خُطّة للسلام في أوروبا

خُطّة للسلام في أوروبا


كاتب ومترجم جزائري
26/03/2022

ترجمة: مدني قصري

يجب أن يكون لحلف الناتو هدف إستراتيجي يتمثل في إسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستبداله بقائد أقل خطورة، وإن تعذّر ذلك يجب أن يفرض العملُ الدبلوماسي والاقتصادي الغربي قيوداً صارمة على الأوليغارشية الروسية ومعاناة المواطنين العاديين، يجب أن تؤدي هذه المغامرة إلى انهيار النظام الروسي من الداخل.

يشكّل وجود بوتين في السلطة تهديداً دائماً لحلف الناتو وأوروبا والعالم، ويسمح القانون الروسي له بالاحتفاظ بالسلطة حتى عام 2036 على الأقل، أكثر من الوقت الكافي لإعادة إنشاء الاتحاد السوفيتي بشكل أو بآخر، وإعادة تشكيل روسيا لتصبح قوة عظمى، والتصدي للناتو، وتنظيم هيمنة موسكو على جيرانها الشرقيين، والآن ها هو بوتين يدعو إلى نزع السلاح النووي في أوروبا.

قد تكون أهداف بوتين التالية مولدوفا أو دول البلطيق، التي يبدو أنّه يعدّها، على غرار أوكرانيا، بلداناً غير شرعية، وأنّها تقع في نطاق النفوذ الروسي، إذا كان الغرب يرغب في تجنب المزيد من المعاناة وإراقة الدماء فإنّ عليه أن يبذل قصارى جهده لضمان فشل العدوان الروسي.

في الوقت الحالي، تتصرف الدول الأعضاء في الناتو بطريقة منسقة وبنظام عقوبات غير مسبوق يدفع الاقتصاد الروسي إلى حافة الهاوية، لوضع حدّ لطموحات بوتين الأوسع نطاقاً، من الضروري أيضاً أن يساعد الناتو في الحفاظ على الجيش الأوكراني، وتمويل مجهوده الحربي، وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية للقوات الأوكرانية.

المطلوب صياغة رسالة قوية وصارمة تذهب إلى ما وراء روسيا، فالرئيس الصيني شي لديه طموحات إقليمية أكبر من طموحات بوتين، وهي تتفاعل اليوم في عدة قارات

ففي حالة فوز بوتين، البعيد عن الاحتمال، يجب تقديم دعم سريع للمقاومة الأوكرانية بتزويدها بالأسلحة والاستخبارات والمراقبة والقدرات الهجومية السيبرانية، وإرسال مستشارين سريّين، يجب أن تغرق موسكو في مستنقع أوكرانيا مع عودة طوفان من أكياس الجثث إلى روسيا (بدلاً من "الاختفاء" بشكل غامض في محرقة الجثث الكئيبة المتنقلة، التي، كما يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنّها ترافق القوات الروسية) في طبيعة الحال لا أحد يفرح برؤية المجنّدين الروس يموتون، لكنّ الخسائر الفادحة يمكن أن تردع المزيد من العدوان وتزعزع استقرار نظام بوتين.

عقوبات ظلت تتلاشى

حتى هذا اليوم كان الغرب يفرض عقوبات ظلت تتلاشى تدريجياً كلما ازداد الوضع استقراراً، هذا ما حدث عام 2014، عندما غزا بوتين شبه جزيرة القرم، وهذا ما يحدث مع إيران التي تهاجم لجيرانها في الشرق الأوسط وتضع اللمسات الأخيرة لبرنامج أسلحة نووية، يجب ألا يحدث هذا مع بوتين.

 يجب على الدول الغربية أن تجعل عقوباتها وجميع الإجراءات الانتقامية الأخرى دائمة، يجب أن تصل هذه العقوبات إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية، وحظر الصادرات، وإغلاق الموانئ والأجواء والمطارات، وكذلك إقصاء الفرق الروسية من جميع المسابقات الرياضية وجميع الفعاليات الثقافية والعلمية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

اقترح البعض أن تفرض الدول الغربية برفض دخول أيّ مواطن روسي إلى أراضيها، واقترح آخرون إخلاء الموجودين في هذه البلدان، لكنّ مثل هذا الإجراء ليس له من مفعول سوى معاقبة الروس العاديين الذين لا يبالون اليوم بالعقوبات التي تعاقب حفنة من الأوليغارشية البعيدة.

 

اقرأ أيضاً: تداعيات الأزمة الأوكرانية على المسألة الإيرانية

إنّ الحرب التي تشنها روسيا عدوانٌ في نظر القانون الدولي، مع تفاقم طابع عدم شرعيتها بحكم التقارير العديدة التي تصل بخصوص جرائم الحرب التي ترتكب على الأراضي الأوكرانية، مع مزاعم الاستهداف المتعمد ضدّ السكان المدنيين. من المرجّح أن تستمر هذه الجرائم وتتزايد، يجب أن تكون كلّ هذه الفظائع موضوع جرد منهجي لتقديم المسؤولين عنها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مع توجيه اتهام إلى القادة الروس بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.

التهميش الكامل لروسيا سيكون مكلفاً، وكذلك إعادة تأهيلها. لكن على الرغم من أنّ التكاليف ستكون خيالية؛ فهي الحلّ الأكثر اقتصاداً من حيث حجم الدولارات وحجم الأرواح

باختصار، يجب أن تهدف سياسة العزلة إلى تحويل روسيا إلى دولة منبوذة ليس فقط مع تطور غزو أوكرانيا، لكن طالما دعت الضرورة لذلك فسيكون لهذه العقوبات تأثير العدّ التنازلي؛ لأنّ روسيا ستردّ بعقوباتها وقيودها الخاصة، لكن يمكن تخفيف صعوباتنا من خلال التخلص التدريجي من اعتمادنا على منتجات الطاقة الروسية، وبزيادة إمداداتنا من شمال أفريقيا والبحر الأدرياتيكي والبحر الأبيض المتوسط، كما يمكن للولايات المتحدة تقليل اعتمادها من خلال إحياء خط أنابيب كيستون "Keystone"، أكبر موزع للنفط في العالم، والذي أغلقه الرئيس جو بايدن في اليوم الأول من ولايته، وأيضاً عن طريق إحياء الغاز الصخري والنفط وبناء محطات طاقة نووية.

 

اقرأ أيضاً: ما موقف الأمريكيين من تدخل بلادهم في أزمة أوكرانيا؟

قد يميل بوتين إلى الانتقام من الدول الغربية من خلال أعمال الحرب الإلكترونية والاغتيالات التي تعدّ علامته التجارية؛ لذلك من المهم تطوير دفاعاتنا الإلكترونية وقدراتنا الاستخباراتية وجميع قدراتنا الهجومية الأخرى لمواجهة وإلحاق أضرار جسيمة بوكالات التجسس الروسية.

الحزب الشيوعي الصيني

سيخفّف الحزب الشيوعي الصيني من آثار المقاطعة المفروضة على روسيا، لقد تعهّدت الصين بالفعل بشراء منتجات الطاقة الروسية، التي لم تعد تجد مكاناً لها في أوروبا. يشعر البعض بالقلق من أنّ العقوبات الغربية الكثيرة ستدفع روسيا إلى أحضان الصين، لكنّ التقارب حدث بالفعل: روسيا هي المستفيد الرئيس من الدعم المالي الصيني في العالم، ناهيك عن أنّ بوتين وشي مرتبطان باتفاق عسكري.

يجب أن تهدف سياسة العزلة إلى تحويل روسيا إلى دولة منبوذة

في غضون ذلك، يتعين عادة بناء جيوش الناتو، كما وعدت ألمانيا بذلك لتوّها، ونشرها بوضوح في شمال وشرق أوروبا، في جميع البلدان التي تجد نفسها في خط رؤية بوتين المباشر. قررت بريطانيا، على سبيل المثال، العام الماضي، زيادة خفض عدد الدبابات ووحداتها من المشاة، لا ينبغي التراجع فقط عن هذه التخفيضات بل يجب عكسها، وتجب إعادة بناء جميع القوات العسكرية إلى مستويات الحرب الباردة في الثمانينيات.

 

اقرأ ايضاً: الإمارات تُحذر من تبعات الأزمة الأوكرانية

فحينما يطلب بوتين انسحاب قوات الناتو يجب أن تظلّ هذه القوات متواجدة ومرئية بوضوح، وقد يعدّها البعض استفزازاً لكنّها في الواقع علامة على وجود سلطة، لأنّ الردع يجب أن تكون له الأسبقية على التهدئة. يزعم بوتين أنّ الناتو يهدّده، لكنّ اتهاماته، وهو يدرك ذلك جيداً، قائمة فقط كذريعة لطموحاته الإقليمية ومخاوفه من أنّ الحرية والازدهار الغربيَّين سوف يقوّضان سلطته على الشعب الروسي.

يعرف بوتين أنّ الناتو تحالف دفاعي بحت لا يهدّد روسيا، إذا كان الناتو، الذي أضعفته كارثة بايدن في أفغانستان، يريد استعادة مصداقيته السابقة فإنّ عليه أن يستعيد قوته، قوته العسكرية تحديداً، وكذلك إرادته السياسية لاستخدامها.

من المحتمل ألّا ترغب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في إسقاط بوتين، أو ربما تجد صعوبة في تحقيق ذلك، فإذا تُرك تغيير النظام لقوى الداخل، إضافة إلى الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية والقانونية ضدّ روسيا والمسؤولين عن هذه الحرب، فسيتعيّن علينا عندئذ أن ندعم ونشجع إلى أقصى حدّ كلّ الخلفاء المحتمَلين لبوتين والذين نلتمس فيهم الاعتدال.

أليكسي نافالني، خصم بوتين الرئيسي

لا ينبغي التقليل من أهمية الصعوبات. أليكسي نافالني، خصم بوتين الرئيسي الذي حاولت أجهزة الأمن في موسكو اغتياله مع نوفيتشوك، موجود في السجن وحركته السياسية محظورة. لقد أعرب ديمتري موراتوف، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي عن كفاحه من أجل حرية التعبير في روسيا، عن أسفه مؤخراً لعدم تمكّن أيّ شخص من وقف عدوان بوتين في أوكرانيا، وسرعان ما تم إبعاد المسؤولين الكبار القلائل الذين حاولوا الاعتراض على الاستعدادات للغزو، لقد كان الجنرالات مطيعين، ومجلس الدوما ومجلس الاتحاد مليئان بالمطيعين الأتباع.

يعرف بوتين أنّ الناتو تحالف دفاعي بحت لا يهدّد روسيا

قبل الغزو، وبينما كان بوتين ينفي نواياه العدوانية قامت أمريكا وبريطانيا بتوعية العالم من خلال الإفراج عن معلومات استخباراتية، نستطيع أن نثير المعارضة باستخدام الأسلوب نفسه؛ أن نكشف للشعب الروسي، بلا هوادة، إجرام بوتين وفساده ونظام حكم اللصوص، يمكننا شنّ حرب اقتصادية وقانونية حازمة ضدّ الأوليغارشية الروسية لحملهم على الانقلاب على بوتين والقيام بثورة في القصر.

رسالتنا إلى الشعب الروسي يجب أن تكون واضحة: لن نقبل أو نسمح بأيّ عمل حربي من قبل بوتين في أوروبا القرن الحادي والعشرين ، وسننشر جميع الوسائل اللازمة للقضاء على الخطر، نحتاج أيضاً إلى توضيح أنّه بمجرد القضاء على الخطر سنكون كرماء مع الشعب الروسي، وسنرحّب به بحرارة في عالم مبني على القواعد ونشجعه على الاقتراب أكثر من أوروبا والغرب إذا رغب في ذلك.

ويجب أن نكون مستعدين أيضاً لتقديم دعم اقتصادي،  على شكل خطة مارشال العصور الحديثة.

إنّ التهميش الكامل لروسيا سيكون مكلفاً، وكذلك إعادة تأهيلها. لكن على الرغم من أنّ التكاليف ستكون خيالية؛ فهي الحلّ الأكثر اقتصاداً من حيث حجم الدولارات وحجم الأرواح. لا يمكن أن تكون المخاطر أعلى.

قبل أيام قليلة أصبحت روسيا الدولة الأولى التي تهاجم محطة للطاقة النووية، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مخاطر كارثية وبشرية وبيئية لا توصف، في الأسبوع الماضي وجه بوتين للغرب تهديدات نووية جدّ واضحة.

 

اقرأ أيضاً: الحرب الأوكرانية تعيد ملف الأسلحة البيولوجية إلى الواجهة.. ماذا تعرف عنها؟

كثيراً ما تُذكّرنا إسرائيل بإيران؛ فعندما يهدد زعيم ما شعباً بالإبادة يجب أن يؤخذ تهديده على محمل الجد، إذا اختار العالم في ثلاثينيات القرن الماضي القضاء على هتلر بدلاً من استرضائه، لكنّنا ربما تجنبنا رعب الحرب العالمية التي قتلت 70 مليون شخص.

الأمر الذي ينبغي أن يلحّ على الغرب الآن هو صياغة رسالة قوية وصارمة تذهب إلى ما وراء روسيا، فالرئيس الصيني شي لديه طموحات إقليمية أكبر من طموحات بوتين، وهي تتفاعل اليوم في عدة قارات، أوكرانيا في عهد شي هي تايوان، ولا يُستبعد أن تؤدي كارثة الديكتاتور الروسي إلى ردع صديقه في بكين.

*العقيد ريتشارد كيمب، قائد سابق في الجيش البريطاني. ترأّس خلية مكافحة الإرهاب داخل مكتب مجلس الوزراء في المملكة المتحدة، وهو الآن كاتب ومحاضر في الشؤون الدولية والعسكرية. وهو زميل في مؤسسة جاك روث الخيرية بمعهد "جيتستون  "Gatestone Institute".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

fr.gatestoneinstitute.org

https://fr.gatestoneinstitute.org/18316/plan-paix-europe




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية