سلطة الظل في مالي.. تعرف إلى الداعية محمود ديكو

سلطة الظل في مالي.. تعرف إلى الداعية محمود ديكو


31/08/2020

لمع نجم الشيخ محمود ديكو مع تولّيه منصب الأمين العام لـ "جمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام" التي تأسست في العام 1980، ثم جذب الأنظار إليه حين عمل إماماً لمسجد السلام الذي يعد من أكبر مساجد العاصمة باماكو، وبسبب تمكنه من المسائل الشرعية والسياسية وجرأته في الدفاع عن الأخلاق العامة؛ صعد نجمه سريعاً في عالم الدعوة الإسلامية، حتى أصبح ذا شعبية هائلة في المجتمع المالي، وصارت مواقفه السياسية والاجتماعية الشجاعة مثاراً للإعجاب ومحلاً للإجماع حتى أصبح له أخيراً اليد العليا في تقرير مصير ومستقبل هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

 

أصبح له أخيراً اليد العليا في تقرير مصير ومستقبل دولة مالي الواقعة في غرب أفريقيا

ديكو القادم من منطقة تمبكتو التاريخية في وسط مالي سيمضي 5 أعوام بداية من العام 1970 في دراسة العلوم الشرعية في موريتانيا ثم المملكة العربية السعودية، ثم سيعود إلى مالي للعمل بتدريس اللغة العربية، ليتركها فيما بعد ليتخصص أكثر في دراسة الفقه وسيصبح صاحب الخطب الأكثر استماعاً وتأثيراً، سيقدم ديكو اتجاهاً صوفياً محافظاً اجتماعياً لا يتعارض مع جذور مالي الثقافية قبل الإسلام، ويعبر عن الإسلام التقليدي لشعوب غرب أفريقيا.

الداعية المحافظ يهاجم الدولة

سرعان ما بدأ ديكو في مواجهة الدولة في العام 2009 بعد توليه منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى مباشرة، حيث نظم حملة احتجاج اجتماعي شرسة ضد قانون الأسرة الذي يمنح المرأة حقوقاً رأى الشيخ أنّها تخالف تعاليم الإسلام، ونجح في الضغط على الرئيس السابق آنذاك أمادو توماني توري؛ للتخفيف من بنود ذلك القانون.

لمع نجمه مع تولّيه منصب الأمين العام لجمعية مالي للاتحاد وتقدم الإسلام

عاد ديكو بعد ذلك ليرغم الحكومة أيضاً على التراجع عن سن قانون للمثلية، وآخر لتدريس الثقافة الجنسية في المدارس، مستغلاً نفوذه المعنوي كان ديكو يحرك الشارع بتحالف مع الزعيم الصوفي شريف إنيور؛ مما سيرفع من أسهمه لدى قطاعات واسعة من الشعب المالي التي رأت فيه طوق نجاه من محاولات التغريب المفروضة من أعلى.

اقرأ أيضاً: مالي بين 7 تنظيمات إرهابية... هذه هي

وفي العام 2012 استولى متشددون على الشمال المالي، ليبادر الشيخ إلى مقابلة إياد أغ غالي أحد قيادات تنظيم "حركة أنصار الدين"؛ محاولاً إقناعه بالانسحاب من الشمال حقناً للدماء ولكن الأخير رفض وتخلى عن الحوار ليشن هجوماً جديداً هدد باختراق الجنوب والتقدم نحو باماكو؛ مما سيدفع ديكو للموافقة على طلب قوات فرنسية لمواجهة المتشددين، سيبرر ديكو موقفه بصمت الدول الإسلامية، وسيتهم بعد لقائه بالزعيم الجهادي بأنه على صلات وثيقة بتنظيم القاعدة.

مقدمات الانقلاب على الرئيس كيتا

وفي العام 2013 تحالف الشيخ مع المرشح الرئاسي حينها إبراهيم أبو بكر كيتا، الذي نجح في الانتخابات ليتولى مهام منصبه في 4 أيلول (سبتمبر) من نفس العام، كانت وعود كيتا للناخبين وردية وبراقة حيث أعلن في تصريحاته أن مالي ستصبح نموذجاً ديمقراطياً في غرب أفريقيا، وبأنه سيقضي على الفساد، وسيعمل على علاج الأزمة الاقتصادية الطاحنة، كما سيسعى لرأب الصدع بين الإثنيات والجماعات الدينية داخل مالي.

 

سرعان ما بدأ بمواجهة الدولة في العام 2009 عقب تولّيه منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى

لكن لم تتحقق أغلب وعود الرئيس المالي، وزاد الوضع تدهوراً، مما أضعف من شعبية كيتا. وفي تلك الأثناء كانت قد انتهت مدة ولاية الشيخ محمود ديكو كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، الذي ثار وغضب بسبب أن خليفته في المنصب كان ذا مواقف مائعة في معركة قوانين الأحوال الشخصية وحقوق المثليين، ووصفه ديكو بأنه "خاتم في أصبع الرئيس".

فصل جديد في المواجهة

بعد تركه لمنصبه بالمجلس الذي استمر لمدة 10 أعوام، أسس ديكو "تنسيقية الحركات والكتل المناصرة للإمام ديكو"، ليبدأ فصل جديد في مواجهة السلطة وشن حملات سياسية ضد النظام في مالي، ولعب دوراً بارزاً في إقالة رئيس الوزراء السابق سوميلو بوبي مايغا في أقل من شهر في 18 نيسان (إبريل) من العام 2019، عبر دعوته لتظاهرات حاشدة لإسقاط الوزير الأول على خلفية مقتل 157 مدنياً على الأقل في أوغوساغو بمنطقة موبتي وسط البلاد في 23 من آذار (مارس) من العام نفسه، حيث ينتمي الضحايا إلى إثنية الفولاني المنتشرة في وسط وغرب أفريقيا، كانت هذه التنسيقية النواة الصلبة للحراك المعارض الذي طالب باستقالة الرئيس كيتا قبل شهور، ودفع نحو إسقاطه.

في العام 2013 تحالف الشيخ مع المرشح الرئاسي حينها إبراهيم أبو بكر كيتا

أصيب المجتمع المالي بخيبة الأمل في الرئيس كيتا، وخاصة بعد اختطاف الزعيم المعارض سومايلا سيسي في 25 آذار (مارس) من العام 2020 قبل الانتخابات التشريعية أثناء جولة انتخابية في الريف على يد المقاتلين الجهاديين؛ مما أدى لزيادة الاحتقان في الشارع السياسي المالي، وقد وحدت تلك المشكلات التي تواجهها مالي أحزاب المعارضة السياسية ودفعتهم لتنظيم المظاهرات، وكان الشيخ محمود ديكو صاحب الصوت الحاسم الذي أدى بشكل متكرر إلى خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات لم يسبق لها مثيل منذ عقود.

 

يواصل اليوم ممارسة بعض التأثير من دون التدخل بشكل مباشر في العمل السياسي

وقد بدأ الاحتجاج الضخم هذا العام في 5 حزيران (يونيو) الماضي أثناء صلاة الجمعة في العاصمة باماكو ومدينة سيكاسو في الجنوب، ولكن بعد أسبوعين، كانت الحشود في الشوارع أيضا في كايز في الغرب، وفي سيغو جنوب وسط البلاد، وحتى في مدينة تمبكتو الصحراوية القديمة الواقعة على أطراف الصحراء.

انقلاب يعيد الشيخ إلى المسجد

ونتيجة لضغط الشارع المالي على الرئيس كيتا فقد قام مجموعة من العسكريين بانقلاب ضد الرئيس؛ حيث تم القبض عليه وإيداعه في معسكر تابع للجيش في العاصمة باماكو.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يرى الشعب المالي في إطاحة الرئيس انقلاباً عسكرياً؟

حاز الانقلاب على تأييد الشيخ محمود ديكو الذي وقف إلى جوار أعضاء المجلس العسكري بعد نجاح حركتهم، وذلك في ساحة الاستقلال التي اكتظت بالجماهير المحتشدة يغنون ويرقصون في العاصمة قائلاً أنه "عائد إلى المسجد"، قبل أن يشكر الانقلابيين، ويدعو إلى "طرد شياطين الانقسام"، وقال "أنا إمام وأبقى إماماً"، ملمحاً في الوقت نفسه إلى أنه سيواصل ممارسة بعض التأثير من دون التدخل بشكل مباشر في العمل السياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية