"طلائع طوفان الأقصى"... هل تشعل حركة حماس حرباً أهلية جديدة في لبنان؟

"طلائع طوفان الأقصى"... هل تشعل حركة حماس حرباً أهلية جديدة في لبنان؟

"طلائع طوفان الأقصى"... هل تشعل حركة حماس حرباً أهلية جديدة في لبنان؟


09/12/2023

بينما تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً كبيراً بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، على وقع العدوان على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، برز الكثير من الهواجس المحلية على وقع إعلان حركة حماس تشكيل ما سُمّي بـ "طلائع طوفان الأقصى"، تحت عنوان التأكيد على دور الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة "في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المُتاحة والمشروعة"، واستكمالاً لما حقّقته عملية "طوفان الأقصى".

 وقد قوبلت خطوة حركة حماس في لبنان، التي وُصِفت بالمفاجئة، بالكثير من الاستهجان في الداخل اللبناني، وأثارت اعتراض معظم القوى والكتل السياسية، التي تقاطعت على اختلاف توجّهاتها وانتماءاتها عند "رفض" استخدام الساحة اللبنانية مجدّداً من قبل الفصائل الفلسطينية، وفق ما نقلت صحيفة (الشرق الأوسط).

 ورغم أنّ حماس سارعت على لسان عدد من قادتها في لبنان إلى "توضيح الالتباس"، واضعة "طلائع طوفان الأقصى" في سياق شعبوي تعبوي، وليس عسكرياً، فإنّ ذلك لم يحجب علامات الاستفهام التي طُرِحت، وكان من الطبيعي أن يثير هذا التشكيل المستجدّ الهواجس والمخاوف، خصوصاً أنّ الذاكرة اللبنانية لم تنسَ بعد مرحلة ما بعد اتفاق القاهرة في العام 1969، و"الحرب اللبنانية".

و"اتفاق القاهرة" الذي وقّعه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني (يومذاك) العماد إميل البستاني، ضم نقاطاً حول تنظيم العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية، وسمح للمقاومة الفلسطينية بإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وخصوصاً في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي، وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات، ومنذ ذلك الوقت تحول الجنوب إلى منطقة عمليات عسكرية.

تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً كبيراً بين حزب الله والجيش الإسرائيلي

ووفق ما نقل موقع النشرة، فإنّ بيان تأسيس "طلائع طوفان الأقصى" كان خارج السياق، ولم يوحِ بأنّ الأمر مجرّد "فكر تعبوي أو ثقافي"، ولا سيّما أنّه نصّ على أنّ هذه "الطلائع" تأتي في سياق ضمان "مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال، والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية"، وهو ما يمكن أن يُفهَم من زاوية "عسكرية".

 واللافت أنّ رفض الخطوة لم يكن حكراً على لون طائفي واحد، أو حتى على فريق سياسي واحد، بل طال المستوى الرسمي أيضاً، وذلك بإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ‏أنّ "هذا الأمر مرفوض نهائياً، ولن نقبل به"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الوطنية يوم الثلاثاء الماضي.

باسيل: نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس "طلائع طوفان الأقصى"؛ ونعدّ أيّ عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية

 

 أمّا (القوات اللبنانية) مثلاً، التي يشكّك البعض في موقفها "المتضامن" مع قطاع غزة، في ضوء بعض المواقف التي أطلقتها من عملية "طوفان الأقصى"، فلم تكن وحدها في الميدان، بل إنّ (التيار الوطني الحر) الذي تضامن مع الفلسطينيين، سبقها في ذلك، حيث كان الوزير السابق جبران باسيل أول من أدان الخطوة.

 وقال باسيل في تصريح صحفي نقلته وكالة (فرانس برس): "نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس "طلائع طوفان الأقصى"، ودعوتها الشباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها؛ كما نعدّ أيّ عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية".

 وتابع: "نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ (90) في الطائف، بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها، وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاقية القاهرة التي شرّعت منذ 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان".

 وأكد أنّ لبنان صاحب حق يقوى "بمقاومته الوطنية" لإسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف بإقامة "حماس لاند" في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه.

 من جهته، رأى رئيس حزب (القوات اللبنانية) الدكتور سمير جعجع أنّ بيان تأسيس الطلائع غير مقبول، لا شكلاً ولا مضموناً، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانية، ويحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين.

إعلان حماس قوبل بالكثير من الاستهجان في الداخل اللبناني، فقد أثار حفيظة الحكومة اللبنانية، واعتراض معظم القوى والكتل السياسية

 وأردف: "من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لإمرة (حزب الله) وقراره. ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأيّ تحرّكات عسكرية من دون علم الحزب وموافقته، بل إنّ الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكرية، ولا إمكانية أن تصدر حماس بياناً في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لـ (حزب الله) عليه".

 لكنّ الأهم من موقفي (التيار) و(القوات) وغيرهما، يبقى موقف (حزب الله) الذي يُقال في الكواليس السياسية التي أوردها عنهم موقع النشرة اللباناني: إنّه لم يكن "مرتاحاً" لإعلان الحركة غير المنسَّق معه، وهو وإن لم يُبدِ "تحفّظاته" في العلن، لكنّه سعى لاحتواء الأمر سريعاً مع قيادات الحركة، وفق ما أشارت بعض الأوساط السياسية، ولا سيّما أنّ الحزب اعتبر أنّ مثل هذه الخطوة قد تسيء لحركة التضامن اللبناني، التي قد لا تكون مسبوقة حجماً ونوعاً، مع المقاومة في فلسطين.

غياث يزبك: لبنان لا يتحمل تجاوزات حزب الله، وما عادت به علينا من ويلات، ولن يتحمل استباحة حماس سيادتَه وما ستجلبه علينا من دمار شامل

 

 بدوره، حذّر عضو (تكتل الجمهورية القوية) النيابي غياث يزبك، على منصة (إكس)، من "وصول طلائع طوفان الأقصى إلى الجنوب، وننبّه من مغبة إطلاق يد حماس عبر الحدود، مؤكداً أنّ لبنان الذي لا يتحمل تجاوزات حزب الله، وما عادت به علينا من ويلات، لن يتحمل استباحة حماس سيادتَه وما ستجلبه علينا من دمار شامل. الجيش وحده في الجنوب".

 من جانبه، رفض رئيس حزب (الوطنيين الأحرار) النائب كميل شمعون أن يكون "لبنان حماس لاند، وأن يتحول إلى ساحة صراع يتم تدميره من أجل بعض العملاء في الداخل لديهم أجندات خارجية، وذلك تحت أعين بعض الذين يدّعون الغيرة على سيادة لبنان، وتطاولهم على رأس المؤسسة العسكرية".

ورأى في بيان نقلته وكالة (مونت كارلو) "أنّ تأسيس طلائع طوفان الأقصى يشكّل خطراً وذريعة لاحتلال إسرائيلي جديد لجنوب لبنان، وتدمير ما تبقى من مؤسسات وبنية تحتية، ومآسٍ إضافية للشعب اللبناني".

 أمّا النائب المستقل المحسوب على مجموعة النواب التغييريين مارك ضو، فقد اعتبر أنّ "لبنان دولة وليس ساحة، ولا يحقّ لحماس استباحة لبنان".

  وأعرب النائب الشاب عن رفضه "أن تستعمل القضية (الفلسطينية) كحجة لاستباحة لبنان وتنظيم قوى مسلحة من غير اللبنانيين"، مؤكداً أنّ "على قيادات حماس التراجع عن تلك الخطوة مباشرة، أو نعتبر ذلك عملاً عدائياً ضد اللبنانيين وإخلالاً بأمنهم"، وفق ما أوردت إذاعة (صوت بيروت).

حزب الله لم يكن "مرتاحاً" لإعلان الحركة غير المنسَّق معه، وهو وإن لم يُبدِ "تحفّظاته" في العلن، لكنّه سعى لاحتواء الأمر سريعاً مع قيادات حماس.

 ورغم التوضيحات التي صدرت عن حركة حماس محاولة تبديد الهواجس، خصوصاً أنّ ممثلي الحركة حرصوا على تأكيد احترام السيادة اللبنانية، وعدم وجود أيّ رغبة لديهم في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلا أنّ بعض القوى السياسية لم تبدُ أنها مقتنعة بكلام ممثلي الحركة في لبنان.

 وكانت حركة حماس في لبنان قد أعلنت يوم الإثنين الماضي عن تأسيس "طلائع طوفان الأقصى"، كمجموعة، أو كإطار وصفته "بالشعبي والتعبوي لخدمة القضية الفلسطينية"، وهذا الاعلان نكأ جراح الذاكرة اللبنانية التي استعادت مرحلة المقاومة الفلسطينية في لبنان بعدما شرعنها "اتفاق القاهرة" عام 1969، وأدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تنتهِ بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 لإبعاد الفلسطينيين من الحدود، ولاحقاً عام 1982 التي أدت إلى ترحيل منظمة التحرير إلى تونس.

كميل شمعون: نرفض أن يكون لبنان "حماس لاند"…، وأن يتحول إلى ساحة صراع ويتم تدميره من أجل بعض العملاء في الداخل لديهم أجندات خارجية

 

 وحول قدرات حماس في لبنان، فإنّه في شهر تموز (يوليو) الماضي، وبعد اندلاع الاشتباكات العنيفة في مخيم "عين الحلوة" للّاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، إثر عملية اغتيال استهدفت قائد الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم العميد في حركة (فتح) أبو أشرف العرموشي و(4) من مرافقيه، تحدث مصدر سياسي فلسطيني من داخل مخيم عين الحلوة لـ (إندبندنت عربية)، عن زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، والتحذيرات التي أعرب عنها للسلطات اللبنانية، حول أنّ "هناك مخاوف لدى حركة (فتح) من تسهيلات تعطى لحركة حماس  وخاصة في مناطق الجنوب"، وذلك بعد انفجار مستودع أسلحة تابع لحماس في مخيم البرج الشمالي (شرق مدينة صور) في كانون الأول (ديسمبر) 2021، علماً أنّ الحادثة وقعت في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل)، وبعد ذلك حصلت حادثة إطلاق الصواريخ على إسرائيل في نيسان (أبريل) الماضي أيضاً من محيط مخيم البرج، وأعلن حينها حزب الله أنّ فصائل فلسطينية تقف وراء عملية الإطلاق، وأيضاً في موضوع الخيمتين اللتين نصبهما حزب الله على الحدود، تحدثت أنباء عن وجود عناصر من (الجهاد الإسلامي) وحضور فلسطيني فيهما، ممّا أثار مخاوف أن تكون حركة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) تعملان على إنشاء بنية عسكرية في الجنوب بالاتفاق مع (حزب الله) وبتغطية منه.

 وأكد المصدر السياسي الفلسطيني نفسه أنّ للسلطة الفلسطينية عتباً على السلطات الأمنية اللبنانية، لأنّ هناك تسهيلات تُعطى لحركة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) في موضوع التسلح.

 وبعد اندلاع حرب غزة أعلنت (سرايا القدس)، الذراع العسكرية لحركة (الجهاد الإسلامي) الفلسطينية"، أكثر من مرة على صفحتها على موقع (تيليغرام) مسؤوليتها عن عدد من العمليات على الحدود اللبنانيةـالإسرائيلية، وحدث تسلل واشتباك ميداني مع القوات الإسرائيلية، وصفته الحركة بأنّه جزء من تكتيكات عملية (طوفان الأقصى).

 وقامت أيضاً تنظيمات مسلحة عدة، ومنها الفرع اللبناني لكتائب (القسام) و(سرايا القدس) و(قوات فجر)، وهي ذراع (الجماعة الإسلامية) اللبنانية المسلحة، إلى جانب مجموعات تابعة لـ (حزب الله)، أهمها (فرقة الرضوان)، بإطلاق صواريخ وقذائف، وعمليات تسلل إلى بلدات ومستوطنات إسرائيلية، وفي اعتبار كثير من المراقبين أنّ هذا ما يعطي إسرائيل الذريعة لتكثيف التهديدات العسكرية الإسرائيلية وتنفيذ عمليات في الداخل اللبناني، سواء كانت عمليات عسكرية أو أمنية.

مواضيع ذات صلة:

الدفعة الخامسة من "أطفال غزة" تصل إلى الإمارات... تفاصيل

استهداف السفارة الأمريكية في العراق... وحكومة السوداني تُعلق



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية