رحل "قائد التمكين".. ويبقى الأثر

رحل "قائد التمكين".. ويبقى الأثر


14/05/2022

خالد بن ضحي الكعبي

ودعت دولة الإمارات قيادة وشعبا والأمة العربية والإسلامية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الذي الذي انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً، يوم الجمعة 13 مايو في يوم من خير أيام الله.

مسيرة حافلة من العطاء المتواصل والاستثنائي شكلت شخصية «المغفور له» باعتباره الرئيس الثاني لدولة الإمارات خلفا للوالد المؤسس «الشيخ زايد»، فكان خير خلف لخير سلف.

إنجازات عديدة وصفات وخصال طبية عرفت عن «المغفور له» يكفي منها ما نعاه به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قائد «مرحلة التمكين وأمين رحلتها المباركة».

 عبارة حملت في طياتها صفات لأعظم رجل بالمنطقة العربية، قائداً وأمينا لرحلة صعود دولة الإمارات في التاريخ الحديث، قائد عظيم صنع دولة بالعلم والمعرفة، طور البشر والحجر بالثقافة والعلم مسترشدا بنهج ووصية الشيخ زايد.

 نعته الأمة العربية والإسلامية باعتباره واحداً ممن حولوا مجرى تاريخ منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي نحو الاستقرار والسلام والرفاهية، ذلك هو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان باعث النهضة الإماراتية، وقائد مسيرة التطوير في كل شبر من وطننا، ومفتاحاً للخير في العالم العربي بفضل عطائه، ومده يد العون للمقهورين والمأزومين والمنكوبين.

 المنزلة العالية التي تتبوءها الإمارات اليوم في قلب العالم المتحضر، كانت مرتبطة بجهوده ونشاطه الدؤوب لرفعة وطنه، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبي، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الذى أكد على مواقف وإنجازات الشيخ خليفة، وحكمته وعطاءه ومبادراته في كل زاوية من الوطن. كما شدد سموه على «أن الإمارات فقدت برحيله "ابنها البار وقائد مرحلة التمكين»

 كان الشيخ خليفة بن زايد استثناء في زمن كل ما فيه استثنائي، لقد تمكن رحمه الله بفضل فطنته وحكمته المعهودة ورؤيته الثاقبة أن يضيف انجازات جديدة في زمن صعب إلى دولتنا الحبيبة منذ توليه قيادة سفينتنا في 3 نوفمبر 2004، ليمهد الطريق نحو استكمال مسيرة البناء والرخاء التي بدأها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

 بدأ «المغفور له» الشيخ خليفة بن زايد عهده -والذى امتد لـ 18 عاماً- بالانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التمكين، بإطلاق خطته الاستراتيجية التي كانت بحق عصا موسى السحرية لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وهو ما وضع إماراتنا في أعلى عليين، وبوئها مكانتها الرفيعة بين الأمم.

 لقد ضرب الشيخ خليفة بن زايد «رحمه الله» القدوة والمثل في تمكين المواطنين، والتضحية، ومقاومة التعصب، والتواضع، باعتبارها أدوات تضمن استمرار ثقافة الانسجام الداخلي والتماسك والتلاحم الوطني بين أبناء وطننا، وترسخ قيم التماسك الأسري والتكافل الاجتماعي. ولذلك ظل منذ نعومة أظافره، وخلال مسيرته السياسية يحافظ على نسج خيوط الثقة وبنائها من خلال التفاعل الشخصي مع كافة المواطنين.

 عرف عن الشيخ خليفة أيضاً قربه من مواطنيه وإتاحة فرص تطوير قدراتهم ومواهبهم، وتمتعه باللقاءات والاجتماعات مع المجتمع المحلي. كما كان المغفور له الشيخ خليفة المثل الأعلى في تعزيز التسامح وثقافة احترام الآخر، والتعاون، والكرم مع الأغيار، ولعل أسلوبه ونهجه المتبع في رعاية وكفالة المغتربين في الإمارات كان له عظيم الأثر في تفسير غيرة ضيوف الإمارات عليها، وحبهم الشديد لها.

 لم تنعكس ثمار عملية التمكين التي بدأها الشيخ خليفة على حياتنا كمواطنين إماراتيين فقط، بل امتدت لتصل إلى المغترب والمقيم وضيوف الدولة من كل بلدان العالم، وأيضا على قطاع الأعمال، لتصبح الإمارات حلم كل من يبحث عن النجاح والاستقرار والعيش الرغد، فقد كان الشيخ خليفة «رحمه الله» يؤمن بأن «الإنسان هو الثروة الحقيقية لهذا البلد قبل النفط وبعده»، وكان دوما يردد «إن هدفنا الأساس في دولة الإمارات هو بناء الوطن والمواطن».

 مناقب ومسيرة سمو الشيخ خليفة بن زايد «رحمه الله» لم تكن لتقتصر على مأثره في الداخل، فقد وضع المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، أسس سياسة خارجية متميزة تتسم بالحكمة والاعتدال، والتوازن، ومناصرة الحق والعدالة، وتغليب لغة الحوار والتفاهم في معالجة كافة القضايا. وقد منحت هذه السياسة المتوازنة دولتنا الحبيبة احتراماً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي.

 غَير الرجل أقدار أمتنا قبل نحو عامين، عندما وضع أساس تكوين جديد للتعايش بين شعوب المنطقة، وفتح الأبواب المؤصدة لحل القضية الفلسطينية، ووفر بيئة خصبة للتعايش السلمي بين كافة الأديان السماوية في المنطقة، وهو ما تجلى في رعايته الاتفاقيات الإبراهيمية التي أقنع إسرائيل من خلالها بوجوب احترام طموحات إخواننا الفلسطينيين، وحقهم الأصيل في إقامة دولتهم. كما كان شوكة في خاصرة دعاة استمرار الفتنة، وتجار الأوطان، حين دعا إلى أهمية التلاحم في عالمنا العربي، وحسم صراعاته، وعودة الطيور الجانحة إلى حضن العروبة. فكان بحق من أعظم عباقرة عالمنا العربي العظام الذين أثروا في سلوك البشرية، وأحداث العالم، وهذا ما مكنه من القيام بدور الوسيط النزيه في أكثر من أزمة عالمية فارقة وحاسمة.

 إن الإحاطة بنواحي البحث في شخصية سمو الشيخ خليفة بن زايد، والتفتيش في مناقبه، والغوص في أعماق إنسانيته، لهو أمر يضيق عنه المجال، وتعجز عن وصفه الألسنة، لكن الانصاف والحق يدفعني أن أقول كلمة في مواقفه إزاء الأزمات الإنسانية، فهذه هي الأهم في نواحي عظمته، التي يخفق لها قلب كل إنسان، لقد أصبحت الإمارات في عهده من الدول التي ساهمت في إنقاذ حياة الملايين من البشر والتخفيف من معاناتهم بسبب المساعدات التي قدمها الشيخ خليفة بن زايد من خلال إنشاء مؤسسة "خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية"، والتي تعتبر ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في الدولة، حيث وصلت مساعداتها المختلفة لأكثر من 70دولة في مختلف أنحاء العالم.

 رحمته الإنسانية كانت نموذجاً ملهما للإماراتيين الذين آمنوا بعبقرية قائدهم، وإنسانيته الرائعة التي غزا بها قلوب البشر على اختلاف اجناسهم وعقائدهم، لقد كانت مساعدات الشيخ خليفة بن زايد الوحيدة محل اهتمام وحفاوة كل أجناس العالم، كونها مساعدات منبعها الإنسانية، ترفع فقط شعار التسامح عنوانا لها، فلم ترتبط ابدا بالتوجهات السياسية للدول المستفيدة منها، ولا البقعة الجغرافية، أو العرق، اللون، الطائفة، أو الديانة، بل تراعي في المقام الأول الجانب الإنساني الذي يتمثل في احتياجات الشعوب.

 نعم إن الشيخ خليفة بن زايد – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- أعطى بإنسانية للإمارات قيمة ومعنى بين أمم الأرض، وجعل المواطن الإماراتي في عنان السماء، حين أكد دوما على كفالة حريته واستقلاله وعظمته، وذلك مكاسب لا تتوفر إلا فى زمن الكبار والعظام. وهو وحده كان مبعث ومصدر هذه المكاسب والانتصارات للإمارات والإماراتيين، ثم إخوانه وأبنائه وأحفاده المخلصون.

 فرحم الله الشيخ خليفة بن زايد، وثقل ميزان حسناته في الموازين، وتقبل إحسانه إلى شعبه وأمته العربية والإسلامية، وإلى شعبنا الحبيب الماجد والظافر مزيد من التقدم في عهده خير خلف يحافظ على مسيرة العطاء والقيم الإنسانية التى تركها سمو الشيخ خليفة خير سلف، وإن لنا في قيادتنا الراهنة ثقة وأمل للحفاظ على عهد ووعد الآباء المؤسسين، وإن في رؤيتهم الثاقبة لدليل على ما ستبلغه الإمارات من السعادة والرفاهية، وتجاوز التحديات. وعلى خطى الأخ قائد التمكين سيستمر نهر العطاء الإماراتي الخالد ليفيض على كل شعوب الدنيا حتى يرث ربي الأرض ومن عليها.

عن "العين" الإخبارية

الصفحة الرئيسية