قصة إيقاف وإعادة الإمام الإخواني في الجزائر

قصة إيقاف وإعادة الإمام الإخواني في الجزائر

قصة إيقاف وإعادة الإمام الإخواني في الجزائر


24/08/2023

أثار إيقاف ثمّ إعادة د. الطاهري بلخير الإدريسي، إمام مسجد القدس بمدينة وهران الجزائرية (400 كيلومتر غرب)، لغطاً عارماً، غداة مهاجمته ظاهرة "السياحة الجنسية"، فما القصة؟

بدأ كل شيء في خطبة الجمعة الأخيرة، حين تطرّق البرلماني السابق عن حركة (السلم) الإخوانية، بلخير الإدريسي، إلى "مجموعة من الدخلاء الذين يرتادون حي العقيد لطفي في وهران، وحوّلوا كثيراً من مساكنه إلى دُورٍ للدعارة"، وقد صنّف الإدريسي ما يحدث في خانة "نظرية الاستخفاف"، وشجب "سعي دوائر لم يسمّها لتشويه تاريخ وقيم مدينة، ورمزية حي يحمل اسماً ثورياً كبيراً".  

وعلى نحو متسارع، كشف الإدريسي بعد ساعات عن تلقيه قراراً شفوياً بإيقافه عن ممارسة الإمامة، ليشتعل الجدل في شبكات التواصل، قبل إعلان عضو مجلس الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية الجزائرية السبت عن إبلاغه بقرار ثانٍ يسمح له بمزاولة الإمامة.

ولدى ظهوره في شريط فيديو على منصة (يوتيوب) اعترض الإدريسي على ما سمّاه "إبعاد كثير من المقاطع عن سياقاتها"، وتصوير "الواقع الجزائري على غير حقيقته"، مصرّحاً: "نحن نعيش في بحبوحة من حرية الرأي، والجزائري يتحدث ملء فيه بما يسمح له به الدستور الجزائري بعيداً عن القذف والاتهام والكذب".

ورداً عمّن خاضوا في ما سمّوها "الخطب والدروس المسجدية الجاهزة"، حرص الإدريسي على التشديد: "أعمل إماماً منذ (30) عاماً، ولم يحصل يوماً أن قامت وزارة الشؤون الدينية بإرسال خطبة أو درس جاهز لأيّ إمام، هذا لم يحدث على الإطلاق في الجزائر، خلافاً لما يقع في دول الجوار".

مدينة وهران الجزائرية

واستغرب الإمام ما تردّد من أنّ "النظام يكمّم الأفواه ويقطع الأرزاق والأئمة يحتجون"، حيث نفى الإدريسي الأمر رأساً، ولفت إلى أنّه "أستاذ جامعي وإمام متطوع، ولم يتعرض له أحد، والقضية عُولجت بحكمة، وبدأت الجمعة بقرار شفوي، وانتهت بقرار مماثل في اليوم الموالي".

وانتهى الإدريسي إلى أنّه خاض في "السياحة الجنسية، حتى يقوم بوأد الفساد في محضنه"، مضيفاً: "أعيش في وهران منذ (35) عاماً، وأقيم في حي العقيد لطفي الشهير الجميل في وهران منذ (20) عاماً، وهناك من استهجن عدم حديثي من قبل عن الفساد، فأقول له: إنّ الأمر يتعلق بظاهرة جديدة أردنا وأدها في مهدها".   

معنى "الدخلاء"

وسط صمت مطبق تعاطته حركة (السلم) وغيرها من واجهات الإخوان في الجزائر، تساءل الصحفي والناشط الاجتماعي محمد إيوانوغان عن معنى كلمة "الدخلاء" التي ظلّ يردّدها الإمام المذكور، وقال: "سمعت إمام وهران، ولم أفهم هل نهى الرجل عن الدعارة؟ أم عن "دخلاء" وهران؟".

وقلّل إيوانوغان من أهمية ما ذكره الإدريسي، مضيفاً: "كلام الأئمة بالنسبة إليّ هو كلام فارغ لا يستحق المتابعة. لكن على الأئمة على الأقل رفع مستواهم وعدم ترديد كلام المقاهي".

لدى ظهوره في شريط فيديو على منصة (يوتيوب) اعترض الإدريسي على ما سمّاه "إبعاد كثير من المقاطع عن سياقاتها"

وذهبت الناشطة نور هيبارا إلى أنّ الأمر يتعلق بـ "أغنية جديدة للجدل فقط، كيفها كيف غيرها، المنتج نفسه والمصنع كذلك"، في المقابل، شدّد سمير قاشي على أنّ الإمام المعني "نهى عن الرذيلة، وحاول تبييض صورة أبناء الحي، وقال: إنّ من يقومون بهاته الأفعال المشينة غرباء عن الحي، وليسوا من أصلائه"، ليردّ عليه إيوانوغان: "في كل أحياء الجزائر ستجدهم يقولون لك إنّ من يسرق ماشي ليس ابن الحي، ومن يمارس الدعارة ليس ابن الحي، ومن يعتدي على الناس ليس ابن الحي...، من أين خرج هؤلاء؟ أليسوا أبناءنا؟"، وأكّد ضرورة عدم تحدّث الإمام كعامة الناس.

ورأى صابر بلقاسم أنّ "المشكلة هي صنيعة من يعتبرون أنفسهم سلفيين"، بينما رفض كريم عين أودايفيش "ترديد الأئمة لكلام المقاهي"، وبطريقة دفاعية، سجّل أحد الناشطين أنّ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبقى واجباً شرعياً"، وهو ما أثار حفيظة محمد إيوانوغان الذي كتب "ما هو المعروف الذي يجب أن نأمر به؟ والمنكر الذي يجب أن ننهى عنه؟".

سوابق الزمن البوتفليقي

ركّز الناشط حسان بوراس على أنّه كان الأولى بالإدريسي "التحدّث حين كان نائباً في البرلمان"، منتقداً عدم تنديد الإمام ذاته بـ "الفسق الحزبي الذي مارسته حركة (السلم) التي كان ينتمي إليها في التحالف الرئاسي".

ولاحظ الإعلامي المخضرم محمد علواش أنّ "الإمام المذكور كان عضواً فاعلاً في البرلمان ووزارة الشؤون الدينية في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وزكّى كل القوانين، بما فيها مشاركته في لجنة تعديل الدستور وفتح الفترات الرئاسية".

وتابع علواش: "أتحداه أن يقول ولو كلمة واحدة في حق المساجين ومعتقلي الرأي، أو كلمة حق واحدة في حق الفاسدين الذي عاثوا في البلاد فساداً. بارك كل شيء، وما يزال على استعداد لمباركة كل شيء"، مشيراً إلى أنّ "حصر الحديث في الجانب الأخلاقي بطريقة عمومية واستعراضية، هو تكريس لاستمرار نظام الفساد".

من جهته، أبرز الناشط نذير صيد أنّه كان على الإمام "أن يراعي كلماته وفق منطق لكل مقام مقال. كلام الشوارع لا يقال في المساجد، الحياء من الإيمان، وأنا مع توقيفه"، في حين ركّز أحمد حمادي: "حين تركنا النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، خرج لنا أهل المنكر يأمروننا بالمنكر، وينهوننا عن المعروف".

وأيّد الناشط عبد الرحمن بويكا طرح الإمام، لكنّه تحفّظ بشأن خطبته، وأنّه كان مطالباً بـ "انتقاء الكلمات التي تصلح في المسجد، من باب احترام المنبر وبيوت الله.

هجوم معاكس

على النقيض، سلك أسامة وحيد اتجاهاً مغايراً، وفي تغريدة على شبكة (فيسبوك) أورد: "في محاولة بائسة و"مقرفة" لتمييع محتوى النقاش من طرف حراس النوايا وسدنة المعبد وقراصنة الضمير، الطاعنين في كل شيء والمكتظ بهم هذا الفضاء الإلكتروني، ذهب بعضهم للبحث عن "أرشيف" الإمام الدكتور ليأتوا لنا بتاريخه من يوم كان نائباً عن (السلم) ليزجّوا بإيديولوجية الرجل وانتمائه السياسي في القضية، وكلّ ذلك للطعن فيه والتشكيك في كلمة الحق التي قالها في وجه زمن بائس".

وتابع: "حتى أكون واضحاً، فإنّ وقوفنا مع الرجل الشيخ لا علاقة له بإيديولوجيته ولكنّه وقوف في صف "كلمة" قالها، وهذا الموقف لو جاء على لسان "سعيد سعدي"، لكان لنا منه الموقف نفسه. بعبارة أدق، تضامننا مع الشيخ منبعه وأساسه القضية التي "دافع" عنها والحقيقة التي صدح بها، أمّا ما كان منه من مواقف سابقة أو مواقف آتية، فذاك شأن وكلام آخر".

واعتبر وحيد أنّ "القضية هي كلمة الحق في آفة أخلاقية صدح بها الدكتور الإدريسي فيما سكت عنها غيره، إمّا خوفاً وإمّا مجاملة للمسخ، لذلك فلا داعي لتسييس موقف جريء يُحسب لداعية من شيوخ الجزائر، بعيداً عن مسلسلات التخوين والطعن التي يُراد عبر شجرتها إخفاء "الغابة" التي احتطب منها الدكتور موقفه وقوله الحق".

مواضيع ذات صلة:

فيلم باربي في الجزائر... منعٌ غير معلن وتفاعلات مستمرة

الجزائر: ما حقيقة علاقة الطاهر وطار وجماعات الإسلام السياسي؟

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية