شرق أوسط جديد من صنع دوله

شرق أوسط جديد من صنع دوله


22/12/2021

فاروق يوسف

"تصفير الأزمات" هو عنوان المرحلة القادمة التي ستتولى دول المنطقة فيها حل مشكلاتها بأنفسها من غير انتظار معونة الآخرين الذين انتهى بهم السأم إلى حالة من اليأس صار معها تدخلهم في شؤون المنطقة ثقيلا عليهم.

كان من الممكن ان يكون ذلك اليأس صادما لولا أن ما شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة حمل معه الكثير من نُذر التحذير من إمكانية أن تُترك المنطقة في مستنقع من المشكلات التي لا يرغب أحد في التورط بها بسبب روح الفوضى الكامنة التي يُمكن أن تتحول إلى ظاهرة انتحار ذاتي ستلف الانظمة بغبار تداعياتها.

في واقع نزعة الدول إلى الإمساك برأس الخيط قبل أن يفلت نهائيا تكمن حقيقة شرق أوسط جديد لا ترسم حدوده الولايات المتحدة ولا تقرر سياسات دوله. فهي عاجزة عن القيام بذلك بعد أن تبين لها أن اللعبة في الشرق الأوسط هي أقل الألعاب خطرا في سياق حرب باردة جديدة تُشن عليها ويجب أن تكون مستعدة لها.

ذلك منطق سليم يتناقض مع المنطق القديم الذي أدت معادلاته إلى الحاق الضرر بدول المنطقة، بحيث سُمح لإيران بعد احتلال العراق بأن تهيمن على أربع دول عربية ولم تكن تلك الهيمنة بعيدة عن الموقف الأميركي الموجه ضد الأمن القومي العربي الذي اعتبره الأميركان مسألة حساسة انطلاقا من تعهدهم بالحفاظ على أمن إسرائيل.

اليوم تقف إسرائيل والدول العربية في مواجهة الخطر الإيراني بما يعني أن الطرفين صارا حالة واحدة من وجهة نظر إيرانية. كما أن الخوف من تواطؤ أميركي صار يجمع الطرفين بما يحثهما على اعادة النظر في مشكلاتهما لا ليشكلا صفا موحدا في مواجهة إيران، بل ليضعا خططا من أجل الشفاء من مرض ظن الكثيرون أن علاجه بات مستعصيا وليتفرغا لفهم واستيعاب أصول المشكلة الإيرانية.

هناك في المنطقة شيء اسمه المشكلة الإيرانية. علينا أن نعترف أن إيران بسياساتها التوسعية القائمة على الكراهية هي مشكلة ليست أقل حجما من مشكلة السياسات الإسرائيلية التي لا يمكن تلخيصها بعدم تفاعل الطرف الفلسطيني مع المسألة بطريقة ايجابية.

ولكن الخطر الإسرائيلي محدود بالمقارنة مع الخطر الإيراني. فإذا كان القرار العربي في التعامل مع إسرائيل مباشرة جريئا فإن القرار العربي في التعامل مع إيران مباشرة كان شجاعا.

فإيران التي تستعرض قوتها تدرك من دون شك أن تلك القوة يمكن أن تقودها إلى مواقع ضعف، لا يمكنها بعدها أن تستعيد شيئا من وجودها. لذلك فإن اقبالها على الحوار مع السعودية قد يكون نوعا من الانفتاح الجزئي على المنطقة الذي يعينها في مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا. ولكن هل هناك حوار إيراني مع إسرائيل؟

لمَ لا. الأمر ليس مستبعدا. كل الكلام الإيراني عن الطريق إلى القدس يمكن نسيانه ما دام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يمارس نشاطاته في الدول العربية التي ادارها من قاسم سليماني إلى اسماعيل قاآني. ليست الفكرة ملتبسة ما دامت قد احتكمت إلى الواقع.

اما أن تشعر إسرائيل بالخوف فذلك من حقها. إنها تفكر في أمن مواطنيها المهددين بالصواريخ الإيرانية التي يملكها حزب الله وحركة حماس. وهما طرفان عربيان غير أنهما لا يفكران من خلال الأمن القومي العربي. لذلك فإن إسرائيل لم تتمكن بعد من تحقيق سلام كامل مع الطرف العربي. فإيران التي تتحدث عربيا تقف بينها وبين ذلك السلام.

هل سيكون السلام مع إيران هو عنوان المرحلة المقبلة؟  

سيُقال أن هناك مَن يساوي بين إيران وإسرائيل في مسألة السلام. لا أعتقد أن علينا هنا أن نسأل الفلسطينيين. لقد تغير الزمن وتغيرت معادلاته. صحيح أن إسرائيل هي الأقوى، ولكن إيران قد تكون الأكثر تأثيرا بعدوانيتها بسبب نظامها الشرير. ليست هذه محاولة للشيطنة، ولكن ما فعلته إيران في أربع دول عربية لم تفعله إسرائيل في فلسطين.

ومع ذلك فإن إيران ينبغي أن لا تظل وحيدة في المنطقة. هناك دول كبرى يمكنها الحوار معها.

وليس من المستبعد أن تكون إيران هي الأخرى قد أدركت أن خرافة تصدير الثورة باتت منتهية الصلاحية بعد تغير المعادلات السياسية في المنطقة. سيكون من مصلحة إيران أن تكون جزء من شرق أوسط جديد، لا أن تكون العدو الذي يجب تدميره.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية