طيران اليمنية: من مؤسسة مملوكة للدولة إلى شركة تديرها فئات متنفذة تلاحقها تهم الفساد

طيران اليمنية: من مؤسسة مملوكة للدولة إلى شركة تديرها مافيا

طيران اليمنية: من مؤسسة مملوكة للدولة إلى شركة تديرها فئات متنفذة تلاحقها تهم الفساد


12/07/2023

الشكاوى من طيران اليمنية وقضايا الفساد المرتبطة بها ازدادت منذ اشتعال الحرب الأخيرة في اليمن، لكنّها ليست وليدة هذه الأزمة؛ فهناك قضايا فساد سابقة مرت دون حساب، كحال كل قضايا الفساد الكبيرة التي يتورط فيها مسؤولون كبار. من تلك القضايا ما كشفته الصحافة سابقاً عن شراء شركة الخطوط الجوية اليمنية الطائرة "A330-200" التي وصفتها بالـ "خردة"، وهي الطائرة التي احتفلت الشركة بانضمامها إلى أسطولها الجوي في شباط (فبراير) 2022، مع أنّها كانت تابعة لطيران موريشيوس ومتوقفة منذ عقود، وبدلاً من إنهاء خدماتها بيعت لطيران اليمنية بعد أن أُجريت لها إصلاحات، وكانت النتيجة أن تكبدت الشركة خسائر فادحة بسبب كثرة أعطالها.

اتهامات بالفساد

قبل عامين من هذه القضية سُرِّبت وثيقة تثبت تواطؤ الحكومة الشرعية اليمنية، ممثلة بوزارة النقل ووزيرها السابق صالح أحمد الجبواني، مع شركة طيران (بلقيس)، عبر تقديم تسهيلات استثنائية لهذه الشركة التابعة لرجل الأعمال أحمد العيسى المقرب من الرئيس السابق (هادي). الوثيقة عبارة عن رسالة رسمية موجهة من وزير النقل إلى رئيس الهيئة اليمنية العامة للطيران المدني، يوجهه فيها بعمل استثناء لطائرة استأجرتها شركة طيران (الملكة بلقيس) من العمر الفني المحدد في القانون.

أطلق الدكتور محمد المنصوب حملة شعبية لتحسين طيران اليمنية. وطالب في منشور له على (فيسبوك) بذكر المشاكل التي يعاني منها المسافرون على متن طيران اليمنية بهدف تحقيق مطالب عدة

وكان موظفو طيران اليمنية قد قاموا حينها (2019) بحملة إعلامية ضد فساد الخطوط اليمنية وطالبوا بإصلاحات عديدة؛ أهمها: إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل 2015، وإلغاء رسوم التحويل والتأمين المفروضة دون وجه حق، وضبط مواعيد الرحلات وإعادة هيكلة الموظفين وفق الاحتياجات والإبقاء فقط على الموظفين المؤهلين وتسريح غير المؤهلين الذين وُظِّفوا بالوساطة في مناصب حساسة مع أنّهم بدون مؤهلات، كما طالبوا بوقف احتكار الخطوط الجوية اليمنية تشغيل الرحلات إلى مطارات الجمهورية اليمنية، وإفساح المجال للشركات المنافسة.

توجيه نائب رئيس مجلس الرئاسة بشأن إجراء مناقصة شراء وقود للطائرات

مثل هذه الحملات عادة ما تواجه بتغيير إداري لامتصاص الغضب، لكنّ التلاعب في أسعار التذاكر وبيعها بشكل غير قانوني، وانتشار السمسرة والمحسوبية في مكاتب المبيعات وغلاء أسعار التذاكر... كلها أمور تشير إلى أنّ الفساد مرتبط بجهات عليا هي نفسها بحاجة إلى تغيير.

وفقاً لشكاوى مسافرين ومنشورات لناشطين: لا تلتزم الخطوط اليمنية بالمعايير الدولية لعدد الركاب بحسب المقاعد المحددة لهم. وهناك من يقول إنّ إيرادات طيران اليمنية يذهب أغلبه مرتبات للعدد الهائل من الموظفين، ممّا يقلل من حصة الصيانة الدورية وشراء قطع غيار جديدة إلى غيرها من المتطلبات.

في لقاء على قناة (بلقيس) قال عبد الواحد العوبلي، الباحث في الشأن الاقتصادي: إنّ الشركات المشغلة من وإلى اليمن- الخطوط الجوية اليمنية وطيران السعيدة وطيران بلقيس- غير مرخصة من قبل الاتحاد الدولي للنقل الجوي الذي يفرض معايير وقواعد سلامة معينة للحصول على هذه التراخيص السنوية، وهذه الشركات تعمل منذ 2015 بدون رقابة وإشراف الاتحاد الدولي للنقل الجوي. وأضاف العوبلي: إنّ شركة الخطوط الجوية اليمنية تتعرض لتدمير ممنهج منذ تولى قيادتها الكابتن عبد الخالق القاضي، المقرب من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي قام منذ توليه بتوظيف عدد كبير من غير المؤهلين في مناصب لا تحتاجها الشركة، حتى وصل عددهم إلى قرابة (5) آلاف، ممّا يشكّل عبئاً على الشركة ويذهب بأغلب إيراداتها إلى بند الرواتب، مع أنّ شركة اليمنية يكفيها، بحسب العوبلي، ما بين (100 إلى 150) موظفاً. عبد الخالق القاضي نفسه قام ببيع طائرتين من ممتلكات الشركة لصالح شركة خاصة هو شريك فيها، وذلك بمبلغ زهيد لا يساوي حتى عُشر قيمتهما السوقية.

فساد بملايين الدولارات

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 كان الصحفي اليمني نائف حسان قد نشر منشورات عدة على صفحته في (فيسبوك) كشف فيها حجم الفساد في الحكومة اليمنية وعلاقته بغلاء أسعار تذاكر طيران اليمنية. قال حسان: إنّ (أبو زرعة المحرمي) نائب رئيس المجلس الرئاسي وجَّه في 2 أيلول (سبتمبر) 2022 رسالة إلى رئيس الحكومة معين عبد الملك، نصت على ضرورة إجراء مناقصة "بشكل عاجل" لشراء وقود الطائرات بهدف "تخفيض أسعار تذاكر الطيران"، لكنّ رئيس الوزراء لم يعمل بالتوجيه، بحسب حسان، "وما يزال شراء وقود طائرات اليمنية يتم بالأمر المباشر من شركة بعينها، دون مناقصة، وبسعر مرتفع جداً، وفوارق الأسعار تصل إلى ملايين الدولارات شهرياً؛ بحسب ما قاله المحرمي للمجلس الرئاسي".

وأضاف حسان أنّ وقود الطائرات يُشترى من شركة يملكها التاجر أحمد صالح العيسى بتوجيه مباشر من مكتب رئيس الوزراء... وطوال الأعوام الماضية كان الوقود يباع لليمنية بسعر مرتفع، وكانت فوارق الأسعار تصل إلى ملايين الدولارات في الشهر. ولا يعقل أن يتورط رئيس الوزراء بهذا الفساد دون مقابل، وما يدعم هذا الاستنتاج أنّ معلومات كهذه نشرت على نطاق واسع لكنّها لم تقابل بنفي أو توضيح من قبل مكتب رئاسة الوزراء.

وفقاً لشكاوى مسافرين ومنشورات لناشطين: لا تلتزم الخطوط اليمنية بالمعايير الدولية لعدد الركاب بحسب المقاعد المحددة لهم

مصدر في شركة النفط أبلغ حسان لاحقاً "أنّ الشركة خفضت أسعار وقود الطائرات المباع لشركة الخطوط الجوية اليمنية، وأكد المصدر أنّ سعر اللتر من وقود الطيران كان يُباع لطيران اليمنية بـ (2) دولار تقريباً، وخُفِّض سعر اللتر إلى دولار و(25) سنتاً، ممّا يعني أنّ التخفيض يقترب من 40% وتم بهدف تخفيض أسعار تذاكر السفر." حينها قال رئيس مجلس إدارة طيران اليمنية: إنّ الشركة ستخفض 40% من أسعار التذاكر، وبعدها صرح مسؤول آخر أنّ التخفيض سيكون 20%، وهذا ما لم يحدث!

عيِّنة من المعاناة اليومية

بعد تعرضه للابتزاز من قبل مكتب طيران اليمنية في مطار القاهرة، أطلق الدكتور محمد المنصوب حملة شعبية لتحسين طيران اليمنية. وطالب في منشور له على (فيسبوك) بذكر المشاكل التي يعاني منها المسافرون على متن طيران اليمنية بهدف تحقيق مطالب عدة منها: "وقف التعاملات التعسفية، ووقف ابتزاز المسافرين اليمنيين من قبل وكلاء اليمنية في المطارات التي تُسيَّر إليها رحلات مثل القاهرة وعمّان وجيبوتي". كما طالب المنصوب بمراجعة أسعار التذاكر لتكون متوافقة مع الأسعار في المنطقة؛ فسعر رحلة صنعاء- عمّان بـ (520) دولاراً بينما رحلة الرياض عمّان بـ (150) دولاراً! كما طالب المنصوب بفتح نظام الحجوزات على مواقع الحجوزات العالمي وعدم اقتصارها على مكاتب اليمنية ووكلائها الحصريين؛ ليتمكن المسافر من الحجز (أون لاين) دون الحاجة لوسيط يمارس الابتزاز والسمسرة. وناشد المنصوب من بيده الأمر لفتح المجال لشركات الطيران الأخرى ليستفيد المسافر من المنافسة في الأسعار والخدمة.

شعار الخطوط الجوية اليمنية

وكان المنصوب قد وصل مطار القاهرة قادماً من تورنتو نحو اليمن، وقد تعرّض في مطار القاهرة لـ (3) محاولات ابتزاز من قبل (3) موظفين: ادّعى الأول أنّ شحن العسل ممنوع، وأنكر الثاني وجود تعميم لطيران اليمنية بخصوص العفش للركاب الترانزيت، وطالب الثالث إثبات وصول المنصوب في اليوم الفائت، بالرغم من أنّ ختم الدخول على الجواز يثبت ذلك! ولم يُسمح للمنصوب بشحن قطعتين مع أنّه يحمل تعميماً من الإدارة العامة لطيران اليمنية "بخصوص الركاب القادمين من وجهات أخرى، ويواصلون رحلتهم عبر اليمنية، بأن يتم السماح لهم بشحن عدد قطع الحقائب نفسها، وألّا يسري عليهم قانون القطعة الواحدة المعمول به في اليمنية"؛ مع أنّ قانون القطعة الواحدة غير معمول به في الشركات الأخرى، على حدّ وصف المنصوب، ويفترض بطيران اليمنية أن تفعل المثل، خصوصاً مع ارتفاع أسعار تذاكرها مقارنة بالشركات الأخرى في المنطقة.

المشكلة الثانية التي اختلقها موظف التفتيش، وفق المنصوب، هي منع شحن العسل، مع أنّ العسل نفسه كان على متن الطائرة المصرية القادمة من كندا! وعندما ذكَّره المنصوب بهذا أصرّ الموظف على موقفه ووافقه في ذلك أحد الضباط ثم موظف مكتب اليمنية الذي اتضح أنّه موظف في شركة مصرية محلية "تعاقد معها مكتب اليمنية في القاهرة لتسيير إجراءات رحلاتها في مطار القاهرة، ولا يوجد أيّ موظف رسمي يمثل اليمنية!"، وبعد شدٍّ وجذب أذعن المنصوب مغلوباً على أمره، وطالبهم باستلام رسمي يبين فيه الموظف سبب المنع، لكنّهم لم يفعلوا لعلمهم أنّ ما يدعونه مخالف للقانون.

ما مرّ به المنصوب ليست مشكلة فردية، فهذه مشكلة يومية يعاني منها كثير من اليمنيين وتخضع لمزاج الموظفين ونزاهتهم، بحسب إفادات عديدة ينشرها يمنيون على جروب "يمنيون في مصر" يقولون فيها إنّ هناك من يمنع شحن العسل والحلويات والمكسرات وزيت الزيتون... وهناك من يسمح بذلك. والمشكلة نفسها يعاني منها بعض اليمنيين في مطار عمّان، رغم أنّ هذه المواد ليست ضمن قائمة المواد المحظور حملها على متن الطائرة، كما هو واضح على موقع اليمنية الإلكتروني، إضافة إلى مضايقات عديدة يتعرض لها اليمنيون، وغالباً ما تُحلّ بالرشوة. ولا يُعفى المسافرون اليمنيون من تحمل جزء من المسؤولية بسبب تخليهم عن حقوقهم، أو جهلهم بها، ممّا يؤدي إلى استسهال دفع المال أو تخليهم عن المواد التي يقال لهم إنّها ممنوعة أو اقتسامها مع موظف الشحن، مثلما حدث مع بعض المسافرين. لكنّ السبب الأهم، كما يراه المنصوب، "يعود إلى غياب رقابة طيران اليمنية...، والحل، كما يقترح المنصوب، "بيد إدارة طيران اليمنية"، وذلك بأن تعيّن لها مندوباً يشرف على إجراءات الرحلة، بداية من معاملة بطاقات الصعود ونقل العفش حتى الإقلاع، كما هو معمول به في كلّ شركات الطيران".

ما سبق يؤشر إلى الفساد المستشري في قطاعات كثيرة، وعلى الحكومة اليمنية أن تلتفت إلى حلّ مشاكل الناس ومعاناتهم اليومية التي ربما تراها صغيرة قياساً إلى بحر الفساد الضالعة فيه شخصيات متنفذة.

 

مواضيع ذات صلة:

تأملات يمنية في اتفاق العُلا

هل تعثر مسار إنهاء الحرب في اليمن؟

هل توقف الحكومة اليمنية التسهيلات التي منحتها للحوثيين؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية