عواقب الانحياز... هل تشهد الدول الغربية موجة إرهاب جديدة بعد حرب غزة؟

عواقب الانحياز... هل تشهد الدول الغربية موجة إرهاب جديدة بعد حرب غزة؟

عواقب الانحياز... هل تشهد الدول الغربية موجة إرهاب جديدة بعد حرب غزة؟


05/12/2023

لا يقتصر مفهوم اتساع الصراع الحالي بين الجانبين؛ الإسرائيلي والفلسطيني، على منطقة الشرق الأوسط؛ بل يمكن أن يتسع ضمن أشكال أخرى، وعلى نحو غير مباشر إلى بقية أنحاء العالم، ولا سيّما الدول الغربية، حيث تؤدي حالة الاستقطاب الشديدة التي أفرزها هذا الصراع دوراً في تصاعد التهديدات الأمنية، خاصة في الدول التي انحازت بقوة لإسرائيل، على حدّ تقدير دراسة حديثة صادرة عن (مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة) للباحث التونسي أحمد نظيف.

وتعتبر الدراسة أنّ مناخات الاستقطاب هذه، والتجارب التاريخية المرتبطة بذلك الصراع، تكشف عن وجود بيئة ملائمة للهجمات الإرهابية، التي جرت بعض وقائعها بالفعل خلال الأيام الأولى من الحرب، في فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة، حيث تستغل القوى المتطرفة الصراع للعودة إلى الواجهة.

احتمالات توظيف الصراع وصبغه عقائدياً

يمثل الصراع الراهن فرصةً للجماعات المتطرفة، بوصفه يحمل بُعداً دينياً، حيث تعتمد المجموعات الإسلاموية من جهة، والمجموعات اليمينية المتطرفة من جهة مقابلة، على سردية "صِدام الحضارات"، كعقيدة لإدارة سلوكها السياسي؛ لأنّ صراع الحضارات يحتفظ بدور سياسي مركزي لتلك المجموعات التي تجد في التلاعب بالهويات أداة تعبئة قوية، بحسب الباحث.

دراسة: تأثير الصراع في الشرق الأوسط في المجتمعات الغربية يبدو أكثر عمقاً ممّا نعتقد، وهو ما يتردد صداه مع الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية العميقة

 كذلك يُعدّ الاستقطاب الحاصل دولياً حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بيئة مناسبة لإبراز هذه العقيدة، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشكل واضح، خلال استقباله رئيس الوزراء الهولندي مارك روته يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قائلاً: "نحن في حرب حضارية ضد الهمجية".

 وهو ما يعيدنا تقريباً إلى أجواء بداية القرن الحالي بين عامي 2000 و2003، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، والحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق، وكذلك نشهد تعمقاً لثنائية الصراع بين "الغرب وبقية العالم"، كما سمّاها عالم الاجتماع الأمريكي (ستيوارت هول).

قد تؤدي حالة الاستقطاب الشديدة التي أفرزها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دوراً في تصاعد التهديدات الأمنية، خاصة في الدول التي انحازت بقوة لإسرائيل

وتشير الدراسة إلى أنّ تأثير الصراع في المجتمعات الغربية يبدو أكثر عمقاً ممّا نعتقد، وهو ما يتردد صداه مع الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية العميقة، ويخشى صُناع السياسات أن تؤدي التداعيات المستمرة للحرب الجارية إلى تفاقم هذه التوترات، في ظل وجود مجتمعات يهودية ومسلمة كبيرة، فضلاً عن الماضي الاستعماري للدول الغربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

وعلى الرغم من أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا شكّلت إجماعاً نادراً بين هذه المجتمعات والطبقة السياسية الحاكمة، فإنّ الحرب في قطاع غزة ربما تكشف عن الانقسامات القوية التي يرتكز عليها الصراع ذو الأبعاد الدينية والعرقية.

هجمات داخل الدول الغربية

منذ بداية الحرب الجارية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، شهدت عدة مدن غربية هجمات إرهابية، لم يثبت حتى الآن مدى ارتباطها المباشر بالصراع الدائر في الشرق الأوسط، لكنّها شكّلت جزءاً من حالة الخوف التي اجتاحت المنطقة، وجاءت هذه الهجمات كما توضحها الدراسة كالآتي:

هجوم مسلح نفذه إسلامي فرنسي من أصل إنغوشي (قوقازي، روسي) يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) استهدف مدرسة ثانوية، في مدينة أراس عاصمة مقاطعة با دو كاليه شمال فرنسا، وأدى إلى مقتل أستاذ الأدب دومينيك برنارد، وإصابة (3) أشخاص آخرين، (2) منهم في حالة خطرة. وقبل وقت قصير من الهجوم سجلّ محمد موغوشكوف منفذ الهجوم مقطعاً صوتياً أعلن فيه مبايعته لتنظيم (داعش).

المتطرف الأمريكي جوزيف تشوبا الذي قتل الطفل الفلسطيني  وديع الفيوم

وعقب الهجوم، انتشر أكثر من (7) آلاف جندي من قوة مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الإقليم الشمالي، في إطار تفعيل نظام "الهجوم الطارئ"، وهو أعلى مستوى في النظام الفرنسي لمكافحة الإرهاب. وضمن مسارات موازية، أعلنت السلطات الفرنسية عن إحباط عدد من العمليات قبل حدوثها، أبرزها عملية في الحوض الباريسي، أُحبطت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتم اعتقال مدبرها الذي كان يريد استهداف أشخاص يتهمهم بـ"التجديف ضد الإسلام". ويُشتبه في أنّ المتهم منضوٍ تحت لواء تنظيم (داعش).

والهجوم المسلح الثاني نفذه متطرف أمريكي يُدعى جوزيف تشوبا (71 عاماً) بالقرب من شيكاغو في الولايات المتحدة يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر)، أدى إلى مقتل الطفل الفلسطيني وديع الفيوم، وإصابة والدته بجروح خطرة، وبحسب النتائج الأولية للتحقيق، فإنّ هذا الهجوم مرتبط بالحرب الجارية في قطاع غزة، وقالت الشرطة إنّ المحققين تمكنوا من تحديد أنّ الضحيتين تم استهدافهما من قِبل المشتبه به لأنّهما مسلمان، وبسبب الصراع المستمر بين حماس والإسرائيليين.

أمّا الهجوم الثالث، فقد وقع يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر)، ونفذه متطرف إسلامي وسط العاصمة البلجيكية بروكسل، وأودى بحياة سويديين وإصابة ثالث بجروح خطرة. وفي مقطع فيديو ظهر عقب الحادث، عرّف المهاجم نفسه بالاسم الحركي عبد السلام الجيلاني (من أصول تونسية)، وأعلن أنّه عضو في "الدولة الإسلامية"، وعمل على "الانتقام للمسلمين بسبب حوادث حرق المصحف في السويد". 

المخاطر الأمنية في الدول الغربية ستكون مترابطة بالقدر الذي تطول فيه الحرب في غزة، حيث ينذر طول الحرب وتوسعها وتوحشها أحياناً بمخاطر أمنية عالية، ومن المُرجح أن تكون في شكل عمليات فردية وبوسائل فردية، طرفاها الرئيسيان العناصر الجهادية وتلك اليمينية المتطرفة

وفي اليوم التالي، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم عبر وكالته الصحفية (أعماق). وكان هذا أول هجوم في أوروبا يعلن التنظيم مسؤوليته عنه منذ إطلاق النار في فيينا قبل (3) أعوام.  

وفي الـ (25) من الشهر ذاته قُتل (22) شخصاً على الأقل وأصيب عشرات آخرون بجروح، في حادث إطلاق نار في مدينة لويستون بولاية مين شمال شرق الولايات المتحدة. وأفادت شرطة الولاية بأنّ المشتبه به يُدعى روبرت كارد، ويبلغ عمره (40) عاماً، ولم يتم رصد مؤشرات على أنّ الحادث كان هجوماً إرهابياً. وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإنّ كارد يعاني من مشكلات نفسية، وكان يخدم في الجيش، وتلقى تدريباً على استخدام الأسلحة النارية.

دوافع عقائدية 

بحسب الدراسة، يقوم المنطق العقائدي للجماعات المتطرفة، سواء أكانت إسلاموية أم يمينية عنصرية، على اعتبار أنّ الصراعات حضارية، وتضع خطوط فصل جذرية بين الحضارات والمنتمين إليها على أيّ أرض كانوا، لذلك تؤدي تكتيكات استيراد الصراع من الشرق الأوسط دوراً كبيراً في تعبئة العناصر المتطرفة، وخاصة ذوي الاقتناع الفردي النظري، الذين لا يكون لهم ارتباط تنظيمي واضح بأيّ جماعة إرهابية. وهو ما يجعل طبيعة هذه الهجمات تقوم على فرد واحد، وبوسائل فردية كالأسلحة البيضاء أو الأسلحة النارية الفردية أو الدهس.

لكن بالنسبة إلى الجماعات الإسلاموية، يأخذ الصراع في فلسطين، والصراعات في العالم الإسلامي عموماً، جانباً أكثر عمقاً في سلوكها "الجهادي"، حيث شكّلت الأزمات الجيوسياسية في المنطقة العربية ودول العالم الإسلامي دائماً دافعاً للهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيما (القاعدة وداعش)، أو حتى الجماعات الجهادية الجزائرية في التسعينيات في أوروبا. 

وقد كانت الحرب في سوريا والعراق وأفغانستان دائماً امتداداً للنشاط الإسلاموي في أوروبا والولايات المتحدة، بداية من هجمات الجماعة المسلحة الجزائرية في باريس عام 1995، مروراً بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وصولاً إلى الهجمات المتفرقة في أوروبا منذ هجمات مدريد 2004 إلى اليوم، إذ شكّل سلوك الدول الغربية ومواقفها من أزمات وحروب العالم الإسلامي دافعاً أساسياً للجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات داخل هذه الدول، وربما أضفى أيضاً نوعاً من الشرعية على هذه العمليات لدى قطاع من الرأي العام العربي والإسلامي، ولاسيّما هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة.

طبيعة المخاطر المتوقعة

تتوقع الدراسة أن تكون المخاطر الأمنية في الدول الغربية مترابطة بالقدر الذي تطول فيه الحرب في غزة، حيث ينذر طول الحرب وتوسعها وتوحشها أحياناً بمخاطر أمنية عالية، ومن المُرجح أن تكون في شكل عمليات فردية وبوسائل فردية، طرفاها الرئيسيان العناصر الجهادية وتلك اليمينية المتطرفة، أمّا أهدافها، فيمكن أن تكون أفراداً أو مجموعات من خلفيات مسلمة أو يهودية أو مراكز ومؤسسات دينية أو دور العبادة الإسلامية واليهودية، وكذلك المؤسسات الأمنية والتعليمية والثقافية.

ولا ترتبط الهجمات المتوقعة بطول أمد الصراع القائم فقط، بل كذلك بطبيعة المواقف السياسية التي تصدرها الدول الغربية تجاه هذا الصراع، حيث أدى الانحياز الغربي الكبير إلى الجانب الإسرائيلي، وتراجع خطاب "حقوق الإنسان" في مقابل صعود "خطاب الانتقام"، إلى غضب عربي وإسلامي غير مسبوق. وعلى الرغم من أنّ القطاع الأوسع من هذا الرأي العام عبّر عن غضبه في شكل دعم قوي للجانب الفلسطيني من خلال المظاهرات وحملات التبرع والكتابة والحديث في وسائل الإعلام، فإنّ هذا الغضب قد يتحول لدى البعض إلى سلوك عنيف يمكن أن يُترجم في شكل هجمات فردية، وكذلك اقتناع بأدبيات الجماعات الإرهابية. وفي الجانب المقابل، يمكن أن يُترجم الاستقطاب الشديد في هذه المجتمعات إلى تصاعد الكراهية ضد المسلمين، وتنامي حدة وعنف المجموعات اليمينية المتطرفة وموجات كراهية الأجانب.

تتوقع الدراسة أن تكون المخاطر الأمنية في الدول الغربية مترابطة بالقدر الذي تطول فيه الحرب في غزة

ويقول الباحث إنّ هذه المخاطر الأمنية المتصاعدة يمكن أن تقود الدول الغربية إلى تعديل مواقفها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنّ هذه المخاطر في الوقت نفسه تؤدي دوراً سلبياً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية لدى الرأي العام العالمي، حيث يمكن أن يقود الربط الخاطئ بين العمليات الإرهابية في الغرب والقضية الفلسطينية إلى تشويه حقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي تضع حملاً أثقل على الفلسطينيين والعرب لشرح قضيتهم للعالم، وهو الأمر الذي حدث بشكل بالغ السوء في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. 

وفي جانب آخر من الصورة، تُظهر هذه المخاطر المتصاعدة ترجمةً واضحةً لانقسام العالم المتزايد بين معسكر غربي في مواجهة بقية العالم، حيث يكشف هذا الاستقطاب مركزية الصراع في الشرق الأوسط في تجذير حدة هذا الانقسام وديمومته وعنفه، وأنّ أيّ مساعٍ لتقليص هذا العنف لن تكون ذات جدوى في ظل هذا الصراع.

وقد شكلّ الانحياز الكبير للقوى الغربية إلى الجانب الإسرائيلي في حرب غزة، وازدواجية المعايير فيما يتعلق بحماية المدنيين، والردّ الإسرائيلي العنيف ضد الفلسطينيين؛ حالة من الغضب في صفوف الرأي العام العربي والإسلامي، وكذلك في رأي العرب والمسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية. 

ذلك أنّ المنطق الغربي القُطري لا يفهم بشكل عميق مدى الترابط الروحي بين المجتمعات العربية والإسلامية، بسبب روابط الدين واللغة والثقافة، وبالتالي لا يقدّر بشكل دقيق العواقب الأمنية لهذا الانحياز، ويُخشى أن يكون ذلك إعادة إنتاج للحظة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، التي أدت إلى تعميق الكراهية تجاه الغرب وخاصة الولايات المتحدة، بسبب الانحياز إلى الجانب الإسرائيلي، ليجد العالم نفسه بعد شهور أمام هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، غير المسبوقة.

مواضيع ذات صلة:

-بعد أسابيع من المحرقة الإسرائيلية.. قطاع غزة يواجه كارثة اقتصادية

المخاطر تحدق بغزة: من لم يمت بالقصف مات بالأوبئة

انطلاقاً من غزة... هل تنفتح روسيا والصين على ارتباطات أوثق بقضايا الشرق الأوسط؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية