طائفة المورمون.. الوحي المتأخر

الأديان

طائفة المورمون.. الوحي المتأخر


09/01/2018

لا تزال الطوائف الدينية تعتمد على تراثها السماوي أو الدنيوي الخاص حتى تمنح نفسها ما يميزها عن غيرها، ولعل ظهور "جوزيف سميث" العام 1823، مدعياً "نبوته" أو مبشراً بها وفق قناعته الفردية على الأقل، بدا وقتها غير ذي بال بعد قرونٍ على انتشار الديانات السماوية وغير السماوية واستقرار معتقداتها، إلا أن وجود ما يزيد على 15 مليون إنسان اليوم، ينتمون إلى طائفة المورمون التي أسسها، أمر لا يمكن إغفاله.

وحي "الألواح الذهبية"
القصة، بدأت مع الشاب الأمريكي المولود في ولاية فيرمونت الأمريكية العام 1805، حيث أعلن عام 1823 بلا مقدمات أن "وحياً أتاه من السماء وأخبره أنه رسول للقارة الأميركية، وأنه سيعثر على ألواح ذهبية تحتوي على نصوص مقدسة مكتوبة باللغة المصرية القديمة".
ولم يلبث سميث طويلاً، حتى أعلن العام 1827 أن "ملاكاً زاره من السماء وأرشده إلى مكان الألواح المقدسة، وإنه قام بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية" بحسب سيرته التي نشر موقع قناة الحرة بعضاً منها بتاريخ 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، ليصبح لطائفة المورمون بعد ذلك التاريخ كتابها المقدس الذي اعتبرته مكملاً للتوراة والإنجيل.

بحلول العام 1844 تمكن المعارضون لسميث وكنيسته من اعتقاله ليعدموه مباشرةً دون محاكمة

لكن ظهور سميث المتأخر، في فترةٍ كان سكان أمريكا الجدد خلالها ما زالوا يختلفون في صراعاتهم على الأرض والقوانين والدين أيضاً، جعل من دعوته الدينية مرفوضة، وتم اعتبارها "هرطقة"؛ خاصة إن تعاليم المورمونية التي كتبها آنذاك، سميت بـ"الرواية الأخرى للمسيح"، وهو ما عدته الكنائس المسيحية الأخرى اعتداء على الدين المسيحي، وبتدشينه كنيسته رسمياً، العام 1930، تأججت المواجهات بين أتباعه وأتباع الكنائس الأخرى حتى وصلت حد سفك الدماء.
وبحلول العام 1844، تمكن المعارضون لسميث وكنيسته من اعتقاله، ليعدموه مباشرةً دون محاكمة، كما إنهم هاجموا أتباعه وقتلوا العديد منهم ولم يبقوا لهم أثراً بإحراق بيوتهم وممتلكاتهم، وهو ما يشير إلى تكرار مأساة السيد المسيح بطريقةٍ أو بأخرى، رغم الاختلاف في حيثيات الدعوة ورجوع مصداقيتها إلى سياقٍ تاريخي وثقافي مختلف.
انتشار وطقوس خاصة
"جين بارنز"، مؤلفة كتاب: "الوقوع في حب جوزيف سميث"، تذكر فيه أنها بينما كانت تقوم بكتابة سلسلة وثائقية عن طائفة المورمون، ولم تكن التقت بأي منهم بشكلٍ عميقٍ من قبل، حققت من خلال أبحاثها معرفة أكبر بشخصية جوزيف سميث، الذي وحسب كتاب بارنز "ترجم كلمة الله للناس، وعثر على نور الله في أشد الأمكنة ظلاماً".

يرى المورمون في جوزيف سميث "نبياً صاحب رسالة ووحي" وضع أسساً لمسيحية مختلفة 

وبغض النظر عن البداية الصعبة والدموية ربما، إلا أن الطائفة المورمونية استمرت بالوجود، وازداد أتباعها ليصبحوا بالملايين في يومنا هذا. وبحسب إحصائية موقع أخبار الكنيسة المورمونية "www.mormonnewsroom.org"، يوجد ما لا يقل عن 9 ملايين تابعٍ للطائفة مسجلين في كنائسها، ويتوزعون على معظم الولايات الأمريكية، ويذكر الموقع كذلك، سعي الكنيسة المورمونية حول العالم لتقديم الخدمات التنموية والإنسانية لكل من يحتاجها، خصوصاً لأتباع الطائفة، وبشكلٍ عام.

لدى المورمون اليوم أكثر من 20 ألف كنيسة في مختلف أنحاء العالم، وطُبع من كتابهم المقدس حتى الآن نحو 150 مليون نسخة بـ15 لغة، وتقول الإحصائيات غير الرسمية إن عدد أتباعهم وصل إلى قرابة 15 مليوناً، وهم يتركزون، إضافة إلى الولايات المتحدة، في أوروبا والمكسيك وكندا وكوريا الجنوبية، ووصلوا مطلع العام 2014 إلى مصر، وحصلوا على موافقة رسمية ببناء كنيسة لهم في حي المعادي.

ومن أشهر معتنقي الديانة المورمونية ميت روني مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية العام 2012، والكاتبة الأمريكية المعروفة ستيفاني ماير صحبة سلسلة مصاصي الدماء الرومانسية Twilight، والعالم الأمريكي بول بوير، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء العام 1997، بالإضافة إلى الأمريكي فيلو تايلور فارنسورث مخترع التلفاز.

رغم البداية الصعبة والدموية إلا أن المورمونية استمرت وازداد أتباعها ليصبحوا بالملايين

ولكن أبرز ما يراه أتباع الطوائف الدينية الأخرى في المورمون، هو طقوسهم وعاداتهم الخاصة، ذلك أن كل طائفة دينية بشكل عام، تنظر إلى الأخرى على أن لها أسرارها، وهو ما يبقى غير رسمي أو موثقٍ في أفضل الحالات، إلا أن الثابت هو أن المورمون "لا يقومون بالتدخين أو شرب الكحول أو تناول المشروبات الساخنة كالقهوة والشاي" كما إنهم يدفعون عُشر مداخيلهم الخاصة للمساهمة في دعم وتمويل كنائسهم ومجمعاتهم الدينية كما يرد في تقريرٍ لموقع رصيف 22 منشورٍ بتاريخ 7/5/2016.
وبخصوص ما هو غير موثق، فإن الروايات التاريخية تتحدث عن جوزيف سميث الذي تزوج 40 امرأة خلال عمره الذي لم يتجاوز حين وفاته التاسعة والثلاثين، كما إن بعض أتباع هذه الطائفة يختارون العيش في مجتمعات منغلقة أحياناً، ويربطون العلاقة الجنسية بين الزوجين بالإنجاب فقط، كما يشجع بعضهم على الزواج المبكر.
ويضاف إلى هذا، تكتمهم بشأن طقوسهم عامة، حيث يبررون ذلك بعدم رغبتهم "إثارة حفيظة أتباع دياناتٍ أخرى يعيشون بينهم"، كما إن الكنيسة المورمونية بقيت حتى العام 1978 تتعامل مع السود بصورة طبقية، وتحرمهم من التقدم في مراتبها الكهنوتية. ويذكر أن الكنيسة حظرت تعدد الزوجات بين المورمون العام 1890، وذلك دون إرادتها، بعد تهديد الحكومة الأمريكية آنذاك بتجريد الطائفة حقوقاً مدنية في حال استمرت بالسماح بتعدد الزوجات.
وبصورةٍ عامة، يؤمن المورمون بالسيد المسيح، لكن كتابهم الموروث عن سميث يختلف عن باقي كتب الطوائف المسيحية، كما إنهم يرون في جوزيف سميث "نبياً صاحب رسالة ووحي"، وضع أسساً لمسيحية مختلفة كون موطنها هو القارة الأمريكية، وهم يندمجون في المجتمعات بعامة ويتأقلمون مع حالتها الثقافية والدينية، إلا أن سريتهم في بعض الأحيان إن صح التعبير، تجعل منهم طائفة مثيرة للفضول وعقد المقارنات مع الطوائف الدينية الأخرى.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية