العام الانتخابي، وبعد عزلتهم سياسياً وشعبياً، وتورطهم في قضايا جزائية مختلفة كالتنظيم السري والتسفير وتبييض الأموال، يخوضون صراع اللحظات الأخيرة، ويبحثون عن الاختباء وراء واجهات حقوقية ولوبيات ضغط إعلامي خارجي. وهذه المسألة محسومة واقعياً، سواء من ناحية استحالة نجاح مخطط إخواني رفضه الشعب وأزاحه نهائياً، أو من ناحية دعم جزء واسع من الناخبين التونسيين لمسار 25 تموز (يوليو) وللرئيس قيس سعيّد.

الإخوان على مقصلة العدالة

أمّا ما يراكمه القيادي النهضوي رفيق عبد السلام من خلال تدويناته المتعددة في (فيس بوك) من خلال صفحته الشخصية، فنستطيع القول، والحديث للمصدر ذاته، إنّ الرجل كان له تصريحات عديدة في هذا الصدد، وهو من العناصر التي كلفها راشد الغنوشي بقيادة حملة من الخارج ضد الرئيس قيس سعيّد، والمسار السياسي الجديد. وبتدبر تصريحاته نجدها تنم فعلاً عن حالة فزع شديد، خاصة بعد بدء المحاسبة القضائية لقيادات الإخوان المسلمين قضائياً. إنّهم يدركون أنّ نجاح المسار الحالي يعني بالحتمية النهاية لحركتهم، ليس فقط من ناحية الأحكام السجنية، بل أيضاً من ناحية إنهاء الوجود القانوني لحركتهم باعتبارها متورطة في جرائم ذات صبغة إرهابية.

ويردف: "إنّ تصريحاته الحالية هي مجرد هروب إلى الأمام، إضافة إلى أنّها لا ولن تجد آذاناً صاغية داخل الرأي العام التونسي باعتباره شخصية فاقدة للمصداقية".

إذاً يقيناً تلك التصريحات هي موجهة للخارج. فالإخوان دخلوا إلى الحكم في العام 2011 من بوابة الدعم الخارجي. وهم أكثر الأطراف قابلية وطواعية للتدخل الخارجي، بل لم يتورعوا عن محاولة تعطيل المصالح الاقتصادية لتونس عبر لوبيات الضغط الخارجي بغاية الضغط السياسي على سلطات 25 تموز (يوليو). إذ إنّ القوى الدولية ليست كلّاً متجانساً، هناك بعض الأحزاب والكتل البرلمانية في أوروبا والولايات المتحدة تدعم الإخوان، ولا تنظر بعين الرضا إلى الوضع السياسي الجديد، لكنّ مواقف الدول تختلف، لأنّها تقاس بمعيار المصالح، لذلك من المستبعد أن نرى تفاعلاً خارجياً رسمياً مع تحركات الإخوان، هذا إضافة إلى انكشافهم وعدم إمكانية الرهان عليهم مجدداً من الدوائر التي دعمتهم في السابق.

واضيع ذات صلة:

عبير موسي توسع حربها على "الإخوان" وتهدد مؤسساته الإعلامية.. ما الجديد؟

جماعة الإخوان تتجه لتقليص منظومتها الإعلامية... مناورة أم إقرار بالفشل؟

هل تنجح خطط الإخوان الإعلامية الجديدة بإعادة نشر الفوضى في المنطقة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية