عبد اللهيان في بيروت: لبنان خط أحمر إيراني!

عبد اللهيان في بيروت: لبنان خط أحمر إيراني!

عبد اللهيان في بيروت: لبنان خط أحمر إيراني!


15/01/2023

إبراهيم حيدر

تختلف الزيارة الثالثة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبيروت، عن سابقتيها في ما يتعلق بالوضعين الإقليمي والدولي، بعد انسداد أفق المفاوضات النووية وتوقف المحادثات الجانبية مع دول المنطقة، وأيضاً في ظل الوضع الداخلي الإيراني المثقل بالأزمات في ضوء الاحتجاجات ضد النظام.

من بيروت التي يعتبرها الإيرانيون ساحة نفوذ بفعل فائض قوة "حزب الله"، وإحدى العواصم الأربع التي يتحكمون بها وفق أجندتهم، تجد طهران متنفساً لإطلاق مواقف وتوجيه رسائل إلى غير جهة ومكان، وإن كانت هذه المرة ليست دليل قوة بل تعبير عن أزمة يحاول النظام تجاوزها ببعث الثقة لدى حلفائه وإظهار القدرة على المواجهة، خصوصاً مع الأميركيين.

ليس الأمر تقليلاً من زيارة تحمل تساؤلات عدة، إذ إن لا جديد يمكن أن يقدمه الإيرانيون للبنان، ما دامت الطروحات التي قدمها عبد اللهيان نفسه في زيارته الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 حول الشأن الاقتصادي وبناء معامل كهرباء وإعادة إعمار المرفأ، لم ينتج منها سوى مزيد التضعضع في البنية اللبنانية، إنما أيضاً ما أكدته الوقائع على الأرض باتخاذ لبنان جبهة في المواجهة مع الأميركيين انطلاقاً من دور "حزب الله". وبالفعل تبدو جولة عبد اللهيان في بيروت محطة على طريق الانتقال إلى موسكو للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 17 كانون الثاني (يناير) الجاري، لمناقشة عملية استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، والوضع في سوريا وأفغانستان ومنطقة القوقاز وقضية بحر قزوين.

كرر عبد اللهيان في تصريحاته من بيروت استعداد طهران لحل مشكلة الكهرباء ومد لبنان بالفيول والمحروقات، مشدداً على أهمية الحوار لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، لكنه تجاوز دور إيران وتدخلها في الشأن اللبناني، وإن كان ذلك عبر ذراعها القوية. ورغم المواقف الإيجابية المتصلة بلبنان والمنطقة، لا يبدو أن طهران تتنازل عن مصادر قوتها. فبعد فشل مفاوضات النووي، تتسلح إيران بخطوطها الحمراء التي لا تساوم عليها، وأهمها دورها في المنطقة ونفوذها بأذرعها المسلحة والسياسية فيها. يشدد الوزير الإيراني على إيجابية التقارب السوري – التركي، لكن ذلك لا يمنع بقاء سوريا ساحة إيرانية ولا يمكن إبعاد النظام السوري عن طهران التي بات لها كلمة أساسية، خصوصاً مع انشغال الروس بالحرب الأوكرانية، ثم لبنان الذي تعتبره جزءاً من محورها في المواجهة مع الأميركيين.

لكن المأزق الإيراني يزداد في المنطقة، أولاً بعدم الرد على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع إيرانية في مطار دمشق ومناطق سورية مختلفة، ثم بالوضع الداخلي المضطرب الذي يشكل قلقاً للنظام الإيراني، إضافة إلى الانفكاك الأوروبي وابتعاده بعد تورط إيران بحرب المسيّرات الروسية في أوكرانيا، وبالتالي إذا كان من استنتاج مقارنة بالزيارة الثانية التي قام بها عبد اللهيان لبيروت في آذار (مارس) 2022، فإنه لا يستطيع أن يعد بفك ما يسميه "حزب الله" الحصار على لبنان.

لم يعد في إمكان إيران الاستفادة من الصراع الدولي الناشئ مع الحرب الأوكرانية، فحتى رفع سقف المواجهة مع إسرائيل من الأرض اللبنانية التي يتمتع فيها بوجود قوة "حزب الله"، لم يعد ممكناً بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وما عاد ممكناً أيضاً توجيه رسائل الواثق إلى الأميركيين بتجاوز الخلافات بعد فشل المفاوضات النووية، لكن بالنسبة إليه تبقى سوريا ولبنان خط مواجهة، وقاعدته التحكم الأول بمفاصل السياسات اللبنانية واستراتيجياتها والاستحقاقات اللبنانية من خلال "حزب الله".

يعود عبد اللهيان إلى بيروت أيضاً بعد توقف المحادثات الإيرانية – السعودية، فهو لفت في زيارته السابقة إلى رسائل متناقضة من المملكة إلى إيران، لكنه لم يذكر ما الذي تريده طهران في المنطقة من خلال الحوار. وفي ظل تعطيل الاستحقاقات اللبنانية وإصرار "حزب الله" على مرشحه "المقاوم"، تساهم زيارة عبد اللهيان بتعزيز نفوذ محوره وفرض أجندته في الداخل اللبناني، لكن لا يُعرف ما إذا كان الحزب سينتقل إلى مرحلة جديدة وفرض واقع مختلف… أي التقدم بالمواجهة تحت عنوان كسر "الحصار الأميركي"، علماً أن الأميركيين اليوم لا يركزون على المنطقة، بل يهتمون بمواجهة الروس، ومنشغلون بملفات أبعد في آسيا، خصوصاً الصين.

تعطي جولة عبد اللهيان اللبنانية انطباعاً هادئاً لكنها تحمل في طياتها اندفاعاً إيرانياً جديداً لتثبيت مرجعيتها وتكريس وضع "حزب الله" في الداخل اللبناني وفي بنية النظام، وإن كانت تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية لا تصب في مصلحته، إلا أن أي نقاش في المسألة اللبنانية وفي الاستحقاقات المعلقة يتركز على وضع الحزب في المعادلة القائمة. وفي زيارة عبد اللهيان إعادة تأكيد موقع لبنان مع سوريا في الخريطة الإيرانية، واستخدام الساحتين حالياً من دون مواجهة أو تصعيد بالحرب، لكنها تعكس عدم التوافق إقليمياً ودولياً على ملفات المنطقة، وتعني أن لا تسوية في لبنان، ولا إنجاز للاستحقاقات المقبلة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والحكومة الجديدة وتركيبة النظام. أما الأخطر، فهو تكريس وضع هيمنة جديد في ظل الانهيار المتسارع في الوضع اللبناني في غياب التوازن الإقليمي حول هذا البلد.

سنشهد في المرحلة المقبلة في ظل التراجع الدولي عن الاهتمام بلبنان، تقدم "حزب الله" بخطوات أكبر للإمساك بمفاصل الوضع كله، وفرض مسار لانتخاب رئيس للجمهورية من محوره، إذ هو حتى الآن يرفض ترشيح قائد الجيش اللبناني جوزف عون للرئاسة، ويدرج الأمر ضمن توجهاته لما يسميه إنهاء سيطرة الأميركيين على أجهزة الدولة، وإنهاء تأثيرهم أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً.

لا تنفصل زيارة عبد اللهيان عما يجري من تعاط دولي مختلف مع الوضع اللبناني، حيث تأتي تحقيقات الوفد القضائي الأوروبي في لبنان وكأنها تضع البلد دولة خارجة عن النظام المالي العالمي، وهو ما قد يشكل مدخلاً لسياسة أوروبية وأميركية جديدة ضاغطة لفرض شروط قاسية على لبنان للخروج من أزمته. ويبدو أن هذه التطورات تؤدي إلى إطالة أمد التوافق على أي تسوية أو حل، ما دامت الأوضاع الداخلية اللبنانية غير ناضجة، وهناك عجز واضح عن التوافق وإنجاز الاستحقاقات، فيما الدول غير مستعدة للانخراط في عملية سياسية أو رعايتها من دون تحديد الوجهة السياسية لأي تسوية. أما إيران، فتتقدم لتعبئة الفراغ وتعزيز وضع حلفائها في البلد، وإن كان ذلك عبر خطاب دبلوماسي هادئ يستثمر في الفراغ اللبناني القاتل.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية