خطاب الكراهية بكونه معززاً للصراعات الإنسانية

خطاب الكراهية بكونه معززاً للصراعات الإنسانية

خطاب الكراهية بكونه معززاً للصراعات الإنسانية


14/05/2023

محمد المحروقي

كرس الفلاسفة والعلماء جُهدهم في تفنيد وتحليل خطاب الكراهية على نطاقٍ واسع، محللين بذلك ممارسة خطاب الكراهية وعوامله وتأثيراته على المجتمعات والتجمعات البشرية، فبعد التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة في العقد الأخير، والاستعمال الكثيف لمواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل البشر في هذه المواقع الإلكترونية بمختلف جنسياتهم وأعراقهم وقومياتهم ودياناتهم التي من المفترض أن تسهم في توحد الإنسان، إلّا أن هذه الاختلافات أصبحت بقعة لتصاعد خطاب الكراهية الذي يستند على لغة الإقصاء، سواء كانت هذه اللغة مُستلهمة من التراث التاريخي أو من النزاعات العنصرية الراجعة للاختلاف العرقيّ أو الدينيّ أو حتى السياسيّ، فأصبح كثيرٌ من هذه النزاعات مبنياً على رفض التعددية والمتغيرات الحداثيّة، وأصبحت هكذا خطابات معزِّزة للعنف على أرض الواقع.

ومع الجدل الواقع لتعريفٍ لسانيّ لخطاب الكراهية إلّا أن الأستاذ أنطونيوس نادر يذهب إلى أن التعريف اللساني الأكثر إجمالا هو أن خطاب الكراهية “ظاهرة تنطوي على تفاعل دقيق بين نيّة التّواصل والاستقبال التّواصليّ، يقع هذا التّفاعل على المستوى الدّلاليّ، أي بين المعنى المقصود الضّمنيّ والمعنى المُدرك أو المفسّر وتأويلاته لدى المتلقّي”، وأشار بذلك في مقاله خطاب الكراهية والسؤال المؤلم، وفي ذات المقال عرّج الأستاذ أنطونيوس إلى تعريف أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة أكسفورد كوهين ألماغور والذي يربط خطاب الكراهية بمفاعيل السلوك، ويرى ألماغور بأن “خطاب الكراهية خطاب حرّضه التحيّز، العداء، والشّر ويستهدف شخصاً أو مجموعةً من الأشخاص بسبب بعض الخصائص الفطريّة الحقيقيّة أو المتصوّرة. وهو خطاب يعبّر عن مواقف تمييزيّة أو مرفوضة أو معاديّة أو متحيّزة تجاه تلك الخصائص، وهو ناتج عن خوف منها في أغلب الأحيان، ومن هذه الخصائص الجنس والعرق والدّين والإثنيّة واللون والأصل القوميّ والإعاقة والميل الجنسيّ”، ومن خلال قراءة التاريخ والصراع المحتدم بين البشرية فإن ميشيل فوكو أشار في كتابه تاريخ الجنسانية، بأن التاريخ يعلمنا بأن الخطاب هو ما تدور حوله الصراعات وهو الذي يدور الصراع حوله وهو الذي يحرك لغة النزاع، وهذا يقودنا إلى خلاصة تاريخية مرتبطة بسياقات النزاعات، وهي أن البشر قد يعيشون ركودا سلميّا إلى أن تصعد الممارسات والأفكار إلى صورة خطاب، فالبشر أحياناً لا يتنازعون عن المسكوت عنه، بل يحركهم الخطاب للتطرف في أرض الواقع، وكلما تنامت الكراهية من خلال الخطاب استفحل الصراع على الواقع باعتبار خطاب الكراهية أحد المغذيات الأساسية للاقتتال.

يذكر في هذا الصدد الباحث بدر العبري في كتابه فقه التطرف أن “التعصب هو العصبية للذات، والاستعلاء على الغير، وعدم قبول الآخر حيث يتصور ما يقوله الحق وحده، وما عند غيره الباطل لا شك فيه”، ومن هذه المقولة نستطيع أن نستنتج بأن لخطاب الكراهية مقدمات، ومنها التعصب للرأي الوحدوي الذي يستفرد برأيه بلغة استعلائية متكبرة، يرى فيها نفسه أنه على حق وغيره دون ذلك، وقد يسفر هذا التعصب الذي يعقبه خطاب للكراهية إلى سلوك عدواني يقود لأضرارٍ جسيمة على المجتمعات، وشهدنا على ذلك في منطقتنا بعد تصاعد خطاب الكراهية لعقودٍ طويلة بين الجماعات المتشددة، مما نتج عنه جماعات إرهابية كداعش والقاعدة، وكذلك في الآونة الأخيرة نشهد ذات الخطاب المتطرف في لبنان الذي يؤدي إلى توتراتٍ على الأرض بين من يسمون أنفسهم “بجنود الرب”، “وحزب الله” ممثلاً للطائفة الشيعية، كذلك “أهل السنة”، وقد تفضي هذه التوترات كما يرصد باحثون على أنها ما أن تتصاعد فقد تقود إلى حرب أهلية أخرى، كذلك لا ننسى جماعة التكفير والهجرة التي نشطت في مصر عام ١٩٧١ للميلاد، والتي ساهمت السلطة السياسية في تشكلها وبروز الصراع السلطوي، وهذا القمع كوّن ردة فعل عكسية أدت لسقوط ضحايا ومن أبرزهم الشيخ محمد حسين الذهبي (وزير الأوقاف المصري)، لذلك فمن الواجب أخذ هذه النماذج بعين الواقع المدروس لتجنب مآلات خطاب الكراهية، إذ يجب على الأنظمة السياسية أن تقف على مسافة واحدة بين الجماعات المتعددة، وتكون سلطة القانون حامية لهم دون أخذ حيز الأغلبية أو الأقلية سواء كان ذلك لأطماع سياسية أو اقتصادية، وعلى غرار التعامل مع هذه الظاهرة المتجددة بأغلفة عدة فتارة تكون دينية ومرة جنسية وأخرى عرقية فإن التعامل معها إلى الآن لم يكن عقلانيا في منطقتنا كما يجب، فكثير من السلطات جرّت التعاطف بما يحرك الشّر في الإنسان للتعنصر والتطرف ضد الآخر المختلف، وربما يولد الحل في ترسيخ مفهوم دولة المواطنة بالمبدأ الإنساني البحت الذي يتناسب مع ثقافة المجتمع الواحد والابتعاد عن الصراع تحت مظلة الهويات الجامدة الضيقة أو القوميات العرقية الإقصائية أو الانتماءات الدينية المتزمتة، ويكون القانون هو السلطان الفاصل الوحيد والمنظم الأساسي بين الفئات المتعددة، وتجريم خطاب الكراهية الذي ينهش المجتمعات بالصراعات في السعي لترسيخ هوية واحدة للدولة بدلا من أن تكون التعددية محمية تحت مظلة القانون الذي يكون فاصلاً بين رغبة الاستيلاء على السلطة بشتى أنواعها أو تخريب المنظومة المجتمعية التي تتطور مع المنظومة البشرية ككل بشكلٍ ملحوظ وخصوصاً ونحن نعيش عصر المعرفة السائلة والمعلومة سهلة الوصول والتمكين، ومن الواجب كذلك أن ندرك بأن الإنسان تنبني له حقوق في التعبير عن ذاته كونه إنساناً له حق التفلسف والتحليل كي يصل لجوهر الحكمة والتعقل، وليس من باب الإملاء أن نقول بأن علينا أن ننشغل بالتقدم في المعرفة العميقة بدل الخوض في الصراعات التي تعزِّز الكراهية بين بني الإنسان، ويجب أن نقترب من الإنسان في أصل جوهره “وليس على تفريعات هويته” كما ذكر المفكر صادق جواد سليمان -رحمه الله- في كتاب الإنسان والماهية.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية