ريان المغربي... الطفل الذي وحّد الأمة ولكنه كشفها

ريان المغربي... الطفل الذي وحّد الأمة ولكنه كشفها


10/02/2022

 بالرغم من أنّ الطابع العام للتفاعل مع قصة الطفل المغربي ريان كان في غالبيته بعناوين التضامن والتعاطف، على المستوى الداخلي في المغرب، وعربياً وإسلامياً ودولياً، ارتباطاً بطبيعة القصة وكثافة البُعد الإنساني فيها، والتغطية الإعلامية الواسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تابعت تفاصيل الأحداث، وبتوظيفات لم يغب عنها مقاربات تحقيق السبق الإعلامي. وبالرغم من تلك الصورة "الإنسانية" التي كشفها التفاعل الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك، وتويتر، وأنستغرام" على المستويين العربي والإسلامي، إلّا أنّ هذا التفاعل كشف عن صورة أخرى أظهرت  بعض الأنساق الثقافية المضمرة، في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي لا تظهر عادة إلّا بأزمات من هذا النوع وبهذا المستوى، ورغم أنّ التعبير عن هذه "الأنساق" كان محدوداً، إلّا أنّه لا يمكن إنكار وجودها بمستويات متباينة بين مجتمع وآخر، بالإضافة إلى انكشاف حجم وعمق التغير في التواصل وأدواته وأشكاله ومضامينه الجديدة.

اقرأ أيضاً: "ريان" جديد في المغرب... طفل يلقي بنفسه في بئر عمقها 57 متراً

لا شكّ أنّ قصة "ريان" أظهرت العديد من الحقائق؛ من بينها أنّ مواقع التواصل الاجتماعي  "الإعلام الجماهيري" أضحت بديلاً لوسائل الإعلام الرسمية والحكومية، ومصدراً للخبر، من خلال سهولة استخدامها، وقدرتها على البثّ المباشر،  وهو ما كسر سلطة فروقات التوقيت من جهة، وحرم الإعلام الرسمي من القدرة على إعادة إنتاج الروايات والقصص حول الموضوعات مثار اهتمام الرأي العام، ويبدو أنّ مقولات "ماكلاهان" في ثمانينيات القرن الماضي حول تحوّل العالم بفضل الاتصالات التكنولوجية إلى قرية صغيرة قد تحققت، كما أنّ مقولات "هبرماس" حول الأدوار التي يمكن أن تؤديها مواقع التواصل الاجتماعي في إنتاج قواسم مشتركة للجماعات، وتنظيراته حول الفعل التواصلي، قد تحققت هي الأخرى.

 

التفاعل والتغطية الواسعة لقصة ريان شكّلت درساً للسلطات الحكومية حول حجم وعمق وحدود التغيير الذي نعيشه على هامش مواقع التواصل الاجتماعي

 

التفاعل والتغطية الواسعة لقصة "ريان" شكّلت درساً للسلطات الحكومية حول حجم وعمق وحدود التغيير الذي نعيشه على هامش مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أنّ الحكومات لم يعد بمقدورها أن تكون الفاعل الوحيد في إنتاج الأخبار والقصص وتقديمها للرأي العام، فهناك شريك جديد بإمكانيات محدودة جداً، "فكلّ هاتف خلوي مرتبط بالإنترنت أصبح محطة فضائية وجريدة وإذاعة معاً"، كما طرحت "القصة" تساؤلات حول أدوار مجالس البلديات والهيئات التمثيلية المنتخبة، بما فيها المجالس النيابية بوصفها سلطة التشريع التي أصبحت أسيرة لما يطرحه الرأي العام عبر مواقع التواصل، لا سيّما في العالمين والعربي والإسلامي، اللذين لم تستطع غالبية حكوماتهما فهم واستيعاب التغيير، إلّا بالأدوات والأساليب نفسها بـ"قطع خدمات الإنترنت، وحجب خدمات مواقع التواصل".

اقرأ أيضاً: أبكى العالم حياً وميتاً... تشييع جثمان ريان (صور)

وبالتزامن، كان هناك انكشاف آخر لأنساق ثقافية مضمرة، كشفت البنية العميقة لكثير من الشرائح "المؤدلجة"، وجوهرها ازدواجية معاييرها في التعامل مع قضايا إنسانية، لا تحتمل إلّا التضامن، ومن مواقع الدفاع أو الإدانة، أبرزتها مساحات لا يستهان بها تضمّنت تساؤلات نشطاء على مواقع التواصل "عربياً" حول أسباب انجذاب الرأي العام لقصة "ريان"، وأنّ هناك قصصاً لأطفال في مناطق الصراع العربية، "فلسطين، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا... إلخ"، تستحق اهتماماً أكبر ممّا حظيت به قصة الطفل المغربي.

 

كان هناك انكشاف آخر لأنساق ثقافية مضمرة، كشفت البنية العميقة لكثير من الشرائح "المؤدلجة"، وجوهرها ازدواجية معاييرها في التعامل مع قضايا إنسانية

 

 ويبدو أنّ الاهتمام بـ"ريان" مرتبط بكون قصته كانت قصة قدرية، وقعت في مجتمع آمن لا يشهد صراعات سياسية واجتماعية، كما هو حال بعض الدول العربية والإسلامية، وهو ما أفقد أصحاب الأنساق والأفكار المسبقة موضوعاً للبناء عليه، وبالتزامن فقد أظهر التفاعل مع القصة حجم التوظيف السياسي لها من قبل أطراف الصراع عربياً، بالتذكير بأطفال اليمن وسوريا والعراق، وجدالات حول الفاعل؛ فهل هو في العراق "الحشد الشعبي والمذهبية، أم تنظيم داعش؟ أم هي إيران وجهات في الحكومة العراقية"؟ وفي فلسطين "هل هي إسرائيل أم الفصائل الفلسطينية"؟ وفي سوريا من المسؤول عن انتهاكات الأطفال "الحكومة السورية والنظام، أم هم المسلحون والإرهابيون، أم الميليشيات الإيرانية"؟ الاجابات عن هذه التساؤلات لم تخرج عن صيغ المفاهيم والمصطلحات "المعلبة" التي تقدّم مواقف ما فوق القصة من قبل كافة الأطراف، وربما كانت حاضرة وبقوة قصة التطبيع المغربي ـ الإسرائيلي، بوصفها مرجعية في المسكوت عنه عند معالجة بعض الأطراف لقصة "ريان"، وهو الموقف الذي يتكرر في الصواريخ والمسيّرات الحوثية والعراقية التي تستهدف دولة الإمارات العربية المتحدة.

اقرأ أيضاً: مأساة الطفل "ريان" وأصناف البشر

ربما لا نبالغ في القول: إنّ تداعيات قصة ريان ظهرت بقرارات مستعجلة لحكومات عربية بالبحث عن الآبار المهجورة والشروع بردمها، خوفاً من تكرار قصة "ريان" القابلة للإعادة في أيّ مكان، لكن من المشكوك فيه أن تستفيد من الدرس الذي قدّمته تغطية قصة "ريان" حول أدوار مواقع التواصل الاجتماعي في الإعلام الجماهيري، وأنّه لم يعد بإمكانها إخفاء الكثير من القصص أو التحكم باتجاهات التعبير، كما أنّ الشعوب العربية والإسلامية لا يمكنها أن تواصل العيش بأنساقها "المغلقة"، بما تفرزه من تشظٍّ يتجاوز مفاهيم التنوّع المحمودة، فالإنسان هو الإنسان، كيفما كان، وحيثما كان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية