خيرٌ للشباب الليبي أن يتزوّجوا من أن ينضموا للميليشيات

خيرٌ للشباب الليبي أن يتزوّجوا من أن ينضموا للميليشيات


كاتب ومترجم جزائري
19/03/2022

ترجمة: مدني قصري

العديد من الشباب الليبيين الذين عانوا من البطالة وعواقب سنوات الحرب لم يعد بإمكانهم التمتّع بترف الزواج، لقد تجاهلتهم الحكومات الانتقالية المتعاقبة لفترة طويلة، لكنّهم اليوم صاروا في مركز الاهتمام، حيث يتلقّون مِنح الزواج، والأرض وشقق السكن من قبل حكومة وحدة وطنية تخشى في آنٍ يأسَهم وقدرتَهم على التمردّد والاحتجاج.

لفهم القليل ممّا يحدث في ليبيا خارج العناوين الرئيسة، لا بدّ من الانتباه إلى "مَن يتزوج هناك ولماذا؟"، بعد مرور أكثر من عقد على انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي أصبحت الزيجات مسألة مهمّة في البلد الذي حكمه القذافي 42 عاماً، يوظّف أبناء وبنات النخبة الليبية، بما في ذلك العديد من الأثرياء الجدد "أغنياء ما بعد 2011"، منظمّي ومنظِّمات الزواج لإقامة حفلاتِ زواج فخمة داخل البلاد أو في الخارج.

في هذا الشأن قالت إحدى مُنظِّمات الزواج في طرابلس: "إنّه عمل مربح"، موضّحة تفاصيل مطالب عملائها الباهظة: هناك مطربات مشهورات يحيين حفلات الزفاف هذه، وأشهرهنّ المغنية فاطمة الحمصة، التي اعتقِلت لأكثر من عام من قبل إحدى ميليشيات طرابلس القوية المعروفة باسم الردع، ويطلبن آلاف الدنانير الليبية مقابل إحيائهنّ حفلات الزفاف هذه.

مساعدات مالية غير كافية

لكنّ مثل هذه الاحتفالات المبهجة بعيدة المنال بالنسبة لمعظم الذين بلغوا سن الرشد في ليبيا ما بعد القذافي؛ فكثيرون من الشباب الذين يعانون بالفعل من البطالة وعواقب سنوات الحرب لا يستطيعون تحمّل أعباء الزواج، ففي السنوات الأخيرة ارتفع عددُ الشباب الليبيين الذين يؤخرون الزواج وتكوين أسرة، وهاتان علامتان تقليديتان لمرحلة البلوغ في المجتمع، وتشير الأرقام الرسمية إلى أنّ متوسط ​​سنّ الزواج هو 34,4 للرجال و 30,1 للنساء، وتُعزى هذه الزيادة جزئياً إلى أنّ المزيد من الليبيين، خاصة النساء، يتابعون دراساتهم لفترات زمنية أطول، لكنّ تكلفة الزواج الباهظة تظل عاملاً رئيساً أيضاً.

اقرأ أيضاً: ليبيا: بين باشاغا والدبيبة... أين تقف أنقرة؟

لكن لماذا الموضوع بهذا القدر من الأهمية؟ ليبيا بلدٌ شاب بشكل مدهش؛ فأكثر من نصف سكانها دون سنّ الثلاثين، وهو واقع يمثل تحديات وفرصاً في آنٍ واحد. ناهيك عن أنّ الشباب الليبي يمثل أيضاً فئة ديموغرافية تم تجاهلها إلى حدّ كبير من قبل الحكومات الانتقالية المتعاقبة منذ سقوط القذافي، لكن هناك بعض الدلائل على أنّ الأمور بدأت تتغير.

عام 2021، أطلقت سلطةٌ مؤقتة تمّ تعيينها كجزء من عملية حوار الأمم المتحدة والمعروفة باسم "حكومة الوحدة الوطنية" سلسلة من المبادرات التي وصفها النقاد بأنّها مبادرات شعبوية جدّ صارخة، ومن بين هذه المبادرات ما عُرف بـاسم "برنامج بدل الزواج"، في إطار هذا البرنامج يمكن للمتزوجين حديثاً التقدّم بطلب دفعة واحدة بقيمة 40 ألف دينار (حوالي 7700 يورو)، وكان الصندوق مزوَّداً في البداية بميزانية قدرها مليار دينار (200 ألف مليون يورو)، وقد حظي بالكثير من الدعاية، بما في ذلك من خلال حفل زفاف جماعي أقيم وسط طرابلس، في أيلول (سبتمبر) 2021، وبعد ثلاثة أشهر أعلن رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة أنّه تمّ تخصيص مليار دينار إضافي للصندوق، وحتى هذا اليوم تقدّم عشراتُ الآلاف من الليبيين بطلب الحصول على منحة الزواج التي أصبحت أكثر من أيّة مبادرة أخرى رمزاً لحكومة الوحدة الوطنية، كما أقرّ مجلس النواب الليبي مشروع قانون يمنح ما يصل إلى 50000 دينار ليبي (9750 يورو) لكل أسرة، باستثناء الأشخاص الذين حصلوا على منحة الزواج من حكومة الوحدة الوطنية، واللافت أنّ هذا حدثَ بعد أن سحب مجلس النواب دعمه لحكومة دبيبة، في أيلول (سبتمبر) الماضي.

لعب الشباب الليبي دوراً رئيساً في الانتفاضة التي أطاحت القذافي، وهو ما يذكرنا بأنّه حتى إن تمّ إهمالهم وتهميشهم، فهم مع ذلك قادرون ليس فقط على التحدّي

يقول معارضو نظام بدل الزواج إنّه ليس حلاً دائماً للأزمة المجتمعية؛ إذ يرون أنّ لها جذوراً أعمق وأكثر هيكلية؛ "هل تعالَج مسألة الزواج من أجل رفاهية شبابنا؟ بالتأكيد"، هذا ما قاله رجل أعمال ليبي بارز قبل أن يضيف: "لكنّ معالجة مسألة الزواج بهذه الطريقة هراء اقتصادي".

ويصرّ البعض على القول إنّ هذا البرنامج سيؤدي حتماً إلى زيادة في عدد حالات الطلاق، لأنّ احتمال الحصول على أموال سيشجع الشباب على الزواج دون التفكير كثيراً في المدى الطويل، وبالنسبة إلى آخرين فقد أدى بالفعل إلى زيادة عدد الزوجات المراهقات، ومن بعضهن قاصرات، وفوق ذلك فقد أدّت مزاعم الفساد إلى تشويه المبادرة منذ البداية.

الزفاف بدلاً من الميليشيات

لكنّ العديد من الليبيين الآخرين يدعمونه؛ في هذا الشأن قال طبيب أسنان في طرابلس: "خيرٌ لشبابنا أن يتزوّجوا من أن ينضموا إلى الميليشيات"، وتُذكرنا هذه الحجة بما قاله رئيس الوزراء، عام 2014، ففي رأيه أنّ حلّ مشكلة الزواج هو مفتاح حلّ مشكلة الميليشيات في ليبيا، حيث قال: "هذه هي الصيغة المناسبة لليبيا: الخوف والجشع والحبّ والجنس"، "إذا كنت تعرف كيف تحلّ هذه المشكلات الأربع يمكنك حلّ المشكلات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية".

 

اقرأ أيضاً: كيف سيدخل العاصمة طرابلس؟.. باشاغا يستجيب للدعوات الدولية

تقول ماري فيتزجيرالد، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: "النواب الليبيون، ومعظمهم من الشباب من المجتمع المدني، الذين التقيتُ بهم في منتدى عوالم البحر الأبيض المتوسط ​​الأخير في مرسيليا، منقسمون حول مسألة الزواج؛ لقد رحّب البعض بحقيقة أنّ معضلة الزواج المتأخر التي يواجهها العديد من الشباب تتمّ معالجتها، على الرغم من اعترافهم بأنّ الفساد مشكلة قائمة وخطيرة"، وأضافت الباحثة: "كان أحد المشاركين أكثر تشكيكاً، في كانون الأول (ديسمبر)، تعرّض دبيبة لانتقادات واسعة من قبل الناشطات النسويات عندما قارن في نقاش عام حول بدل الزواج، النساءَ بالسلع الموجودة في السوق".

وفيما وراء الجدالات القائمة حول هذا البرنامج والقرارات الحكومية الأخرى أظهرت استطلاعات الرأي في أواخر العام الماضي؛ أنّ دبيبة مرشّح محتمَل للانتخابات الرئاسية، المقرّر إجراؤها في 24 كانون الأول (ديسمبر)، على الرغم من أنّه التزم في السابق بعدم الترشح، ولعلّ لاعتقاده أنّ نجاحه يعادل نهجه الشعبوي فقد أعلن منذ ذلك الحين عن زيادة أخرى في ميزانية الزواج، كما أنّه يغازل ويلاطف الشباب بطرق أخرى؛ فعلى سبيل المثال، في الذكرى السنوية لاندلاع انتفاضة 2011، في شباط (فبراير)، أعلن أنّ حكومة الوحدة الوطنية ستوزّع 50000 قطعة أرض على الشباب في جميع أنحاء البلاد، وأنّها ستمنح 100000 شقة تحت الإنشاء والتي يجري تمويلها بقروض حكومية.

رهان مهمّ على الانتخابات المستقبلية

دبيبة ليس الشخصية السياسية الوحيدة التي تهتم بالشباب، حتى لو كانت حكومته هي الأولى، منذ عام 2011، التي لا تكتفي بالاستجابة لاحتياجاتهم من طرف اللسان؛ فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق الذي اختاره مجلس النواب كرئيس للوزراء، في 10 شباط (فبراير)، وتمت الموافقة على حكومته في تصويت متنازع عليه، في 1 آذار (مارس)، تفاعل مع الشباب الليبيين، خلال المحادثات على موقع "Clubhouse" والمنتديات الأخرى عبر الإنترنت؛ لقد سعى إلى تسليط الضوء على ماضيه كعضو في الكشافة، وهي منظمة المجتمع المدني الوحيدة المسموح لها بالعمل في عهد القذافي، وما تزال تحظى بشعبية كبيرة.

اقرأ أيضاً: من جنسيات عربية... غرق مهاجرين انقلب زورقهم قبالة سواحل ليبيا

 قد يكون لتركيز دبيبة وباشاغا على الشباب علاقة بحقيقة أنّ كلا الفريقين يضمّ شباباً لعبوا أدواراً بارزة في منظمات المجتمع المدني، وفي شرق ليبيا كان خليفة حفتر؛ حيث كان القائد الميداني الذي أحدثت محاولتُه الفاشلة للاستيلاء على طرابلس، عام  2019، أكثر من عام من القتال، قد عيّن ابنه الصدّيق للإشراف على تعبئة الشباب.

هذا الاهتمام بالشباب منطقي، ليس فقط عند النظر إلى المسار الديموغرافي لليبيا، لكن أيضاً عند النظر إلى الأرقام الصادرة عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في البلاد عن العام الماضي؛ فهي تبيّن أنّ 50٪ من الناخبين المسجلين حديثاً تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً.

السنّ القانونية للاقتراع لكلّ من الرجال والنساء هي 18 عاماً، وعلى الرغم من أنّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان من المقرّر إجراؤها في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي ربما تم تأجيلها  إلى أجل غير مسمى، بسبب الجدل السياسي المستمر حول إطارها القانوني والدستوري، إلا أنّ هذه المجموعة من الشباب، التي ستشارك في الانتخابات للمرّة الأولى، ستظل تحتفظ بأهميتها ودورها، بغضّ النظر عن الزمن الذي سيُجرَى فيه الاقتراع. الارتفاع الأخير في تسجيل الناخبين على قوائم الانتخابات يناقض مشاركة الشباب في الانتخابات الوطنية الأخيرة التي أجريت عام 2014، عندما انزلقت ليبيا في حرب أهلية، ففي ذلك العام سجل أقلّ من 30٪ من إجمالي عدد الليبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، ممّن يحقّ لهم التصويت، أسماءهم على قوائم الاقتراع في الانتخابات التي أدّت إلى ميلاد مجلس نوابٍ مختلّ وظيفياً للغاية.

تجديد الأمل

منذ ذلك الحين ساءت الأوضاع كثيراً. ففي مقال نشرته مبادرة الإصلاح العربي (ARI) مؤخراً، وجدت الباحثة الليبية أسماء خليفة أنّ عام 2014 كان عاماً محورياً بالنسبة للشباب الليبيين الذين قابلتهم، حتى أكثر من عام 2011، فقد كتبت: "سجّل 2014 منعطفاً أحدث تحوّلات لا رجوع عنها وفقداناً للأمل في مستقبل البلاد".

رئيس وزراء ليبي: هذه هي الصيغة المناسبة لليبيا: الخوف والجشع والحبّ والجنس، إذا كنت تعرف كيف تحلّ هذه المشكلات الأربع يمكنك حلّ المشكلات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية

 سنواتٌ من الصراع الأهلي تمخضت عن أوضاع حياتية مضطربة ومتقطعة، وآمالٍ محبطة وآفاق ضيّقة أمام الشباب الليبي، لقد قال خليفة: "في مواجهة الصدمات النفسية الكبيرة وفي حالة دائمة من عدم اليقين وعدم الاستقرار فإنّ الشباب لديهم أمل ضئيل في المستقبل وقدرة قليلة على التخطيط لحياتهم"،" فالشعور السائد هو أنّهم ليسوا في أمان ولا يمكنهم الاستقرار بشكل دائم لأنّهم يخشون أن ينهار كلّ شيء".

اقرأ أيضاً: ليبيا: خلافات سياسية واصطفافات عسكرية وتحريض... فهل تشتعل الجبهات الغربية؟

لعب الشباب الليبي دوراً رئيساً في الانتفاضة التي أطاحت القذافي، وهو ما يذكرنا بأنّه حتى إن تمّ إهمالهم وتهميشهم، أو أنّهم لم ينخرطوا في السياسة، فهم مع ذلك قادرون ليس فقط على التحدّي، ولكن أيضاً على التعطيل وإحداث البلبلة، أو حتى على الإخلال بالوضع القائم. في آب (أغسطس) 2020، فوجئت السلطات في طرابلس وشرق ليبيا عندما تكاثفت  مسيرات مكافحة الفساد بسرعة فائقة لتصبح أكبر احتجاجات وطنية منذ عام 2011؛ لقد لعب الشباب دوراً ريادياً، كمنظّمين ومشاركين، في هذه الاحتجاجات.

حتى هذه الساعة، ما تزال ليبيا تواجه احتمال وجود حكومات متنافسة، حيث يصرّ دبيبة على بقاء حكومة الوحدة الوطنية قائمة حتى إجراء الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق من هذا الشهر، فيما يريد باشاغا تنصيب حكومته في طرابلس في أقرب وقت ممكن؛ فالحال أنّه مع تطور التحالفات هناك خطر أن تدفع هذه الأزمة السياسية الجديدة البلاد إلى صراع مسلح.

فيما وراء الوضع الحالي يجب أن يضع أيّ برنامج مستقبلي لليبيا شبابَ البلاد في قلب اهتماماته؛ يجب أن يشمل هذا البرنامج سياسات اقتصادية تهدف إلى الحدّ من بطالة الشباب وتحسين قدرتهم الشرائية، وإلى تحقيق إصلاح تعليمي لإعدادهم لسوق العمل، وإنجاز إصلاح شامل للقطاع الطبي لتلبية احتياجات جيل الشباب بشكل أفضل، لا سيما فيما يتعلق بالصحة العقلية؛ إنّ مسألة الزواج ليست سوى جزء من المعادلة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine

https://orientxxi.info/magazine/la-jeunesse-libyenne-reve-de-mariage,5407




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية