قلق متزايد... كيف تهدد حرب غزة أسواق الطاقة العالمية؟

قلق متزايد... كيف تهدد حرب غزة أسواق الطاقة العالمية؟

قلق متزايد... كيف تهدد حرب غزة أسواق الطاقة العالمية؟


06/12/2023

مع دخول حرب غزة شهرها الثالث، تتصاعد المخاوف بأسواق الطاقة العالمية خشية سيناريوهات صعبة قد تواجهها الدول؛ بسبب تصاعد أزمة الحرب وتداعيتها على الاقتصاد العالمي، وخاصة أسواق النفط في منطقة الشرق الأوسط، فيما تتراوح التقديرات بين السلب والإيجاب بشأن التأثيرات المحتملة، ولا سيّما في ضوء التوترات داخل المياه الإقليمية.

وفي الوقت الراهن، تراقب أسواق الطاقة العالمية عن كثب مجريات الحرب الراهنة في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي من المُرجح أن تستمر أسابيع طويلة، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بدقة بأبعادها وتبعاتها على المنطقة والعالم، بحسب دراسة حديثة صادرة عن (مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة) للباحث إبراهيم الغيطاني.

وقد أُثيرت مخاوف جدية حول احتمالية تصاعد الحرب واتساع نطاقها الإقليمي على نحو قد يفضي إلى تعطل إمدادات النفط والغاز القادمة من الشرق الأوسط. وربما انحسر القلق العالمي بفضل تسارع الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية لتحجيم نطاق الأزمة، ممّا يجنب العالم حتى الآن صدمة جديدة في أسواق الطاقة. ومع ذلك، يبقى انجرار أطراف إقليمية أخرى للحرب احتمالاً قائماً، الأمر الذي قد يتبعه اضطراب في أسواق الطاقة والاقتصاد العالميين.

تفسير الصدمات على أسواق النفط

تحت هذا العنوان يستعرض الباحث عدداً محدوداً من الأدبيات العلمية للصدمات التاريخية لأسواق الطاقة العالمية وخاصة النفط، مع تحديد أنماطها، وتفسير أسبابها، إذ استخدمت بعض الدراسات نموذجاً يرتكز على (3) متغيرات لتفسير صدمات الطاقة في العالم، وهي: إنتاج النفط، والنشاط الاقتصادي الحقيقي (باستخدام مؤشر دورة الأعمال)، وأسعار النفط. وهذه متغيرات حاكمة في التأثير في استقرار أسواق الطاقة العالمية كافة بنهاية المطاف.

وقد ميزت الأدبيات، بحسب الدراسة، بين نمطين رئيسيين لصدمات الطاقة، وهما: أوّلاً صدمة الإمدادات، وترتبط في المقام الأول بالتغير الجذري في مستوى الإنتاج العالمي من النفط أو الغاز الطبيعي، وهي ناتجة، كما يُظهر التاريخ، عن صراعات جيوسياسية حادة في مناطق الإنتاج الرئيسية أو تحولات سياسية جذرية على الساحة الدولية.

دراسة: تسببت الحرب المستمرة حتى الآن في غزة في تصاعد القلق العالمي بشأن إمكانية تأثر إنتاج الشرق الأوسط من النفط والغاز، وبالتالي اضطراب أسواق الطاقة العالمية.

وكمثال حديث على ذلك، أدى نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في شباط (فبراير) 2022، إلى انقطاع معظم تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا، وصاحب ذلك ارتفاع في أسعار الغاز الأوروبي في العام نفسه بنسبة 148% مقارنة بعام 2021، وكشاهد تاريخي آخر على ذلك، تسببت حرب الخليج الأولى في عام 1990 في أكبر زيادة تاريخية في أسعار النفط بنسبة قاربت 53% خلال فترة (3) أشهر، من آب (أغسطس) إلى تشرين الأول (أكتوبر) 1990.

ثانياً: صدمة الطلب، وتنصرف إلى التغير الحاد في الاستهلاك العالمي للطاقة بتأثير من دورات الاقتصاد العالمي (النمو السريع أو الركود الحاد). وخير مثال على ذلك الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي أدت إلى انكماش واسع للنشاط الاقتصادي العالمي، وانخفاض أسعار النفط الخام بنسبة 102% مقارنة بمستوياته ما قبل تلك الأزمة.

هناك مخاوف من تراجع المعروض من إمدادات الطاقة واحتمالية حدوث اضطرابات في أسواق النفط والغاز

وقد تحدث صدمات الطاقة عندما يشهد الطلب على النفط أو الغاز نمواً قوياً في مواجهة مرونة منخفضة للمعروض، أو يكون هناك قدر وافر من الإمدادات يقابله ركود في الطلب، وهذا ما حدث أثناء جائحة "كورونا"، عندما تدهورت أسعار النفط بشدة مع انخفاض الاستهلاك جراء الإغلاق الاقتصادي العالمي، وبالتالي، يمكن القول إنّ ديناميكية العرض أو الطلب تحدد مسار صدمة أسعار الطاقة، وليس جانباً واحداً من تلك الديناميكية. 

 تذبذب الأسواق العالمية

بحسب الدراسة، تسببت الحرب المستمرة حتى الآن في قطاع غزة في تصاعد القلق العالمي بشأن إمكانية تأثر إنتاج الشرق الأوسط من النفط والغاز، وبالتالي اضطراب أسواق الطاقة العالمية، وأضاف هذا التطور الجديد مخاطر جيوسياسية (risk premium) في تسعير خامي النفط والغاز العالميين.

فبعد اندلاع هذه الحرب، وصلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت ذروتها عند (92) دولاراً للبرميل في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أي بزيادة تفوق (7) دولارات عن مستويات ما قبلها.

تحدث صدمات الطاقة عندما يشهد الطلب على النفط أو الغاز نمواً قوياً في مواجهة مرونة منخفضة للمعروض، أو يكون هناك قدر وافر من الإمدادات يقابله ركود في الطلب

والأمر نفسه بالنسبة إلى سوق الغاز، فقد ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المُسال في آسيا بنسبة تجاوزت 48% لتصل إلى حوالي (19) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذلك مقارنة بـ (12.8) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في جلسة 6 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. 

لكن سرعان ما تراجعت أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مستويات ما قبل الصراع تقريباً مع نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ويبدو من المنطقي، وفق الدراسة، حدوث هذا الارتداد السريع بالنظر إلى انحسار المخاوف العالمية من امتداد الصراع إلى المنطقة بأكملها، وتلاشي التحذيرات من وجود تهديدات حقيقية أمام بيع ونقل إمدادات النفط والغاز الطبيعي في المنطقة.

تراجعت أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مستويات ما قبل الصراع تقريباً مع نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي

وبنهاية الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تراجعت أسعار النفط إلى مستوى أدنى من (82) دولاراً للبرميل، وجاء ذلك أيضاً بفضل مخاوف تباطؤ الطلب العالمي من الخام، وضعف نمو الاقتصاد العالمي، بينما جرى تداول الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المُسال في شمال شرق آسيا عند (15.7) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وتقل في منطقة جنوب غرب أوروبا إلى (13.2) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، إذ تبدو أوروبا أكثر استعداداً لفصل الشتاء مع ملء مرافق تخزين الغاز بنسبة وصلت إلى 98.7% في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

ما المتوقع في ضوء التصعيد الراهن؟

يبدو سيناريو حدوث صدمة جديدة في أسواق الطاقة العالمية غير مرجح إلى حد كبير، وسط وفرة الإمدادات العالمية من النفط والغاز الطبيعي واستقرار الإمدادات من الشرق الأوسط حتى الآن. ومع ذلك، فإنّ الحرب الراهنة سوف تكرس مخاوف مستمرة لدى صُناع القرار بشأن تراجع المعروض من إمدادات الطاقة، واحتمالية حدوث اضطرابات في أسواق النفط والغاز، بحسب الدراسة.

يبدو سيناريو حدوث صدمة جديدة في أسواق الطاقة العالمية غير مرجح إلى حد كبير، وسط وفرة الإمدادات العالمية من النفط والغاز الطبيعي واستقرار الإمدادات من الشرق الأوسط حتى الآن

ورجح البعض أنّ الإدارة الأمريكية قد تتجه إلى تضييق الخناق أكثر على تصدير النفط الإيراني، مع انتشار مزاعم حول تورط طهران في مساعدة حركة حماس عسكرياً قبل الحرب الحالية. وسوف يوقف أيّ إجراء عقابي أمريكي جديد نمو مبيعات النفط الإيراني التي وصلت ذروتها عند (1.5) مليون برميل يومياً في شهر آب (أغسطس) الماضي، وهو أعلى مستوياتها خلال (5) أعوام.

ومن منظور أوسع، إذا تصاعد الصراع الراهن واتسع نطاقه في الشرق الأوسط، فسوف يؤدي إلى تزايد عدم اليقين، وكذلك التقلبات في أسواق الطاقة العالمية. وربما يؤدي تورط أطراف إقليمية وفواعل مسلحة أخرى في تلك الحرب إلى إلحاق أضرار مباشرة بالبنية التحتية لإنتاج ونقل النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، ممّا يتبعه حتماً اضطراب واسع في أسواق الطاقة العالمية.

وفي ضوء تلك المخاوف، وضع البنك الدولي (3) سيناريوهات رئيسية حول تعطل إمدادات النفط جراء حرب غزة وما سيصاحبها من ارتفاع أسعار الخام. ويفترض البنك الدولي أنّ الإمدادات قد تنخفض نحو نصف مليون برميل في أدنى السيناريوهات وتصل في أقصاها إلى (8) ملايين برميل يومياً، وسيصاحب ذلك زيادة أسعار النفط لما يتراوح بين (93) دولاراً عند أقل نقطة، و(157) دولاراً للبرميل في سيناريو "التعطل الكبير".

ولا ينفصل خطر التصعيد بالشرق الأوسط عن مجريات أسواق الغاز العالمية خاصة في أوروبا. وفي الواقع، ما تزال سوق الغاز في القارة الأوروبية أكثر حساسية لاضطرابات الإمدادات؛ نظراً لتحولها إلى الاعتماد على شحنات الغاز المُسال الفورية لتعويض نقص الغاز الروسي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. وإذا ما تصاعدت المخاطر في الشرق الأوسط، فهذا قد يعني انخفاض تدفقات الغاز بأسواق الاستهلاك الرئيسية، ممّا سيقود إلى ارتفاع قياسي في أسعار الغاز الطبيعي ليس في أوروبا فقط، وإنّما أيضاً في باقي مناطق العالم.

التعقيدات والتشابكات الجيوسياسية لحرب غزة ستجعل من الصعب الجزم بمسارات أسواق الطاقة في الفترة المقبلة.

وإجمالاً تقول الدراسة: إنّ التعقيدات والتشابكات الجيوسياسية لحرب غزة ستجعل من الصعب الجزم بمسارات أسواق الطاقة في الفترة المقبلة، إذ إنّ مجريات الحرب الراهنة، وما إذا كانت ستظل محصورة في قطاع غزة أم قد تنتقل إلى دول أخرى في الشرق الأوسط؟ وكيف سترد الأطراف الأخرى في المنطقة على الحرب؟ هي كلها عوامل ستحدد التداعيات المُحتمل أن تتركها تلك الحرب على استقرار أسواق الطاقة العالمية.

وتتوقع الدراسة أن يترقب منتجو النفط والغاز الطبيعي مجريات الحرب الراهنة وتطورها لتقييم مسارات الاستجابة الممكنة من أجل دعم استقرار أسواق الطاقة. ومن الوارد أن يبقى السحب من المخزونات الاستراتيجية للنفط والغاز الطبيعي أو التحول إلى مصادر أقل جودة بيئياً مثل الفحم؛ خيارات مطروحة على طاولة صُناع القرار في أسواق الاستهلاك للتعامل مع أيّ طوارئ مُحتملة في الفترة المقبلة.

مواضيع ذات صلة:

عواقب الانحياز... هل تشهد الدول الغربية موجة إرهاب جديدة بعد حرب غزة؟

المخاطر تحدق بغزة: من لم يمت بالقصف مات بالأوبئة

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية