طالبان في طريق السلطة المسدود

طالبان في طريق السلطة المسدود


كاتب ومترجم جزائري
19/04/2022

ترجمة: مدني قصري 

أدّى إعلان حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية، في 23 آذار (مارس) 2022، المتعلق بالحظر الرسمي على التحاق الفتيات الأفغانيات بالتعليم الثانوي، إلى إعادة الوضع السياسي للبلاد إلى صدارة المشهد الإعلامي الدولي. 

يوضح هذا القرار، وهو من أعراض العجز الواضح لقيادة حركة طالبان عن إيجاد حلول وسط قابلة للتطبيق في الإدارة اليومية للدولة الأفغانية، المواجهة بين الحكومة الجديدة والمانحين الدوليين الذين ظلوا يغدقون على اقتصاد البلاد ويسندونه بسخاء منذ عدة عقود. 

ومن المفارقات أنّ هذا القرار، وردود الفعل التي أثارها بين السكان الأفغان، تعزز أيضاً معاينة مجتمع أفغاني ما انفكّ يتطور بشكل كافٍ على مدار عشرين عاماً من الوجود الغربي إلى حدّ إرباك وضع طالبان اليوم ووضعها في حالة من الانزعاج الدائم في إدارتها للحياة اليومية للدولة.

أمرت طالبان بإغلاق المدارس الثانوية للبنات في أفغانستان في 23 مارس بعد ساعات فقط من إعادة فتحها

على الصعيد الاقتصادي؛ فإنّ العقوبات المفروضة على النظام الجديد وتجميد أو مصادرة احتياطياته المالية المحفوظة في الخارج، تحرم النظام الجديد من أيّة قدرة على التحكم بعمق في الأزمة الإنسانية والاقتصادية. تصطدم النداءات المنتظمة للحصول على مساعدات دولية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان من الغذاء والخدمات العامة بالرفض من قبل المانحين لأسباب أخلاقية وسياسية. الأموال التي يتم حشدها، لا سيما من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي، ما تزال ضعيفة جداً أمام حجم الأزمة الإنسانية في البلاد، وليست، بأي حال من الأحوال، حلاً طويل الأجل لتصويب الوضع القائم.

عدم وجود اعتراف دبلوماسي، بما في ذلك اعتراف الدول التي هي مع ذلك قريبة من الإمارة، لا يسمح لطالبان بتأكيد وجودها على الساحة الدولية. على العكس من ذلك؛ فهي تواجه مقاربة معاملات منهجية وتكافح من أجل الاستفادة سياسياً من المفاوضات التي تجريها مباشرة مع مختلف محاوريها الأجانب. إنّ فكرة "الأخذ والعطاء" التي تقيّد كلّ تنازل في حقّها بضمانات حول احترام حقوق الإنسان، تضعها كمجموعة مسلحة غير شرعية تحتل موقع قوة تم الحصول عليه بالقوة؛ ففي ظلّ عدم وجود أيّ حوار دبلوماسي يمثّل اعترافاً مبدئياً بالإمارة، كدولة أو كمحاور شرعي، يجعل الحلول التي تم التوصل إليها لا يمكن أن تكون إلا مؤقتة ومحددة للغاية. يُعدّ نهج المعاملات هذا أكثر حساسية بالنسبة إلى طالبان؛ حيث إنّ مجال المناورة محدود للغاية، بسبب التناقضات والتوترات الداخلية، وهكذا فإنّ القمة الدولية التي نظمتها المملكة المتحدة وألمانيا وقطر والأمم المتحدة، في 31 آذار( مارس) 2022، بهدف تخصيص 4,4  مليار دولار للسكان الأفغان، قد انعقدت دون حضور ممثل عن الإمارة الإسلامية.

 

الإعلانات المثيرة للجدل والمرتجلة حول نقاط الاهتمام الأساسية للرأي العام الوطني والدولي تعزز انعدام الثقة في قدرة طالبان على اقتراح حلول إدارية وسياسية قابلة للتطبيق

 

بشكل عام، وكما هو متوقع في هذه المرحلة الانتقالية، تواجه طالبان صعوبات كبيرة على المستوى الهيكلي، إنّ التحوّل السريع لقواتها القتالية المتمردة إلى مؤسسة عسكرية فعّالة وقوات أمن داخلي، يصطدم بالغموض القانوني والسياسي لقيادة الحركة، وبلامركزية قوية للغاية تجعل السيطرة الفعالة على الوحدات المحلية معقدة وتقريبية، بينما يبدو أنّ القتال ضدّ تنظيم داعش - ولاية خراسان (ISKP) قد أثمر في البداية في المناطق الريفية للتنظيم (بشكل رئيس ننكرهار وكونار)؛ فإنّ التنظيم يحافظ على وجوده في المراكز الحضرية وينفذ هجمات منتظمة ضدّ الأقليات.

 حتى الآن، لا تمثل المقاومة الأفغانية قليلة التنظيم والفاعلية خطراً حقيقياً على السلطة، لكنّها قد تستفيد من جميع نقاط الضعف الواضحة للإمارة لاكتساب القدرات السياسية والعسكرية؛ إنّ تعدد الأزمات التي تواجه إدارة الإمارة يجعل توطيدها غير مستقر بشكل خاص حتى الآن.

مشروع سياسي غير مؤكد 

يواجه البناء الحكومي الكامل للإمارة الإسلامية، اليوم، نقصاً حقيقياً في الوضوح في المشروع السياسي الذي تحمله قيادة الحركة. ظلّ الأمير هيبة الله أخون زاده متحفظاً وقليل التحدث أمام الجمهور منذ انتصار الحركة الصيف الماضي، فحتى داخل الدوائر القيادية للحركة تبرز بوضوح الخلافات القديمة بين بشتون الجنوب (قندهار) وبشتون الشرق (بقيادة عشيرة حقاني)، لكن أيضاً بين الإداريين المنفتحين على مستوى معيّن من التسوية وبين المحافظين المتطرفين المرتبطين بالتصلّب المعياري القائم على النموذج الإسلامي. ما يزال الهيكل الأساسي للدولة الجديدة غامضاً، ويكرس غياب إطار قانوني رسمي حالةَ عدم اليقين هذه من خلال مراجع منهجية وعامة مرتبطة بالدين الإسلامي والشريعة، دون إمكانية استخلاص أيّة إجابات واضحة بشأن مطالب الحركة الحقيقية إزاء قطاعات مختلفة من السكان.

تواجه طالبان صعوبات كبيرة على المستوى الهيكلي

كما أشارت إليه آشلي جاكسون، في مساهمتها الأخيرة لشبكة محللي أفغانستان (AAN)، حول قرار استبعاد الفتيات الأفغانيات من التعليم الثانوي؛ فإنّ عملية صنع القرار الداخلي لحركة طالبان كانت دائماً غامضة نسبياً. وذلك متجذر في الممارسات الأفغانية ويستند إلى حدّ كبير إلى فكرة الإجماع، وفي حالة وجود صعوبة في التوصل إلى هذا الإجماع؛ فإنّ الأمير هو صاحب القرار النهائي وهو الذي يتولى القرار.

لا شكّ في أنّ موازين القوى الصعبة الناتجة عن هيكل صناعة القرار هذا هي السبب المباشر لغموض وعدم القدرة على التنبؤ بالقرارات المتخذة منذ آب (أغسطس) 2021 على أعلى مستوى في الإمارة، الخلافات الداخلية داخل الشورى الرحبرية (Rahbari Shura)، تجعل كلّ موقف يتّخذه الأمير أمراً جوهرياً من أجل توازن حركة تسعى، قبل كلّ شيء، إلى ضمان وحدتها الظاهرة، ونتيجة لذلك تضاعفت التصريحات الغامضة المتعمدة، وحتى المتناقضة في بعض الأحيان، منذ أيلول (سبتمبر) 2021، داخل الجهاز الإداري للإمارة. أكثر المواضيع حساسية من الناحية السياسية في البلاد، وفي نظر القوى الأجنبية، هي الأكثر عرضة لهذا النوع من الشرود العقائدي.

تم تسليط الضوء على مسألة التعليم الثانوي للفتيات بشكل خاص منذ عدة أشهر؛ لأنّها تجسّد التغييرات الأساسية التي ميزت المجتمع الأفغاني على مدار العشرين عاماً الماضية، والتي لا يمكن لطالبان تجاهلها تماماً، فقد لوحظ داخل الحركة أنّ موقف البعض يتطور حول الموضوع، وكانت تصريحات إدارة الإمارة، حتى يوم العودة السنوية إلى المدرسة، في 23 آذار (مارس) 2022، مطمئنة إلى حدّ ما فيما يتعلق بإعادة افتتاح صفوف الإناث. 

الشهادات التي جمعتها شبكة المحللين الأفغان "AAN" في هذا الشأن توضح مفاجأة جميع أعضاء هيئة التدريس والطالبات أنفسهن؛ بسبب منعهنّ من الدخول إلى مؤسساتهن في صباح بداية العام الدراسي، هذا القرار غير المتوقع والمتناقض مع الإعلانات السابقة يُضعف موقف الإمارة من قضايا أساسية أخرى، مثل؛ حرية الإعلام، أو ظروف الأقليات المعيشية، أو مصير العملاء السابقين لجمهورية أفغانستان الإسلامية. 

إنّ عدم اليقين الناجم عن مثل هذا القرار سيئ الإعداد والمتناقض، سواء مع توقعات السكان أو مع الإعلانات السابقة للحركة، لا شكّ في أنّه يُضعف مصداقية إدارة الإمارة بأكملها.

صعوبة تجديد الخدمات العامة

يطرح انتقال الوحدات القتالية القائمة على نمط التمرد إلى قوات مسلحة وأمن داخلي مشاكل حقيقية في العقيدة والقيادة، لكنّه يؤدي كذلك إلى تناقضات جديدة تُضعف أيضاً خطاب وحدة الحركة، وهكذا أعلن رئيس أركان وزارة دفاع الإمارة، قاري فصيح الدين فترات، في كانون الثاني (يناير)؛ أنّ لديه قوة عسكرية قوامها 80000 رجل (يمكن مقارنتها بشكل كبير من حيث الحجم بفرقة العمل البرية التابعة للجيش الفرنسي)، وأنّه يخطط لزيادة قوتها إلى حوالي 150000 رجل، وأضاف فوراً بعد ذلك؛ أنّه يعتزم تجنيد أيّ متطوع للالتحاق بالقوات المسلحة للإمارة، بمن فيهم مهنيون من الجيش الوطني الأفغاني السابق.

لكنّ العفو العام الممنوح لهم تعارضه التقارير المتكررة عن اعتقالات واغتيالات لجنود أفغان سابقين، على الرغم من وفرة العتاد الذي تمّ الاستيلاء عليه خلال هجومهم الصيفي المنتصر؛ فإنّ هذا الجيش الأفغاني الكبير الجديد يفتقر بشدة إلى أهداف إستراتيجية ومهام هيكلية محددة بوضوح. لا يبدو أنّ القتال ضد تنظيم داعش - ولاية خراسان "ISKP"، والمقاومة المتبقية، سيؤدي إلى حشد مثل هذه الأعداد، كما أنّه لا ينبغي فهمُ الأحداث المنتظمة على الحدود الباكستانية والإيرانية على أنّها رغبة في توسيع الإمارة. حتى الآن يبدو أيضاً أنّ طالبان لم تسعَ إلى التسلل إلى حدود دول آسيا الوسطى التي تخشى وقوع حوادث على حدودها بعد سقوط البلاد. إنّ غياب الأهداف الرئيسة، حتى الرمزية منها، والصعوبات المالية التي يواجهها الجهاز الإداري لطالبان، تنذر بخطر المساس بصلابة وولاء المجندين الذين شاركوا حتى الآن في صراع وفق نظام مختلف تماماً، وبأسلوب أيديولوجي حصري تقريباً.

فيما يتعلّق بقوى الأمن الداخلي؛ فهي تعاني من عدم وجود هيكل تشريعي موحّد، ومن الصعوبات التي تواجهها المؤسسات القضائية في استئناف عملها الطبيعي. تعاني تعيينات القضاة والمسؤولين الإداريين في محاكم المقاطعات من حالة من المماطلة والتراخي، وهي تستند في الغالب إلى إضفاء الطابع الرسمي على التسلسل الهرمي الموازي الموجود مسبقاً أو "إدارة الظل"، بالتالي؛ فإنّ مستوى تدريب وتأهيل القضاة وتفسيرهم الخاص للمبادئ الدينية الغامض في بعض الأحيان يجعل من الصعب قراءة العدالة الجديدة، وغالباً ما يصعب توقعها.

ومع ذلك، تتمتع هذه المحاكم الجديدة بالسمعة نفسها، من حيث الكفاءة، وهي أعلى بكثير من محاكم النظام القديم، ومع ذلك؛ فإنّ الدعوات إلى ضبط النفس في تطبيق العقوبة البدنية (الحدود) من قبل قيادة الحركة لا تنفَّذ بالطريقة نفسها في جميع أنحاء البلاد، وقد تم الإبلاغ عن حالات التعذيب في العديد من مقاطعات البلاد، وهي غالباً بمبادرة من القادة المحليين. وبالمثل؛ فإنّ العديد من الحوادث المتعلقة باستخدام القوة المسلحة من قبل مقاتلي طالبان خارج نطاق أيّ خطر مباشر وضدّ المدنيين، تقوّض مصداقية ورأس مال الثقة إزاء قوات طالبان، التي ترغب الحركة في تطويرها.

تضاف صعوبة الحفاظ على الانضباط في صفوف طالبان إلى الغموض القانوني الناجم جزئياً عن الانقسامات الداخلية، وتهدّد بشكل مباشر قدرتها على كسب دعم الشعب الأفغاني، ومع ذلك؛ فمن الواضح أنّه في جزء كبير جداً من البلاد انخفض مستوى العنف بشكل ملحوظ بسبب انتهاء الصراع، مما سمح لقوات الأمن بتنفيذ عمليات أكثر كفاءة ضدّ شبكات اللصوصية وعمليات الخطف. المكاسب الأمنية لجزء من السكان الأفغان لا يستهان بها، وتساهم بشكل مباشر في تغذية عناصر لغة التواصل في داخل الإمارة.

 

الأموال التي يتم حشدها، لا سيما من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي، ما تزال ضعيفة جداً أمام حجم الأزمة الإنسانية، وليست حلاً طويل الأجل لتصويب الوضع القائم

 

مع مواجهتها لأزمة إنسانية لا مثيل لها، ناهيك عن مواجهتها للتحديات المرتبطة بأيّ انتقال سياسي ناتج عن نزاع مسلح، تكافح طالبان اليوم لترسيخ شرعيتها على رأس أفغانستان، وتأكيد قدرتها على الحكم. الانهيار المتوقع للاقتصاد الأفغاني، الذي حرم في السابق من جزء كبير من المساعدات المالية الدولية، التي ظلّت تدعمه لأكثر من عشرين عاماً، والإجراءات الانتقامية التي اتخذت ضدّها من قبل القوى الدولية التي تحتجز الأموال اللازمة لإنعاش وإعادة بناء الدولة الأفغانية، تقوض أيّة محاولة من قبل الإمارة للتكيف وتُفاقِم بشكل كبير خلافاتها الداخلية. 

يعيش السعي الأساسي للحصول على اعتراف دبلوماسي والأسس الثورية والأصولية للحركة في صدام مستمر يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بمستقبل مشروع طالبان السياسي. إنّ الإعلانات المثيرة للجدل والمرتجلة حول نقاط الاهتمام الأساسية للرأي العام الوطني والدولي تعزز انعدام الثقة في قدرة طالبان على اقتراح حلول إدارية وسياسية قابلة للتطبيق على المدى الطويل للبلد. 

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient.com


مواضيع ذات صلة:

قتلى وجرحى… تمرد إثني يضرب حركة طالبان لهذه الأسباب

التحول في أفغانستان والحسابات الروسية... لماذا تقبلت موسكو حكم طالبان؟

مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية