قمة التحولات في جدة: تحديات المستقبل العربي

قمة التحولات في جدة: تحديات المستقبل العربي

قمة التحولات في جدة: تحديات المستقبل العربي


20/05/2023

رفيق خوري

سلسلة القمم العربية الدورية سنوياً بدأت بشيء ثم وصلت إلى شيء آخر. كان الموضوع الفلسطيني هو القضية، وما ركزت عليه القمة الأولى في القاهرة عام 1964 والثانية في الإسكندرية عام 1965 هو العمل لمنع إسرائيل من تحويل نهر الأردن، ثم استقر الرأي على تحويل روافد نهر الأردن في البلدان العربية وتشكيل قيادة عربية موحدة لتنظيم الأمر، وهو ما فشل مع الأسف.

تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية تبعه بعد هزيمة 1967 الاعتراف بالمنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، واللاءات الثلاث في قمة الخرطوم تلاها البحث في إنشاء "جبهة واحدة من الجولان إلى العقبة" وتخصيص ملياري دولار لدعم دول المواجهة.

لكن ما حدث بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ومعاهدة "كامب ديفيد" والتطورات في المنطقة هو التشعب في مواضيع القمة. صار جدول الأعمال الذي يعده وزراء الخارجية عشية القمة مجموعة بنود، لكل بلد عربي بند منها يتضمن مسألة تهمه مباشرة، بحيث يعلن القادة العرب دعم هذه المسائل التي يعاد طرحها في القمم المقبلة لأنها تبقى بلا حل. وكان أبرز ما يحدث في القمم هو المصالحات بين القادة، والمداولات والتفاهمات الثنائية التي تحصل بينهم، هكذا غرقت القمم في التفاصيل وخسرت أهميتها، فلم تعد مثل القمم الأوروبية التي يتم عقدها حول مسألة واحدة كلما دعت الحاجة، وتستمر المناقشات حتى الوصول إلى حل أو ترك الحل لقمة مقبلة.

قمة جدة التي تحمل الرقم 32 في سلسلة القمم الدورية العادية غير الاستثنائية تأتي في ظل تحولات كبيرة في المنطقة والعالم، كما وسط تعدد القضايا والتحديات أمام العرب. التحولات لا تزال في حالة سيولة على المستوى الدولي، حيث حرب أوكرانيا والصراع الجيوسياسي بين أميركا والصين وروسيا، والتحولات في المنطقة لم تصل إلى العمق بعد. من "اتفاقات أبراهام" بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية والبحرين والمغرب والسودان، إلى الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية الصين، ومن الانفتاح العربي على سوريا واستعادة مقعدها في الجامعة إلى التقارب السوري - التركي برعاية روسيا وإيران، ومن التقارب المصري - التركي إلى التحالف السوري - الإيراني، ومن التقارب السعودي - التركي إلى التقارب الإماراتي - التركي، غير أن ذلك كله بدايات تحتاج إلى كثير للوصول إلى النهايات، فليس هناك نظام أمني عربي، لا فقط للدفاع عن القضايا العربية بقوة بل أيضاً للتدخل القادر على وقف الحروب وحل الأزمات في اليمن وسوريا ولبنان وليبيا والسودان وتونس، وما من نظام أمني إقليمي يحتاج بشكل أساسي وملح إلى دور عربي مهم على المسرح الذي تلعب فوقه إيران وتركيا وإسرائيل، وليس هناك بالطبع نظام عالمي تعددي بالفعل على رغم هبوط الأحادية الأميركية.

جديد التحولات هو انتقال القوة والثروة من المحيط والمتوسط إلى الخليج، وهو أيضاً تركيز الاهتمامات على التنمية المستدامة ونوعية التعليم وبداية الجمع بين استخدام التكنولوجيا والقدرة على تطوير التكنولوجيا والوصول إلى ذهنية التكنولوجيا، فضلاً عن تكريس زعامة السعودية العربية والإسلامية، ولا مهرب من جدول الأعمال التقليدي في القمة بما يرضي كل دولة، لكن المهم هو العودة إلى ما بدأت به سلسلة القمم الدورية: التركيز على موضوع والسعي إلى الاتفاق على حل له، وإلا بقي العرب يمارسون المراوحة في المكان والزمان حول قضايا على جدول الأعمال الذي يبقى من ورق، وحان الوقت للتوقف عن الاستخدام المستمر لخطاب الثوابت من أجل واقع التنازلات.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية