"حماس" في السعودية: العودة المطلوبة إلى "اتفاق مكة"

"حماس" في السعودية: العودة المطلوبة إلى "اتفاق مكة"

"حماس" في السعودية: العودة المطلوبة إلى "اتفاق مكة"


20/04/2023

محمد قواص

أياً كانت ظروف زيارة وفد حركة "حماس" السعودية وتفاصيلها، وحتى لو اقتصر أمر الزيارة على أداء مناسك العمرة، فإن الحدث ليس تفصيلاً، ولا يمكن قراءته إلا من زاوية تطوّر في علاقة الرياض مع الفصيل السياسي الإسلامي الفلسطيني. وإذا ما أبعدت أسباب كثيرة "حماس" عن المملكة، فإن تدفق التحوّلات الإقليمية معطوفاً على مقاربات السعودية الجديدة لملفات الإقليم أتاح توفير سياقات لإعادة الوصل من خلال المناسك الدينية في الحرم المكي الشريف.

ولمدينة مكّة حكاية تفسّر بعضاً من أسباب القطيعة مع "حماس". رعت السعودية عام 2007 في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز "اتفاق مكّة" بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس". وعوّلت الرياض على هذا الاتفاق لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. غير أن فشل هذا الاتفاق لاحقاً وتفاقم انقسام الطرفين معطوفاً على أجندات "حماس" في التحالف مع إيران وتركيا والتصدّع الإقليمي الذي تطوّر بعد اندلاع "الربيع العربي" أقفلت أبواب المملكة أمام الحركة الفلسطينية ذات الخلفية الإخوانية.

ولا يمكن قراءة التطوّر إلا من خلال صورة أشمل تتعلق بسياقات وفاق متدافعة ومفاجئة عرفتها المنطقة خلال السنوات، وخصوصاً خلال الأشهر الماضية والتي أمكن أن تؤسّس لمقاربات أخرى لملفات النزاع في المنطقة. انتهت خلافات تركيا مع الإمارات (2021) والسعودية (2022) وتقترب تركيا ومصر من تسوية ملف علاقاتهما. وأنهت السعودية وإيران مرحلة صعبة من القطيعة والخلاف بالتوقيع على اتفاق لافت في 10 آذار (مارس) الماضي ما زال يسيّل حبراً كثيراً، خصوصاً لجهة رعاية الصين له والاحتفال بإبرامه في العاصمة بكين.

ولئن تباشر "حماس" تحوّلاً لإعادة الوصل مع دمشق، فإن تحوّلات عربية متعددة جرت باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام السوري. وقد تطوّر هذا السياق بالنسبة الى السعودية التي زار وزير خارجيتها فيصل بن فرحان دمشق، الثلثاء، بعد أن استقبلت المملكة في جدّة نظيره السوري فيصل المقداد، في 12 نيسان (أبريل) الجاري. كما استضافت جدّة اجتماعاً  تشاورياً عربياً في 15 نيسان (أبريل) لبحث مسألة إعادة دمشق إلى الحاضنة العربية. وضمّ الاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى نظرائهم من مصر والأردن والعراق.

وتساهم ديناميات الوفاق داخل الصفّ العربي هذه، في جعل تواصل العرب عموماً والسعودية خصوصاً مع حركة "حماس" جزءاً من ديناميات متطوّرة تقودها الرياض لإعادة تموّضع الدبلوماسية السعودية وفق قواعد ومعايير جديدة. تفهم حركة "حماس" هذا التحوّل وتتقدم في زيارتها الدينية بوفد عالي المستوى يترأسه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ويضم كلاً من خالد مشعل، رئيس الحركة في الخارج، وعدداً من أعضاء المكتب السياسي أبرزهم خليل الحية وموسى أبو مرزوق.

تستقبل السعودية أيضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس. يلتقي الرجل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ويشيد بـ "السعودية ودورها في دعم قضايا الأمة، وبخاصة القضية الفلسطينية، وصولاً الى نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال والسيادة في الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والتمسك بمبادرة السلام العربية".

ولا ريب في أن حضور فلسطين في السعودية بجناحها الرسمي الذي يقوده "أبو مازن" وجناحه الآخر الذي تديره حركة "حماس" يلقي ضوءاً على ما ترومه المملكة من دور فاعل لإنعاش العلاقة مع الهياكل القيادية الفلسطينية وإعادة رفع مستوى الحضور العربي داخل ملف فلسطين على منوال ما سعى له العرب والخليحيون في العراق وما يسعون إليه في سوريا.

بقي الموقف السعودي متمسكاً بالقضية الفلسطينية مدافعاً عنها ملتزماً المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمّة بيروت في عام 2002. فالمبادرة في الأصل هي مبادرة سعودية وما زالت الرياض تعتبرها بوصلة ناجعة وفق معادلة الأرض مقابل السلام. ولئن تراجعت أولوية القضية الفلسطينية داخل سلم الهموم العربية، لا سيما منذ اندلاع "الربيع العربي" وانفجار قضايا خطيرة في المنطقة أخذت الحيّز الأكبر من هواجس عواصم المنطقة وشعوبها، ولئن تراجع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي داخل سلم الأولويات الدولية عامة، فإن فلسطين ما زالت قلب الصراع في الشرق الأوسط والقضية الوحيدة التي يتحلّق حولها العرب ولو بمستويات وتعبيرات متعددة.

وقد يُلام الفلسطينيون على سوء إدارة حالهم وعجزهم عن تجاوز انقسام بات يُعتقد أنه صار بنيوياً نهائياً لدى منظومتي السياسة في الضفة والقطاع. غير أن الفلسطينيين باتوا أيضاً خلال العقد الأخير جزءاً من هذا التصدّع الإقليمي الذي شهدته المنطقة والذي كاد يكون بدوره من السمات البنيوية في الشرق الأوسط. وإذا ما تراجع الدور العربي داخل ملف فلسطين مقابل تغوّل دور إسرائيل، كدولة احتلال، وتنامي أدوار تركيا وإيران، كقوى نفوذ، وأنتج منطقيا وآليا هذا الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، فإن التحولات الواعدة في علاقات العرب مع تركيا وإيران من شأنها نزع فتائل كثيرة وتسحب معوقات عديدة ما بإمكانه المساهمة في تيسير وحدة فلسطينية قد تصبح مطلباً ومصلحة للدول المنخرطة في الوفاق الإقليمي الجديد.

تمثّل التحوّلات الإقليمية داخل التحولات الدولية الشاملة التي أظهرتها أزمة الحرب في أوكرانيا فرصة تاريخية لإعادة وضع فلسطين على الخريطة. فإذا كان نزوع دول المنطقة نحو الأمن والاستقرار والازدهار قد دفع أنقرة وطهران والعواصم العربية الى سلوك سكك التوافق والتعاون، فإن تلك الدوافع نفسها ترفع من أولوية القضية الفلسطينية لدى كل دول المنطقة بصفتها مسألة ما زالت تهدد استقرار المنطقة برمتها.

تفتح الرياض أبوابها لفلسطين وعلى الفلسطينيين أن يجعلوا من الحدث مفترقاً في علاقتهم مع البيئة العربية الحاضنة. درجت منابر غزة ورام الله على انتقاد العواصم العربية وفق معايير ذاتية أو ايديولوجية متقادمة لا تأخذ بالاعتبار ما تغير في العالم وما استجدّ من موازين وما ظهر من مصالح. غاب كثيراً عن العقل السياسي الفلسطيني أن معركة فلسطين ومنذ أعراضها الأولى في ثلاثينات القرن الماضي لم تكن محلية مغلقة على بعدها الفلسطيني ولم تستورد قوتها من خارج المحيط العربي، بل كانت دائماً وتاريخياً قائمة ومعتمدة على بيئة عربية حاضنة لم تبخل على فلسطين والفلسطينيين بالدعم والرعاية في الدم والموقف والمال والسياسة. ووفق هذا الثابت وجب أن تعود فلسطين بكامل مكوّناتها إلى الحاضنة الفلسطينية بوصلة أولى في حتميتها.

سمع الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز كلاماً جميلاً واعداً من قيادة حركة "حماس" حين وقفت أمامه في 8 شباط (فبراير) 2007 راعياً لاتفاق كان من شأنه رأب صدع البيت الفلسطيني. وربما أن في عودة الحركة إلى السعودية من بوابتها المكّية رمزيات تنعش الآمال بالعودة إلى "اتفاق مكة" من جديد، ليس بالضرورة بنصوصه القديمة، بل بما يمكّن أن ينفخه "تصفير المشاكل" الذي تنتهجه الرياض من روح في ذلك الجمع الفلسطيني الذي استضافته المدينة قبل 16 عاماً.

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية