روسيا والصين في العهد البوتيني الجديد: التقارب سيد الموقف

روسيا والصين في العهد البوتيني الجديد: التقارب سيد الموقف

روسيا والصين في العهد البوتيني الجديد: التقارب سيد الموقف


09/04/2024

في العشرين من نوفمبر الماضي، أفاد النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، أندريه بيلوسوف، بأنّ حجم التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية بين روسيا والصين بلغ 95%.
وقال بيلوسوف خلال اجتماع للجنة الحكومية الروسية الصينية للتعاون الاستثماري في بكين: "إنّ حجم التسويات المتبادلة بين بلدينا بالعملات الوطنية آخذ في الازدياد، يمثل اليوان والروبل بالفعل 95% من جميع المعاملات التجارية بين روسيا والصين".
وأشار النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي إلى أنه على الرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي الخارجي، فإنّ العلاقات الروسية الصينية القائمة على الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي وصلت اليوم إلى مستوى عالٍ غير مسبوق، وتستمر في التطور في جميع المجالات.
ومن المقدر أن تستمر هذه الشراكة العميقة بين موسكو وبكين بعد انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفترة رئاسية جديدة تستمر حتى 2030. 
وذكرت وكالة "رويترز" للأنباء، في 19 مارس 2024، أنّ الرئيس الروسي من المُرتقب أن يزور الصين، في مايو المقبل، لإجراء مُحادثات مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، وذلك في أول رحلة خارجية له خلال فترته الرئاسية الجديدة.

محددات العلاقة بين روسيا والصين
وأبرز تقرير أصدره أواخر الشهر الماضي، "مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة"، مُحددات العلاقة الدولية والإقليمية والمحلية التي تجمع روسيا والصين، ومن أبرزها:
1- طبيعة علاقات القوة في النظام الدولي الراهن: يُعد الموقف الغربي تجاه روسيا والصين أحد أبرز المتغيرات الرئيسية التي تؤثر في العلاقات بين الدولتين. والملاحظ هنا أنّ موسكو وبكين تواجهان أزمة في سياق علاقاتهما مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً؛ إذ تعتبرهما الوثائق الاستراتيجية الغربية والأمريكية مصدراً للتهديد. فقد ركز التقرير السنوي للاستخبارات الوطنية الأمريكية، الصادر في 11 مارس 2024، على استمرار تصاعد التهديد الصيني لمكانة الولايات المتحدة في العالم، وعلى نهج روسيا المُواجه للغرب.

أبرز تقرير أصدره "مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة" مُحددات العلاقة الدولية والإقليمية والمحلية بين روسيا والصين
2- دور المُتغير القيادي: يؤدي الرئيسان، الصيني، شي جين بينغ، والروسي، فلاديمير بوتين، دوراً مهماً في توجيه العلاقات بين بلديهما. وهو ما يعكس إلى أي مدى يؤثر المتغير القيادي في تطور وتنامي العلاقات بين روسيا والصين. وبالنظر إلى استمرار الرئيسين شي وبوتين، في منصبيهما إلى عامي 2028، و2030، على الترتيب، فمن المتوقع أن تشهد العلاقات بين موسكو وبكين مزيداً من التطور والارتقاء.

 

تُعد روسيا مصدراً رئيسياً للطاقة بالنسبة للصين، كما أنها تؤدي دوراً مهماً في مساعدة بكين على تحقيق بعض أهدافها الاقتصادية والمالية



3- أزمة الحرب الأوكرانية: تُعد الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا أحد المحددات الرئيسية التي أثرت ولا تزال في العلاقات المتنامية بين روسيا والصين، ولاسيما لجهة علاقات الدولتين مع الغرب. فقد مثلت هذه الأزمة ليس فقط تحدياً كبيراً للعلاقات الثنائية بين الدولتين، ولكن مثلت أيضاً اختباراً صعباً للدبلوماسية الصينية.
4- مواجهة اقتصاد البلدين عدداً من المشكلات: يُواجه الاقتصادان الروسي والصيني في الآونة الأخيرة العديد من المصاعب والأزمات التي أثرت في معدلات أدائهما ووتيرة نموهما. وذلك في ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا بالنسبة للأول، أو المشكلات الهيكلية التي يواجهها الثاني في مرحلة التعافي ما بعد جائحة "كورونا".

محفزات التقارب 
أما فيما يتعلق بمُحفزات التقارب بين الطرفين، فقد ذكر تقرير مركز المستقبل أنه في ضوء السياقات والمحددات السابقة، هناك العديد من الاعتبارات والأسباب الداخلية والخارجية التي تدفع كلاً من روسيا والصين إلى تفعيل التقارب بينهما في الوقت الراهن، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:

1- الدعم السياسي لمواقف كل طرف: تحرص كل من موسكو وبكين على الحصول على دعم ومساندة الجانب الآخر فيما يتصل بقضاياهما ومصالحهما الجوهرية، في ظل استناد العلاقات بين الدولتين إلى المصلحة المتبادلة وتفهم كل طرف للمصالح الأمنية والعسكرية والسياسية للطرف الآخر. 
2- ضمان الأمن والاستقرار: يُعد تعزيز التقارب مع روسيا، أحد العوامل الرئيسية التي تضمن لبكين الأمن والاستقرار، وذلك بالنظر إلى وجود حدود مشتركة بين الدولتين، يبلغ طولها حوالي 4300 كيلومتر، كما أنّ تمتع روسيا باستقرار نسبي يمنح الصين مزايا استراتيجية كبيرة، ولاسيما في حالة مواجهتها أي أزمات خارجية كبرى. 
3- المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة: تهدف الصين من خلال سعيها إلى تعزيز التقارب مع روسيا، إلى الحصول على مجموعة من المكاسب الاقتصادية. إذ تُعد روسيا مصدراً رئيسياً للطاقة بالنسبة للصين، كما أنها تؤدي دوراً مهماً في مساعدة بكين على تحقيق بعض أهدافها الاقتصادية والمالية، مثل: تدويل اليوان، وإيجاد بديل موثوق به للأنظمة الغربية.
4- سعي الدولتين لبناء نظام عالمي مُتعدد الأقطاب: ثمّة اتفاق في الرؤى بين روسيا والصين بشأن إقامة نظام دولي متعدد الأطراف؛ إذ تطرح الصين نموذجاً بديلاً للنموذج الأمريكي، وهو ما يجعلها بحاجة للتنسيق مع العديد من القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وعلى رأسها روسيا.

تحالف عسكري
5- دور واشنطن في دفع التقارب بين الدولتين: تُعد السياسة الأمريكية، بما تتضمنه من تحركات مضادة وعقوبات، تجاه الصين وروسيا، واللتين تعتبرهما واشنطن خصمين استراتيجيين لها.

السيناريوهات المُستقبلية
وفي شأن السيناريوهات المُستقبلية التي يمكن طرحها بشأن المدى والحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه التقارب بين روسيا والصين، في فترة الرئاسة الخامسة لبوتين، فقد ذكر المركز أنها تتمثل في:

1- تنامي التقارب بين الدولتين: يتوقع هذا السيناريو اتجاه العلاقات بين روسيا والصين نحو مزيد من التطور في المجالات كافة، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أم على مستوى رؤيتهما المشتركة للنظام الدولي، وذلك في ضوء ما يترتب على ذلك من مكاسب وفوائد للدولتين. في هذا الإطار، يتوقع تزايد التنسيق والدعم المتبادل بين الدولتين فيما يتصل بالقضايا التي ترتبط بالمصالح الجوهرية لهما، ثنائياً ودولياً. 

 

انتصار روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا سوف يؤدي إلى تقوية المحور الروسي الصيني وإضعاف محور الغرب والولايات المتحدة

 


2- التحالف العسكري: يفترض هذا السيناريو قيام روسيا والصين بتحويل علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما إلى تحالف عسكري؛ لمواجهة أي مخاطر أو تهديدات وجودية قد تمثل تهديداً لكيان ووجود الدولتين. 
3- تراجع العلاقات: يفترض هذا السيناريو حدوث تراجع في التقارب بين موسكو وبكين، على خلفية ما يشوب العلاقات بين الدولتين من تحديات ترتبط بالتنافس الاستراتيجي على النفوذ في المجال الحيوي المشترك، والتباين في طبيعة القوة ومستقبلها، والتحولات البنيوية التي قد تحدث في النخبة الحاكمة الروسية والصينية في مرحلتي ما بعد بوتين وشي.
4- تشكيل محور روسي صيني في مُواجهة الغرب: يفترض هذا السيناريو تحرك روسيا والصين وحلفائهما باتجاه تأسيس محور مشترك، في مواجهة المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها. ويرتبط تحقق هذا السيناريو بما يمكن أن تسفر عنه الحرب الروسية في أوكرانيا؛ إذ قد يترتب على خسارة روسيا، اشتداد الضغوط الغربية والأمريكية على الصين، وبالتالي لن يكون هناك بديل أمامها سوى الاصطفاف مع روسيا وحلفائهما في مواجهة الغرب. وفي المقابل، فإنّ انتصار روسيا في الحرب؛ سوف يؤدي إلى تقوية المحور الروسي الصيني وإضعاف محور الغرب والولايات المتحدة.
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية