حزب الله يواصل احتلال الفضاء العام: جدارية لسليماني في قلب بيروت

حزب الله يواصل احتلال الفضاء العام: جدارية لسليماني في قلب بيروت


28/12/2021

يواصل حزب الله استفزاز اللبنانيين محتلاً أرضهم وسماءهم وفضاءهم العام، مبشّراً بالخرافات التي صنعها كالأوثان من أجل ترميم صدقية الحزب الذي سقطت عنه صفات المقاومة، واحتفظ بصفه واحدة: ميليشيا حزبية طائفية خارجة عن القانون، وعن المنطق أيضاً.

الحزب الذي يمثل ذراع إيران في لبنان استبق ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونصبَ جدارية على طريق المطار في ضاحية بيروت الجنوبية، تخليداً لذكرى من يعتبره الحزب ملهماً للأجيال وعابراً للتاريخ.

ولوحظ أنّ الجدارية جاءت على مقربة من موقع تفجير قوات "المارينز" في بيروت في العام 1983، وهي تنقسم إلى نصفين. في النصف الأيسر، صور لقاسم سليماني تمثل محطات من تاريخه ومواقفه، أما القسم الأيمن فيستعرض تأثير سليماني في المجتمع الإيراني والأجيال التي تتربى على نهجه. هناك صورة طبيب يحمل طفلاً، صورة تلميذ المدرسة، صورة المهندس والمعلمة، كما كتب قاسم مرواني في "المدن".

"نحن قاسم"

وقد اختار حزب الله هذا العام شعار "نحن قاسم" لإحياء ذكرى الاغتيال، تعبيراً عن أنّ كل شخص من محبي سليماني هو قاسم سليماني، وكل الذين يظهرون في الجدارية يمثلون محبي سليماني من مختلف أطياف المجتمع وأعماره.

فيما ينهار لبنان اقتصادياً ومعيشياً بفعل السياسات الفاسدة للسياسيين ورهن البلاد للمحور الإيراني، ها هو جمهور حزب الله يستبيح ما تبقى من الدولة ويرفع صور قادة إيرانيين مصنفين ارهابيين

وفيما ينهار لبنان اقتصادياً ومعيشياً بفعل السياسات الفاسدة للسياسيين ورهن البلاد للمحور الإيراني، ها هو جمهور حزب الله يستبيح ما تبقى من الدولة ويرفع صور قادة إيرانيين مصنفين ارهابيين دولياً، حيث صدم اللبنانيون السبت، الماضي، بمشهد مستفز على طريق المطار- بيروت، في الوقت الذي يشهد فيه لبنان عودة كبيرة للمغتربين، كما ذكر موقع "جنوبية".

اقرأ أيضاً: لبنان في العام 2022: تعويم القرارات الدولية التي تُغضب "حزب الله"

المشهد صدم المغتربين العائدين إلى لبنان والموجودين في البلاد أيضاً الذين عبّروا عن غضبهم بتغريدات عبر "تويتر" تؤكد امتعاضهم من جعل لبنان مقاطعة إيرانية، لا سيادة له ولا احترام لمواطنيه، داعين الوزارات المعنية للتحرك وإزالتها.

حزب الله يروّج أنّ قاسم سليماني ضحى بحياته من أجل القضية. ولكن أية قضية التي يقصدها الحزب الذي أختار أن يكون شعاره "نحن قاسم" وهذه الـ"نحن" تستبطن وهماً مفاده أنّ العالم كله قاسم سليماني، مع أنّ الوقائع تقول بخلاف ذلك، وأنّ مؤيدي سليماني هم نفر من حزب الله ومن الموالين لإيران، أو ممن ينتسبون إلى ما يعرف بـ"محور المقاومة والممانعة".

اقرأ أيضاً: المشكلات تلتف على عنق لبنان: عيد الميلاد كضحكة في مأتم

فما الذي أنجزه سليماني ليتخذ صفة المقدس، وهل الجدارية تعبير عن رغبة ضمنية لدى حزب الله وحلفائه وأنصاره من أجل خلق مهدي منتظر جديد؟

اغتيال قاسم سليماني، بغارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام 2020، وبرفقته أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق، دعا قادة إيران إلى التهديد المألوف والمضحك بـ"حق الرد في المكان والزمان المناسبين".

خامنئي: حذاء سليماني أشرف من رأس قاتله

وقال المرشد الأعلى بإيران، علي خامنئي، في تغريدة نشرها في ذكرى سليماني: "يجب على من أمر ونفّذ اغتيال الفريق قاسم سليماني دفع الثمن، وسيكون هذا الانتقام حتميّاً في أي فرصة متاحة، فوفق قول ذلك العزيز.. حذاء سليماني أشرف من رأس قاتله".

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية على لسان خامنئي قوله في ذكرى مقتل سليماني: "مراسم التشييع المليونية وغير المسبوقة التي أقيمت للشهيد سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس في إيران والعراق أصابت جنرالات الحرب الناعمة لقوى الاستكبار بالذهول، وشكلت الصفعة القاسية الأولى بوجه الأمريكيين."

وأردف: "الصفعة الأخرى من خلال القصف الصاروخي لقاعدة عين الأسد الأمريكية.. لكنّ الصفعة الأقسى هي عبارة عن الغلبة البرمجية على الهيمنة الخاوية للاستكبار، وهي بحاجة إلى عزيمة الشباب الثوري ونخبنا المؤمنة، مضافاً إلى طرد الأمريكيين من المنطقة والتي تقتضي عزيمة الشعوب وسياسات المقاومة".

اقرأ أيضاً: حزب الله يبدد الأجواء الإيجابية لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان.. ماذا فعل؟

وقال أيضاً: "بطبيعة الحال هذه الصفعة الأقصى ليست الثأر لدم الشهيد، لأنّ الاقتصاص من القتلة والآمرين باغتيال الشهيد سليماني يجب أن يدفعوا الثمن وسيتم بالتأكيد الانتقام منهم في الوقت المناسب..".

مضى عامان على اغتيال سليماني والمهندس، ولم يأتِ الوقت المناسب للرد الإيراني الذي اعتاد العالم أن يسمع هراءه طوال سنوات الصراع.

ماذا قدّم سليماني للقدس؟

السؤال الأهم: ما الذي قدمه سليماني الذي يحمل وصف "قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني" من أجل القدس؟ وهو سؤال يستتبع أسئلة أخرى كثيرة لا حصر لها تفضي إلى نتيجة واحدة أنّ الرجل "البطل" قائد مجازي لفيلق القدس، ولا صلة له من قريب بتحرير المدينة المحتلة والمسجد الأقصى السليب وقبة الصخرة المشرفة. كل هم سليماني وقادة نظام الولي الفقيه هو دعم الميليشيات المسلحة، وتحويل غزة إلى جيب إيراني جديد كما فعلت بالحشد الشعبي في العراق، وبالحوثيين في اليمن، وبحزب الله في لبنان، وبمليشياتها في سوريا التي ينطق نظامها بلسان طهران ويسبّح بحمد الملالي.

قناة "الميادين" المقربة من حزب الله، تسرف في مدائحها لسليماني: "الاسم الأبرز في الصراع مع الاستكبار العالمي، رجل إيران الذي اختار أن يقارع أميركا و(إسرائيل) وأدواتهما من أنظمة ومجموعات إرهابية.. رجل الميدان والسياسة من إيران الثورة، إلى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن..".

لكنّ "الميادين" تنسى أو تتناسى أنّ من تعتبره مقاوماً هو قاتل مجرم، وإرهابي لا صلة له بأخلاقيات المقاومة التي شرّعها العالم ورسختها الثورات النبيلة.

تورّط سليماني في مؤامرة لتوظيف كارتل مخدرات مكسيكي لقتل السفير السعودي لدى واشنطن آنذاك، عادل الجبير عن طريق تفجير مقهى ميلانو ومطعم توني، والذي كان الجبير مُعتاداً على زيارتهما

إذاً، الجدارية التي نصبها حزب الله تخليداً لـ"المقاوم" هي، في نظر آخرين، مكافأة غير مستحقة لـ"القاتل".

يقول تقرير لموقع "الحرة" إنّ سليماني لعب دوراً بارزاً في تأجيج الحرب في سوريا. وقدم فيلق القدس بزعامة سليماني الدعم للأسد عندما بدا أنه على وشك أن يُهزم في الحرب الدائرة منذ عام 2011.

وكانت زيارته لموسكو في صيف 2015 هي الخطوة الأولى في التخطيط للتدخل العسكري الروسي الذي أعاد تشكيل الحرب السورية وإقامة تحالف إيراني روسي جديد لدعم الأسد.

زار سليماني مدينة حلب في أيلول (سبتمبر) 2016 في أوج حصارها من قبل قوات النظام السوري وروسيا، وساهم في معاناة سكانها الذين بقي منهم آنذاك نحو 275 ألف شخص.

وذكرت صحيفة "واشنطن تايمز" حول دور سليماني في سوريا أنّ صوراً التطقت له وهو يتفقد المدينة التي اشتد حصارها في ذلك الشهر أظهرت إلى أي مدى كانت تريد إيران تمديد قبضتها في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: هل ينجح ميقاتي في إصلاح ما يفسده حزب الله في لبنان؟

وساعد "فيلق القدس" بقيادة سليماني القوات الروسية التي كانت تقصف المدنيين في الأحياء الشرقية من حلب "بلا تمييز".

في الشهر التالي، تحدث المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين عن "مجزرة" ارتكبتها روسيا وإيران والحكومة السورية في المدينة وشبّهها بـ"المسلخ"، مشيراً إلى الأطفال الذين قضوا تحت الأنقاض والحوامل اللواتي استهدفهن القصف عن عمد.

واتهم الحسين حلفاء الأسد بارتكاب جرائم حرب، وبالطبع كان "فيلق القدس" ضمن هذا التحالف.

وزار سليماني المدينة مرة أخرى بعد أن أجبر الحصار والجوع والقتل قوات المعارضة إلى الخروج منها، والتقطت له الصور على أنقاض المدينة.

"الغارديان" تعدّد جرائم سليماني

وعدّدت صحيفة "الغارديان" البريطانية جرائم قاسم سليماني، ومن أبرزها، حسبما أفاد موقع "المواطن":

أولاً: المشاركة في الحرب الأكثر دموية القرن الماضي بين إيران والعراق، والتي خلّفت أكثر من مليون قتيل على الجانبين في ثماني سنوات دموية.

ثانياً: تهجير وقتل العراقيين؛ إذ كان سليماني متورطاً عن كثب في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وكان سليماني معروفاً باسم نائب العراق، ويوصف بانتظام بأنه غامض، وتسبب في مقتل وتهجير عشرات الآلاف في العراق.

اقرأ أيضاً: حزب الله إذ يساعد ماكرون كي يصبح "بطل لبنان الخارق"

ثالثاً: تهجير السوريين. كان الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس من اللاعبين المهمين في الصراع السوري، وكان الدعم الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد هو المفتاح لمساعدته على البقاء، ورواية طهران هي أنها دافعت عن سوريا، وكان سليماني سبباً مباشراً في مأساة آلاف السوريين بالتهجير.

رابعاً: دعم ميليشيا حزب الله والحوثيين؛ حيث كان ينظر إلى سليماني باعتباره العقل المدبر لبحث إيران عن الهيمنة الإقليمية، من مشروع ترقية ترسانة ميليشيا حزب الله الصاروخية، إلى دعم ميليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن.

خامساً: التأثير الإيراني على ضرب القوات الأمريكية، حيث أصبح التأثير الإيراني على الميليشيات الشيعية العراقية ينطوي على هجمات على القوات الأمريكية.

سادساً: الفتنة اللبنانية، إذ إنّ سليماني ساهم في تخريب لبنان وأثار الفتن السياسية فيه، بحسب "الغارديان".

سابعاً: محاولة اغتيال عادل الجبير؛ ففي عام 2011، تورط سليماني في مؤامرة لتوظيف كارتل مخدرات مكسيكي لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة آنذاك، عادل الجبير، حيث أدرجته الولايات المتحدة في قائمة إرهابي عالمي.

اقرأ أيضاً: تجارة الأسلحة الفردية تزدهر في لبنان لهذه الأسباب.. ماذا عن النتائج؟

وكشف مسؤولون عسكريون لصحيفة "واشنطن بوست" أنّ سليماني تولى الإشراف على مهمة اغتيال السفير السعودي، عن طريق تفجير مقهى ميلانو ومطعم توني، والذي كان الجبير مُعتاداً على زيارتهما مرتين أسبوعياً.

وكانت العملية ستنفذ من قبل رجل أعمال من أصل إيراني يُدعى منصور أربابسيار، بالتعاون مع تاجر مخدرات مكسيكي؛ حيث تم اختياره من قبل قيادة الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في هجوم دولي ضد الدبلوماسي التي تولى فيما بعد وزارة الخارجية السعودية.

ووافق سليماني على تنفيذ عملية الاغتيال، وأنها يجب أن تمضي قدماً، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح بسبب تفجير مقهى كامل.

ثامناً: شهرة عالمية بالإرهاب؛ فمنذ عام 2014، بدأ سليماني يكتسب شهرة عالمية في الإرهاب؛ حيث يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي يزور المقاتلين الشيعة في الخطوط الأمامية في العراق أو سوريا، بحسب "الغارديان".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية