خنق المضيق: استراتيجية إيران في صراعها مع الغرب

خنق المضيق: استراتيجية إيران في صراعها مع الغرب

خنق المضيق: استراتيجية إيران في صراعها مع الغرب


01/04/2024

بينما صرح القادة العسكريون، الأمنيون والسياسيون، في إيران أنّ قدرة هذا البلد تجاوزت الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وبات لاعباً دولياً بفعل التواجد العسكري والأمني والإيديولوجي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، تعززت خلال الأعوام الماضية قدرة طهران على التأثير الإقليمي والدولي؛ من خلال تحالفاتها مع ما تسميه محور المقاومة، بل تجاوزت ذلك بحضورها في أمريكا اللاتينية. 

في هذا السياق يأتي تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في 27 شباط (فبراير) الماضي، في اجتماع له مع قوات الحرس الثوري في مدينة عبادان، ذات الأغلبية العربية والمطلة على الخليج العربي: "يجب على الدول الغريبة أن تكون حذرة في تعاملها مع إيران، لأنّ وجودها مكفول بالاعتماد على النفط والأمن". مضيفاً أنّ إيران تهيمن على الممرات المائية الحيوية مثل: مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، والتي يمر عبرها نحو 40% من إمدادات النفط العالمية.

وبالتالي، فإنّ إيران تمتلك القدرة على تهديد الأمن الاقتصادي العالمي؛ من خلال استهداف السفن التجارية وتأمين مرور النفط عبر هذه الممرات المائية. من الواضح أنّ إيران تستخدمها وسيلة لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الدول الغربية والعالم بأسره. وبالتالي، نتساءل في هذا المقال بعد تفكيك الحالات المختلفة لهذه الممرات المائية، ماذا ينبغي للمجتمع الدولي أن يفعل؟ وأيّ الاستراتيجيات يتبنّى لضمان التصدي لهذه الأنشطة؟ وبالتالي حماية حرية الملاحة والتجارة في المنطقة واستقرار الاقتصاد العالمي؟

مضيق هرمز

السيطرة الإيرانية على مضيق هرمز ومنطقة البحر العربي تسلط الضوء على أهم الأهداف التي تتبعها إيران لتحقيق مشروعها في المنطقة. فعبر هذه السيطرة الجغرافية والسياسية وحتى العسكرية، تمتلك إيران وسيلة فعالة لممارسة الضغط على دول الخليج العربية، والمجتمع الدولي بشكل عام. وبالنظر إلى أهمية مضيق هرمز كممر بحري رئيسي لنقل النفط العالمي، فإنّ سيطرة إيران عليه تمنحها قدرة كبيرة للتأثير على أسعار النفط والاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تواجد إيران في بحر عُمان وبحر العرب يمنحها أيضاً القدرة على توجيه التهديدات والضغوط على السفن التجارية والنفطية، ممّا يعزز من تأثيرها وقدرتها على تحقيق أهدافها الإقليمية. من الواضح أنّ استراتيجية إيران تتمحور حول استخدام التهديدات البحرية لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.

مضيق باب المندب 

من المعروف أنّ إيران تولي اهتماماً كبيراً لمضيق باب المندب، ولمنطقة البحر الأحمر، نظراً لأهميته الاستراتيجية كمضيق بحري رئيسي يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. وبالفعل، فإنّ دعم إيران لمجموعات الحوثيين في اليمن؛ يعزز من تواجدها وتأثيرها في هذه المنطقة الحيوية. ويشمل هذا مراقبة مضيق هرمز وتوسيع نفوذها إلى باب المندب. كما أنّها من خلال هذا التواجد تستغل نفوذها لزيادة الضغط على إسرائيل وتحقيق مكاسب استراتيجية. وبالنظر إلى أهمية الممرات المائية للاقتصاد الإسرائيلي، فإنّ السيطرة على باب المندب يمكن أن تمثل تهديداً مباشراً للأمن الاقتصادي والاستراتيجي لإسرائيل.

البحر المتوسط

في السياق نفسه، ومنذ بداية الثورة الإيرانية في 1979، سعت إيران لتصدير الثورة في المنطقة، وعمدت من خلالها لتعزيز مشروعها الجيوسياسي المحكم من أجل رسم الهلال الشيعي، والذي يمر عبر العراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى شواطئ البحر المتوسط للهيمنة عليه، ويهدف هذا التوجه لتحقيق هدفين أساسيين: الأول تعزيز نفوذها الإقليمي، ودعم حلفائها في سوريا ولبنان، وتوسيع الضغط على دول الخليج والدول العربية الأخرى. الأمر الثاني، كما أسلفنا أعلاه، الضغط على إسرائيل التي تعتمد على الموانئ بشكل شبه تام لدعم اقتصادها عبر البحار، وبذلك سيكون التواجد الإيراني هناك عامل ضغط على إسرائيل، وبالمحصلة تركز إيران أيضاً على تعزيز قدرتها البحرية؛ لتأمين مصالحها الاستراتيجية، وتحقيق توازن القوى في المنطقة، بما في ذلك تحقيق التواجد البحري.

مضيق جبل طارق

استكمالاً لهذا المشروع، قامت إيران بالتمدد نحو الشمال الأفريقي، وتحالفت مع الكثير من القوى المعارضة خاصة في المملكة المغربية، حيث إنّها حاولت، مثلاً وليس حصراً، عبر التركيز على دعم جبهة البوليساريو، توسيع نفوذها إلى منطقة المحيط الأطلسي، والسيطرة على المضيق الاستراتيجي لجبل طارق، ومن خلال هذه الاستراتيجية، تحاول إيران تعزيز مكانتها كقوة إقليمية وعالمية، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، ومن الواضح أنّ إيران تنظر إلى الممرات البحرية كأدوات استراتيجية لتعزيز قدرتها وتحقيق أهدافها، وبذلك سيطرت على المضائق الدولية، وهي فعلياً تستطيع تهديد اقتصاد وأمن الدول الغربية، كما صرح قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وهذا يستدعي التفكير بعناية في الاستجابة لتحدياتها والعمل على حماية حرية الملاحة والتجارة العالمية. 

وعليه يمكن أن نستخلص أنّ الحضور الإيراني بهذه الممرات المائية، والذي يعتمد على استراتيجيات غير متناظرة، لا يعتمد على حاملات الطائرات والبوارج العسكرية، بل على الميليشيات الخارجة على القانون والانقلابية أو المعارضة في هذه البلدان، ذلك أنّها سوف تغذي مشروعها السياسي بمزيد من القوة؛ ممّا يعقد معالجة هذه القضايا الشائكة بالسبل الديبلوماسية. من هنا فإنّ أيّ تساهل عربي أو دولي مع هذه السياسات؛ سيودي بالضرورة إلى تعزيز وتراكم هذه القنبلة الموقوتة، التي ستنفجر مع أول أزمة سياسية أو عسكرية في إيران. وما لنا بالنهاية إلا أن ننهي المقال بهذا السؤال: هل من منتبه؟

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية