دخول الحركة "الشعبية" الحرب السودانية كطرف ثالث... هل قرأ "الحلو" من كتاب "البرهان"؟

دخول الحركة (الشعبية) الحرب السودانية كطرف ثالث... هل قرأ (الحلو) من كتاب (البرهان)؟

دخول الحركة "الشعبية" الحرب السودانية كطرف ثالث... هل قرأ "الحلو" من كتاب "البرهان"؟


24/06/2023

لا أحد ينسى كيف اغتنم قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان لحظة انشغال الجيش الإثيوبي بحرب التغراي (شمال)، ليعلن بدء العمليات العسكرية لتحرير منطقة الفشقة، بولاية القضارف (شرق السودان) المتاخمة لإثيوبيا والمتنازع عليها معها، فيما اعتبر قائد الجيش الإثيوبي برهانو غولا ما فعله البرهان طعنة في الظهر وغدراً، مُضيفاً "أنّ بلاده ليست في وضع يسمح لها بالدخول في حرب مع جيرانها؛ لأنّها تقاتل متمردين في الشمال".

ربما قرأ قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال ـ عبد العزيز آدم الحلو من كتاب البرهان، عندما استغلت قواته المتمردة على الحكومة منذ عقود طوال، والتي ظلت في حالة هدنة ووقف لإطلاق النار مع الخرطوم منذ سقوط نظام البشير، وإن رفضت التوقيع على أيّ اتفاقية للسلام معها، استغلت انشغال الجيش السوداني بالحرب على قوات الدعم السريع فغادرت مكامنها ومعاقلها حول مدينة كاودا بولاية جنوب كردفان (جنوب) التي تبعد عن كادوقلي عاصمة الولاية حوالي (96) كيلومتراً، وعن العاصمة السودانية الخرطوم نحو (548) كيلومتراً، عندما هاجمت قواته وحدات عسكرية تابعة للجيش السوداني في مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان واستولت على معدات وآليات ـ بحسب زعمها وشهود عيان من المنطقة - ووضعت طوقاً حول المدينة، فيما قال الجيش إنّه تصدّى للهجوم، لكنّه تكبّد خسائر.

مأزق الجيش

ولم تمضِ عدة أيام حتى هاجمت قوات الحركة الأربعاء المنصرم مدينة (الدلنج) ثاني أكبر مدن الإقليم، وقطعت الطريق الرئيس بينها وبين عاصمة الولاية، فيما هاجمت قوات الدعم السريع بالتزامن معسكر طيبة التابع للجيش السوداني ببلدة الدبيبات، وفرضت سيطرتها عليه الخميس 22 حزيران (يونيو)، بحسب بيان صادر عن الدعم السريع مشفوع بمقطع فيديو.

ويعتقد مراقبون أنّ دخول الحركة (الشعبية) ساحة الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سيفاقم المتاعب على قيادة الجيش التي تخوض معركة (كسر عظم) داخل العاصمة الخرطوم منذ 15 نيسان (أبريل) في حرب ظنّت أنّها ستحسمها خلال يومين فقط من تاريخ اندلاعها، خصوصاً أنّها حاولت قبل اندلاع الحرب بشهور استمالة الحركة الشعبية لخوض الحرب ضد الدعم السريع التي يبدو أنّها كانت تُخطط لها منذ وقت طويل، إذ كشف مقطع فيديو لنائب رئيس الحركة الشعبية ـ شمال - القائد جقود مكوار، نُشر على نطاق واسع قبل اندلاع حرب الخرطوم، أنّ قائد الجيش السوداني ونائبيه ياسر العطا وشمس الدين الكباشي طلبا، بحضور قائده عبد العزيز الحلو، الدخول معهم في حرب للقضاء على ما سمّوها بميليشيا الدعم السريع، رغم أنّ الحركة ذات التوجه العلماني الراديكالي لم توقع معهم اتفاق سلام ولا تربطها بهم سوى هدنة لوقف إطلاق النار ابتدرتها من طرف واحد عقب سقوط نظام البشير لإتاحة الفرصة للتحول المدني الديمقراطي في البلاد للمضي قدماً.

من المستفيد؟

دخول ولاية جنوب كردفان التي يوجد بها حقل هجليج، أكبر حقل نفطي في البلاد، وتتاخم ولاية غرب كردفان الغنية بالنفط أيضاً، وكذلك دولة جنوب السودان، سيُحدِث، بحسب محللين عسكريين، تحولاً نوعيّاً في استراتيجيات الحرب السودانية، حيث سيضطر الجيش إلى خوض معارك خارج الخرطوم للحيلولة دون سيطرة أيٍّ من (الشعبية) والدعم السريع على مواقع استراتيجية في جنوب كردفان التي يشكّل مواطنوها من أبناء جماعة النوبة معظم القوى المقاتلة (الجنود) للجيش السوداني، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي وثرواتها الضخمة.

ورغم وقوف الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال ـ على الحياد إزاء حرب الخرطوم، في بدايتها، إلّا أنّ دخولها المباغت فيها، والذي يُرجح خبراء عسكريون بأنّه سيكون في مصلحة الدعم السريع عسكرياً، إلّا أنّ توجهات (الشعبية) السياسية والفكرية ورؤيتها لمستقبل السودان تختلف جذرياً معها، ممّا جعل السؤال الأبرز ما مصلحتها في شنّ حرب على الحكومة في الوقت الراهن؟ مطروحاً بقوة على الساحتين العسكرية والسياسية. 

خشية (الإخوان)

يعتقد محللون سياسيون أنّ الحركة (الشعبية) ذات التوجه العلماني الصارم انتظرت نحو (9) أسابيع تراقب وترصد وتحلل وتجمع المعلومات الاستخبارية عمّا يدور في الخرطوم، وأنّها توصلت بناءً على هذه المعلومات، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أنّ قيادة الجيش يسيطر عليها النظام السابق (الإخوان المسلمون) بشكل تام، وأنّ فلول النظام هم من أطلقوا الحرب، وما زالوا يديرونها من وراء ستار قيادة الجيش الحالية المتحصنة بثكناتها ولا تستطيع مغادرتها، بجانب خشيتها من انتقال الصراع القبلي من دافور المجاورة إلى كردفان حيث توجد جماعات مشتركة بين الولايتين، في ظل غياب تام للحكومة المركزية التي يديرها العسكريون المحاصرون في الخرطوم، والاختفاء المُريب لقوات الشرطة، وكأنّما ابتلعتها الأرض منذ نشوب الحرب في 15 نيسان (أبريل) المنصرم.

ومع دخول فصل الأمطار التي تهطل بغزارة ابتداء من حزيران (يونيو) حتى سبتمبر (أيلول) من كل عام، ومع انعدام شبه تام للطرق المعبدة في ولاية جنوب كردفان، حيث يعتمد نحو 90% من سكانها على الزراعة الموسمية المطرية، فإنّ من واجب الحركة (الشعبية) تأمين المنطقة من أيّ احتمالات لانتقال الحرب ذات الطابع العرقي إليها، وبالتالي صرف السكان المحليين عن تأمين غذائهم الذي يعتمد على زراعة الذرة الرفيعة والشامية في فصل الخريف، حيث تنقطع أجزاء كبيرة من جغرافية الولاية عن بقية أنحاء البلاد، وبالتالي يصبح إمدادها بالحبوب أمراً مستحيلاً فيما لو فشل الموسم الزراعي.

إعلان في مهب الريح

مبررات وأسباب كثيرة يسوقها مناصرو (الشعبية) منافحين عن دخولها الحرب كطرف ثالث، وأنّه ليس للأمر علاقة بإسناد قوات الدعم السريع أو الغدر بالجيش السوداني، لأنّه لا يربطها مع الطرفين أيّ نوع من اتفاقيات السلام، ما عدا إعلان المبادئ الذي تم توقعيه في آذار (مارس) 2021، قبيل انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه بنحو (7) أشهر، حين جرت مراسم التوقيع بين رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وعبد العزيز آدم الحلو زعيم الحركة الشعبية ـ شمال ـ في جوبا عاصمة جنوب السودان.

إلّا أنّ البرهان لم يلتزم بأيٍّ من بنود الإعلان الذي نص على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وألّا تفرض الدولة ديناً على أيّ شخص، ولا تتبنّى ديناً رسمياً، وأن يتفق الطرفان على وقف دائم لإطلاق النار عند التوقيع على الترتيبات الأمنية التي سيتفق عليها ـ لاحقاً ـ كجزء من التسوية الشاملة للصراع في السودان، إلّا أنّ الحركة (الشعبية) كانت قد وقعت مع الحكومة اتفاقاً منفصلاً لوقف إطلاق النار في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، يتيح لمقاتليها الحفاظ على السلاح إلى أن يعدّل الدستور بما يضمن فصل الدين عن الدولة.

ومع انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في الخرطوم وانفراده بالسلطة وإعادته كوادر النظام السابق إلى الخدمة وإلى واجهة قيادة الجيش، بدا كأنّه نفض يديه من إعلان المبادئ، ومع انطلاق الحرب بينه وبين قوات الدعم السريع، أصبحت كل الاتفاقيات التي أبرمها عندما كانت الأحزاب السياسية والدعم السريع جزءاً من حكومته في حكم الملغاة، ما لم تعد الأوضاع إلى ما كانت عليه في تاريخ توقيع تلك الاتفاقيات، هذا وفقاً لمراقبين ومحللين سياسيين.

مواضيع ذات صلة:

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة

هل تبدأ القاعدة وداعش بتنفيذ عمليات في إثيوبيا والسودان قريباً؟

كيف تؤثر عقوبات واشنطن على الصراع السوداني؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية